2018-04-27 الساعة 05:25م
شكل مقتل صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى، أي رئيس الجمهورية في الكيان الذي أقامه الحوثيون في صنعاء، ضربة معنوية لهؤلاء. تشير الضربة التي نفذتها طائرات تابعة للتحالف العربي، الذي على رأسه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى تحسن كبير في القدرة على جمع المعلومات عن تحركات الحوثيين، خصوصا قادتهم.
كان الصمّاد رمزا حوثيا في صنعاء. كان كافيا أن ينتقل إلى الحديدة كي يتمكن التحالف العربي من رصده مظهرا أنّ لا نيّة في الاستسلام للمشروع الإيراني في اليمن. على العكس من ذلك، ثمّة رغبة واضحة وإرادة صلبة في القضاء على هذا المشروع الذي كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح من ضحاياه، علما أنه لعب دورا في منتصف تسعينات القرن الماضي في ظهور الحالة الحوثية في مواجهة المحاولات التي بذلها الإخوان المسلمون لاختراق كلّ المحافظات اليمنية، بما في ذلك الشمال الزيدي.
انقلب الحوثيون على علي عبدالله صالح علنا ابتداء من العام 2003، وما لبثوا أن خاضوا ست حروب معه بين 2004 و2010. ولم ينجح الحوثيون في الاستيلاء على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 إلا بعد خروج الرئيس السابق من السلطة وتسليمه الرئاسة إلى رئيس مؤقت يدعى عبدربه منصور هادي، لا يزال في موقعه إلى اليوم. لا يزال الرئيس المؤقت مؤقتا منذ ما يزيد على ست سنوات، أي منذ شباط – فبراير 2012.
لا شكّ أن هناك حاجة إلى ما يسمى “الشرعية” اليمنية، خصوصا منذ انطلاق عملية “عاصفة الحزم” في الشهر الثالث من العام 2015، علما أن أول ما فعلته هذه “الشرعية” كان توجيه سهامها إلى علي عبدالله صالح الذي ما لبث الحوثيون أن اغتالوه في الرابع من كانون الأوّل – ديسمبر 2017. وضعوا بذلك حدا لكل التأويلات المتعلقة بالعلاقة بينهم وبين الرئيس السابق، الذي صار يعرف منذ تخليه عن الرئاسة باسم “الزعيم” بصفة كونه زعيما للمؤتمر الشعبي العام، وهو الحزب الذي كان أنشأه في العام 1982.
كان مقتل الصمّاد بمثابة دليل على أن الحوثيين الذين باتوا يعملون تحت تسمية “أنصارالله” تابعون لإيران. تكفي نظرة إلى برقيات التعزية برئيس المجلس السياسي الأعلى للتأكد من أنّهم مجرد أداة إيرانية، تماما كما حال “حزب الله” في لبنان الذي تبث منه قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين. حرص الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله على التعزية بالصمّاد مؤكدا ما ليس في حاجة إلى تأكيد بالنسبة إلى مدى تورط هذه الميليشيا المذهبية اللبنانية في ما يدور في اليمن وذلك منذ سنوات طويلة.
يظلّ السؤال هل يقدّم مقتل رئيس المجلس السياسي الأعلى في السلطة التي شكلها الحوثيون في شيء؟ مرة أخرى، إنّها ضربة معنوية لـ“أنصارالله” الذين باشروا قبل بضعة أشهر إطلاق صواريخ باليستية إيرانية في اتجاه الأراضي السعودية. كشفوا بذلك إلى أي حد صاروا ورقة إيرانية لا أكثر، إضافة إلى أنهم شركاء في لعبة لا هدف لها سوى المسّ بالأمن الخليجي عن طريق تطويق السعودية وتهديد الملاحة في البحر الأحمر.
هناك ما هو أبعد من الضربة المعنوية. هناك ما يشير إلى تحسّن طرأ على عملية جمع المعلومات لدى التحالف العربي عن تحرّك الحوثيين من جهة، وبداية وعي أميركي أكبر لأهمّية اليمن من جهة أخرى.
بدأت في الأسابيع القليلة الماضية تظهر في وسائل إعلام أميركية مقالات عن أهمية اليمن، وعن ضرورة عدم تجاهل المأساة الإنسانية التي يشهدها هذا البلد الفقير الذي دخل في العام 2011 مرحلة التشرذم في ظلّ انتشار الأمراض والمجاعة..
ما يشهده اليمن مـأساة بكـل معنى الكلمة، وذلك على الصعيد الإنساني أولا والسياسي ثانيا، خصوصا في غياب “شرعية” ترفض تحمّل مسؤولياتها. يبدأ تحمّل المسؤولية باعتراف “الشرعية” بأنها كانت السبب الأساسي لسقوط صنعاء في يد الحوثيين. حدث ذلك بعد التحذير الصريح الذي بعث به علي عبدالله صالح إلى الرئيس الانتقالي الذي رفض في تموز – يوليو 2014 التصدّي للحوثيين في محافظة عمران، مؤكدا له أن سقوط عمران وسقوط مقر اللواء 310 بالذات سيعني دخول “أنصارالله” العاصمة. نقل التحذير أربعة أشخاص من قياديي المؤتمر الشعبي، ما زال ثلاثة منهم أحياء يرزقون.
رفض عبدربّه التحذير الذي نقله إليه قياديو المؤتمر الشعبي وأصرّ على أنه لا يريد مساعدة الرئيس السابق في تصفية حساباته مع الحوثيين. حسنا، طرد الحوثيون الرئيس الانتقالي من صنعاء. بعد وضعه في الإقامة الجبرية، استطاع عبدربّه إيجاد طريقة للهرب إلى خارج العاصمة.
إذا كان من جديد في اليمن الآن، فإن هذا الجديد لا يتمثل في تغيير كبير في خطوط التماس بين قوات “الشرعية” و“أنصارالله”. الجديد هو في وجود قوى تتحرك في منطقة الساحل، في محيط الحديدة تحديدا، وتحقق تقدما على الأرض. هذه القوى العسكرية هي بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح، ابن شقيق الرئيس السابق الذي كان الحوثيون يريدون اغتياله، وما زالوا يحتجزون نجله عفّاش وشقيقه محمّد محمّد عبدالله صالح.
لا يمكن فصل هذا الجديد عن وجود تراجع للمشروع التوسعي الإيراني على الصعيد الإقليمي في ضوء القرار السعودي القاضي بالتصدّي له. كانت الجولة الأخيرة للأمير محمّد بن سلمان وليّ العهد السعودي في الولايات المتحدة خير دليل على وجود نية سعودية في التصدّي المباشر والعلني من دون عقد من أيّ نوع. لا شكّ أن هذه الجولة لعبت أيضا دورها في إقناع الجانب الأميركي بأن لا مجال لمتابعة لعب دور المتفرّج حيال ما يدور في اليمن، خصوصا في ضوء التهديدات المتزايدة للحوثيين للملاحة في البحر الأحمر.
نعم، هناك جديد في اليمن. لكنّ هذا الجديد لن يكتمل إلا في حال إعادة تشكيل “الشرعية” والاستعانة بكل القوى القادرة على تشديد الخناق على المشروع الإيراني في اليمن. هل يعقل مثلا أن تبقى قيادة “الشرعية” خارج الأراضي اليمنية؟ هل طبيعي أن تبقى هناك عقوبات دولية على شخص مثل العميد أحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس السابق، الذي يستطيع لعب دور سياسي على غير صعيد في اليمن في سياق أيّ عملية لدحر الحوثيين بكلّ ما يمثلونه من تخلّف؟
ثمة حاجة إلى أفكار جديدة وخلاّقة في الوقت ذاته لمعالجة موضوع معقد مثل الموضوع اليمني.
ثمة حاجة قبل كلّ شيء إلى تسمية الأشياء بأسمائها. صحيح أنّه يمكن القول إن “عاصفة الحزم” حاصرت المشروع الإيراني في اليمن، لكن الصحيح أيضا أن خنق هذا المشروع يحتاج إلى أكثر من التخلّص من الصمّاد، وإلى نظرة مختلفة إلى “الشرعية” الموجودة من منطلق أن صلاحيتها انتهت منذ فترة طويلة..