أهم الأخبار
سامية الأغبري

سامية الأغبري

في ذكرى النكبة.. 3 سنوات من نضال الشعب ضد مشروع الإمامة

2017-09-21 الساعة 06:52م

اليوم 21 سبتمبر 2014م, الحزن يخيم على صنعاء, بكت البلاد كما لم تبكِ من قبل, خيانة واستسلام, سلمت البلاد للمليشيات الطائفية.

 

قال صديق: كان الجنود على أهبة الاستعداد لمواجهة الحوثيين, أتت التوجيهات: سلموا, لا تواجهوا ! وأضاف: رأيت جنوداً يبكون حين طلب منهم عدم المواجهة, أحدهم  كان يضرب الجدار برأسه وأخر يضربه بقبضة يده حتى أدماها, قالوا: لن نستسلم ! وسواء كان القرار حكيم أم انهزامي, فبالإضافة إلى ولاء  كثير من قادة الجيش والأمن لعلي عبد الله صالح , كانت تعقد صفقات غير محسوبة العواقب وتقدم التنازلات ,سيقت المبررات منها تجنيب البلد الحرب وحقن الدم اليمني ولم يحقن الدم ولم تسلم البلاد.

 

من لديها إمكانيات مادية من الأسرغادرت العاصمة تحسبا لانفجار الوضع, وأخرى اشترت مؤونة تكفها لأشهر, أما الغالبية لن تستطيع شراء المؤونة أو المغادرة فاستسلمت لقدرها.

 

قبيل أيام من ذكرى ثورة الـ26من سبتمبر الخالدة تقع صنعاء في قبضة المليشيا، أصوات الرصاص والقذائف، اشتباكات متفرقة, قناصة يعتلون منازل أصحابها ينتمون لجماعة الحوثي يقتنصون الجنود؛ عشرات الجثث لمدنيين ولجنود ملقاة في الشوارع وعلى أرصفة المدينة ,منع الهلال الأحمر من انتشالها, وجوه الناس واجمة، خائفة , متسائلة مالذي يحدث؟ أكل هذا من أجل ألف ريال زيادة في أسعار المشتقات النفطية ؟ أم من أجل مواد في دستور مايزال مجرد مسودة ؟ لم تكن الجرعة, ولم يكن الدستور, ولم تكن مخرجات الحوار؛ بل تنفيذ لمخطط  الثورة (المضادة), لكل ثورة أعداء: (نظام الحكم المثار ضده ،المنتفعين منه، وفي الحالة اليمنية أيضا من يريدون استعادة حكم أجدادهم البائد).


كانت الجرعة مجرد محاولة لكسب تعاطف وتأييد الناس لتحالف انقلاب (الحوثي- صالح), تماهى  وتماشى مع مشروع الحوثي عدد من المثقفين والصحفيين, فأصبحوا المبشرين والمنظرين للنكبة, رحبت أقلامهم ومداخلاتهم الإعلامية بثورة الريف, دغدغوا أحلام البسطاء والفقراء بوعود العيش الرغيد الذي ستحققه ثورة ضد (الجرعة) قائدها ابن الريف  الشاب القادم من الجبال (جيفارا العصر) عبد الملك الحوثي!

 

 البعض وهو يصفق للقادمين من الجبال, ولمن خلعوا  بزاتهم العسكرية وباعوا شرفهم العسكري, ليرتدوا ثياب المليشيات - ظن أنه ينتقم من ثورة فبراير، ومنهم من كان يظن أنه ينتقم من الأحزاب السياسية و الحوار الوطني ومخرجاته - بشروا بالخير القادم فكانت نكبة21 سبتمبر.

 

الهدف كان واضحاً لمن أراد رؤيته, قبل أيام من سيطرة المليشيا على العاصمة كان الالآف من أنصار الإنقلاب يحتشدون في اعتصامات تزعم أن مطالبها إسقاط الجرعة, انتشر المسلحون على مداخل العاصمة صنعاء, حفرت الخنادق ,  ونصبت الخيام ونقاط التفتيش, وبدأت المواجهات على مداخل المدنية بين الجيش الوطني وبين المليشيات. من خدع من البسطاء أدرك أنها الإمامة الجديدة تحاصر صنعاء , رغم تصريحات قيادات حوثية تؤكد بأن الجماعة لاتريد السيطرة على صنعاء بل إسقاط الجرعة.

 

سفراء عدد من الدول وجهوا رسالة إلى زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي مطالبين إياه بالالتزام بالمبادرة الخليجية, ودعوة مجلس الأمن الداعية إلى الانسحاب من المناطق التي تم الاستيلاء عليها, وإعادة سلاح الدولة , لم يطل الوقت ليأتي رد الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام متبجحاً ومتهماً تلك الدول باعتراض طريق الشعب , وبدا وكأنه هو الشعب ,أو هو المتحدث بإسمه  لا ناطق جماعة دينية طائفية ,وهو الشعب الذي وصفه في نفس التصريح بــ(الداعشي).

 

في مثل هذه الأيام  18 سبتمبر 1962 توفي الإمام أحمد واندلعت الثورة , وقاتل اليمنيون من اجل حريتهم , وفر البدر ومن تبقى من أسرة الإمام بعد هزيمتهم على يد الشعب , وأنهت ثورة 26 سبتمبر حكمهم إلى الأبد, لكن علي عبد الله صالح الذي لطالما ارتدى ثوب الجمهورية , وهو يحاول استعادة حكمه وينتقم من ثورة فبراير تحالف مع أحفاد الإمامة ومخلفاتها وسلمهم البلاد ليحيي أمل العودة إلى الحكم في نفوسهم, لكن  الشعب الذي لن يقبل بهم كحكام هاهو يقاتلهم بكل الوسائل الممكنة والمتاحة, الشعب الذي أسقط أجدادهم لن يسمح لهم بالعودة والحكم مجددا.

 

 لثلاثة أيام ضربت المدفعية مبنى التلفزيون الرسمي واشتعلت النيران فيه, وحوصر الموظفون, تم السيطرة على مبنى التلفزيون وعدد من وسائل الإعلام الخاصة والحزبية و المؤسسات الحكومية, واقتحمت المنازل.. نهب الحوثيون كل شيء  .. الخ.

 

ورغم هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد وخطورة الوضع لم يشأ شباب الحزب الاشتراكي أن تمر ذكرى ثورة 26 سبتمبر دون الاحتفال بها , وفي تحدٍ للمليشيات وبعد أربعة أيام فقط من السيطرة على العاصمة صنعاء احتفل الاشتراكيون بثورة الشعب المجيدة , أمام مقر الحزب رفعوا علم الجمهورية , غنوا, ورقصوا لسبتمبر ,للثورة ,للجمهورية , كان رد الإعلام المسعور للثورة المضادة  تهديدات , وحملة قذف وتشهير بمن احتفلوا.

 

 أيضاً لم يستسلم شباب الثورة وطلاب الجامعة , خرجوا في مظاهرات واعتصامات مؤيدة للشرعية ورافضة للمليشيات ,وأعلنوا موقفهم بشجاعة :  لن تُحكم اليمن بقوة السلاح, لن تحكمها المليشيات , وكشف قمع الحوثيون العنيف لاحتجاجات الطلاب عن توجه للجماعة نحو قمع وإسكات كل صوت معارض لها , وفعلاً  لوحق الطلاب والطالبات , واعتقل من اعتقل وعذب آخرون , وامتلأت السجون والمعتقلات بالصحفيين وأصحاب الرأي, ومحظوظ من يخرج وهو على قيد الحياة أو واقف على قدميه وبصحة جيدة.

 

رغم أنهم فرضوا بقوة السلاح اتفاق السلم والشراكة , وفرضوا الحكومة ,كعادتهم كانوا انقلبوا على هذا الاتفاق, وحوصر عدد من أعضاء الحكومة  وسرقت الأختام والأموال وكل شيء وجدوه أمامهم نهبوه.

 

كانت صنعاء ضاجة بالحياة, الكهرباء تنقطع وتعود, مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة  تعمل, وبحرية ننتقد, نحتج, بالاعتصام أو بالتظاهر (هنا دولة بكل علاتها) منذ سقطت البلاد بيد تحالف الثورة المضادة (صالح والحوثي) تغير كل شي لا كهرباء ولا ماء, لا جيش ولا أمن, لا إعلام ولا حرية, ولاصوت يعلو فوق صوت  المليشيات.


أتى الشتاء ووجه صنعاء الجميل شاحب و حزين, ليلها بارد موحش ، ظلام ومسلحون قادمون من زمن غابر , وجوه يمنية لكنها غير مألوفة, أجساد مبندقة, غريبة عن صنعاء, وعن هذا الزمن وكأنها خارجة من كتب التاريخ وكهوفه, تحوم في الحواري, وتعمل على مضايقة السكان بحجة حفظ الأمن؛ يغلقون بعض شوارعها الفرعية خصوصا تلك التي تؤدي إلى منزل قيادي في الجماعة؛ قد تسمع طلقات رصاص هنا أو هناك، عواء الكلاب. 


في هذه الليالي الموحشة لاشيء في صنعاء غير هؤلاء المسلحين اغلبهم من الأطفال, نقاط تفتيش في كل الشوارع، كتب عليها (الترتيبات الأمنية لكم وليست عليكم) بالإضافة إلى شعار الصرخة .
وامتلأت الشوارع  بالقمامة والحشرات والكلاب,  وتشوهت جدرانها بصور رموز المليشيا و بشعارات  الكراهية والطائفية, وعبارات سامجة بلا معنى من ملازم لحسين الحوثي. 
غابت الدولة  وحلت المليشيا.


لم يمر وقت طويل لتظهر آثار الكارثة, وضع لم تشهده اليمن في تاريخها, بعد أيام فقط هاهم الناس يقفون في طوابير بحثا عن الماء والغاز والبنزين, وطوابير من الجائعين والمشردين والمتسولين أمام المطاعم والمساجد وفي الجولات.

 

بسرعة غير متوقعة اتجهوا إلى مدينة إب, وبعد أن كشفت كذبة الجرعة, كان المبرر قتال الدواعش ,الاتهام الذي وجه لكل من رفض الاستسلام والخضوع للثورة المضادة, ودخل تحالف الحوثي - صالح  إلى اب, ثم انطلقوا إلى تعز, لم يتوقعوا مواجهة أبناء المحافظة لهم خصوصا بعد سيطرتهم على صنعاء وإب بكل سهولة, وبعد تغزل  صالح والحوثي بها كثيرا في خطاباتهما, لكنها واجهتهم, وانطلقت المقاومة وكما فعلت تعز فعلت عدن  وقاتل أبناء عدن ببسالة, وارتكبت المليشيا المجازر البشعة في محافظتي عدن وفي تعز, وتحررت عدن, ولازالت تعز وعدد من محافظات الجمهورية تقاوم المشروع الإمامي البغيض وتقدم قوافل الشهداء انتصار للجمهورية!

 

مرت أشهر ثقيلة وكئيبة على اليمنيين, التحالف الرجعي يزداد توحشاً، قتل واختطافات, وتعذيب وتفجير للمنازل, وإفقار, واستعراض على الحدود اليمنية السعودية.

 

فجر الـ26 مارس 2015 كانت أصوات انفجارات قوية تهز المنازل وتثير الرعب والهلع بين المواطنين, والناس يتسآءلون! 
وكان الرد خبراً عاجلاً على الفضائيات: بدء عاصفة الحزم, أغلق مطار صنعاء, التحالف بقيادة السعودية يقصف الآن قاعدة الديلمي في المطار.

 

واستمرت الضربات الجوية,ككل سكانها كنت أعيش الخوف والرعب, رأيت نساءً يحاولن الفرار مع أطفالهن من الموت  وكنت أرى صنعاء تحترق, الخوف والرعب سيطرا على السكان, أيام مرعبة, لا شيء  هنا غير الموت في ذات الوقت كان تحالف الانقلاب يرتكب المجازر الوحشية بحق المواطنين في تعز وعدن.

 

جرائم  صالح لاتنتهي إضافة إلى سجله الإجرامي كان قد جعل من صنعاء معسكراً ومخزن أسلحة . 

بعد ما يقارب العام غادرتُ صنعاء, كانت كما أنا كئيبة وحزينة, البؤس والقهر والخوف في وجوه ساكنيها, وعناوين المرحلة, صنعاء ككل اليمن مشردة, جائعة تقتات من براميل القمامة.

 

كل ما أتى احد من صنعاء واسأله كيف هي صنعاء  حدثني عنها؟ البعض يبدأ بمقطع من قصيدة  للبردوني "ماذا احدث عن صنعاء يا أبتي؟" وأخر يرد باختصار"سجن كبير" ازداد فقر الناس انتشرت المجاعة, وأوبئة وأمراض لم يعد العالم يعرفها وكانت قد اندثرت عادت وأحيتها الإمامة الجديدة, قمع وترهيب, والأخطر تغيير في المناهج الدراسية يمجد المليشيا والإمامة والولاية والحكم كحق الهي لسلالتهم, ويزين رموز الجماعة في عيون الصغار كأبطال, منهج يحرض  على الكراهية و العنف والإرهاب, وحتى اليوم المدارس مغلقة.

 

بمقابل الفقر والجوع الذي يعيشه اليمنيون, تزدحم صنعاء بشقق وشركات وفلل وسيارات ومقاهي ومولات المشرفين الحوثيين!
وعام بالتمام والكمال منذ قبض الموظفين آخر راتب, و ثلاثة أعوام واليمنيون محرمون من الكهرباء, وابسط مقومات الحياة، وخطب السيد والزعيم دون خجل تتحدث عن الصمود وعن التحدي واستمرار حرب وقودها الفقراء, تخوين وتهديد  لكل من يتجرأ على نقد المليشيا أو المطالبة بحقوقه ومنها رواتبه, وبدون خجل يحيون ذكرى نكبتهم ووصلت بهم الوقاحة  أنهم يتحدثون عن المنجزات وعلى كافة المستويات !

 

إنه عهد الإمامة يعود وبصورة أبشع وأكثر إجراماً

  إنها نكبة 21 سبتمبر.

 
 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص