أهم الأخبار
بشير البكالي

بشير البكالي

رسالة من أمي.. واليها أكتب.!

2016-12-02 الساعة 12:25ص

أمي الحبيبة وصلتني رسالة مفادها "بشير .. أمك قالت بصوت يخنقه البكاء: "يعلم الله انني عاد بحتضن أبني؟؟ "

ماما حبيبتي: حتى أنا لا أدري هل سأعود إليك واحتضنك وأقبل كفيك وقدميك؟

ما أنا متأكدًُ منه هو أن ثرى هذه الصحراء سوف يحتضنني ويعانقني بحب، إن أنا مًُت في سبيل تحرير الوطن والدفاع عن شرف الجمهورية المغتصبة من قوى الظلام.

أمي الحبيبة: هذه الحرب جعلت مني قوياً رغم الأوجاع التي أحتسيها، ووهبتني جرعة زائدة من الشجاعة بالقدر الذي يصل صاروخ الكاتيوشا على بعد أمتار مِني دون أن يخيفني، وحده صوت الانفجار ودخانه يجعلنا نصمت لثوانٍ ثم نقهقه بضحكة جماعية لو رأنا أبو خرفشة لمات غيظاً.

 

لعلك لم تشاهدي الفيديو الذي نشره أحد الرفاق بعد منتصف القصف، وفي ساعة متأخرة من القلق ،ونحن عل مرمى رصاصة من الموت ،حين كانت القناصة والمدفعية الحوثية تمطر التل الترابي بوابل من النيران ونحن نتحدث بسخرية عن الموت والقناص،حتى أن بعض المشاهدين شكك في صحة ما يرى.

يا حبيبتي: لا شيئ يثير فينا الإستغراب سوى الهدوء، أضحت الصحراء تألفنا وتحنو علينا كلما أحتشد الموت فيها وتجمهر، وصار رملها الذي لم يتواطأ مع القتلة كما فعل الكثيرون. يعانقنا بود.

مثلنا يا أمي الحبيبة: لا يجُيد اليأس؛ ففي قلوبنا يغفو بقايا وطن على أمل أن يصحو مكتملاً ويعود كما نحلم به.

أمي الحبيبة: أدرك أنه لا تهمك أبجديات السياسة والحرب بقدر ما يهمك عودة طفلك الشقي سالماً إلى حضنك الدافئ، والذي كان بإمكانه أن يهادن المليشيات بعد أن خرج من سجونهم، ويلتزم الصمت وينصرف إلى العمل في محلات والده، لكنه فضّل أن يلتحق بدرب الكرامة والطريق المثلى لعودة الوطن، وعودته هو ورفاقه ممن شردتهم عصابات السلالة، وقضت على كل شيء جميل وفخخت الأخلاق، ومزقت النسيج الإجتماعي، وعملت على طمس هويتنا.

دعيني أخبرك يا حبيبتي: عن مأساة زملائي الصحفيين والذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب في سجون الإنقلابين، الذين تجردوا من كل أخلاق الحرب، وعن أوجاع أمهاتهم اللائي لم يسلمن من الاعتداء عليهن أثناء خروجهن للمطالبة بآطلاق سراح فلذات أكبادهن.

نعم يا أمي: زميلنا عبدالخالق عمران أصبح مقعداً من شدة تعذيبهم له على مدار سنة ونصف، حتى الدكتور /يحي الجبيحي أحد عمالقة الصحافة أختطفته المليشيا مع نجليه.

أمي الحبيبة: هل تذكرين يوم عُدت من صنعاء وحدثتك بإعجاب عن الزميل العصامي عصام بلغيث، يوم كنت أعمل مع رفيقي عبد الرحمن النهاري على تجهيز إذاعة مجتمعية داهمها الحوثيون في وقتٍ لاحق واعتقلونا وصلبوا حلمنا، ونهبوا كل معدات الإذاعة ونقلوها إلى صنعاء، وفتحوا إذاعة تبث زواملهم وأحقادهم !! عصام يا ماما ذلك الفتى النبيل الذي لا تفارق البسمة شفاهه والذي أبدى مساندته ودعمه لمشروع الإذاعة وهو يضيئ حماسة كأول إذاعة مجتمعية في إقليمنا التهامي هو الآخر يقبع في إحدى زناين المليشيا، ويمارسون ضده شتى أنواع التنكيل، والعشرات من الصحفيين يقفون على حافة الموت في المعتقلات،ليس لهم ذنب سوى أنهم مارسوا مهنة الصحافة في زمن قال فيه طفل السلالة عبملك : إن الصحافيين أخطر من المقاتلين في الميادين.

أمي الحبيبة..: دعيني أعترف لك أن دموعك ساخنة كخنجر فيٍ قلبي، وأنني لن أغفر لنفسي كل ما اقترفته في حقك من خوف وقلق حد المرض وأنتِ تحدقين في ملامح الزملاء الذين يظهرون على شاشات التلفزة برفقة أبطال الجيش الوطني وتجديني في كل الوجوه.

وأخيراً أدرك أن الطريق الذي أخترته محفوفاً بالمخاطر والمتاعب لكنني أثق أنني سأعود سالماً ويعود الوطن ويتنفس الصباح بفضل صلواتك.

إلى اللقاء يا حبيبتي،،،

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص