2020-02-27 الساعة 03:42م
السنوات الخمس الماضية من الحرب الحوثية على اليمنيين والحرب الكاذبة لحماية اليمنيين، بقدر ما أنتجت تجار حروب، كشفت أيضا عن نشوء طبقات مسيّسة ومثقفة، تمارس الانتهازية وتحترف النفعية، بمستوى غير مسبوق من الانحطاط القيمي، لا تكتفي بالصمت على الانتهاكات التي تمارس بحق زملاء مهنة، بل تصل إلى حد الوشاية بصحفيين وناشطين، والتشفي بالاتهامات الملفقة التي تطالهم، والصمت المخجل على تشويه سمعتهم واغتيال كيانهم المعنوي، لقد وصلنا إلى مرحلة فقدان قيمة "التضامن المدني"، الذي طالما كان خطا أحمر بين زملاء المهنة، حتى وإن فرقتهم العصبويات الأيديولوجية والتعرجات السياسية.
لقد قبل بعض العاملين في الأوساط الصحفية والثقافية والسياسية، العمل تحت إطار المليشيات المنتشرة في عموم اليمن بدعم خارجي، وقائمة الذين قبلوا تقديم خدمات سياسية وصحفية وإعلامية، لتبييض جرائم المليشيات في صنعاء وعدن والساحل الغربي، أضحت معروفة، ولقد أفرزت الحالة المليشاوية نوعا من الناشطين والإعلاميين، يعيشون في نطاق جغرافيا المدن التابعة للشرعية، ولكنهم يدينون بالولاء، أو يفضلون العمل لصالح المليشيات.
كان الصنف الأخير، ينشط في البداية تحت عناوين شبه محايدة، نقد أخطاء الشرعية، ومواجهة مساوئ الإصلاح، لكنه سرعان ما بدأ يرفع نقاب الحياد عن وجهه، ليشن حملات واضحة على ألوية الجيش، لصالح مليشيات متمردة عليها، أو أخرى تعمل خارج نطاق الشرعية، رأينا ذلك في الحملات الإعلامية التي قادها ناشطون مسيّسون معروفون في تعز، وهي الحملات التي دافعت صراحة وبشكل علني عن جرائم كتائب أبوالعباس، وقامت بشيطنة الجيش بتعز، ومع تطور الأحداث أضحت تلك الحملات الإعلامية تفضّل صراحة مليشيا طارق على ألوية الجيش، ثم أزاحت الستار عن نفسها تماما، لتقدم نفسها كمدافعة عن مليشيا المجلس الانتقالي، وأحيانا ناطقة باسمه.
بعد مقتل الشهيد عدنان الحمادي، قائد اللواء (35) مدرع، فرضت تلك الأقلام الإعلامية الموالية للمليشيات، نفسها كمدافع حصري عن دم الشهيد، بالتزامن مع احتكار قضيته من قبل شخصيات سياسية تتبع مكونين سياسيين؛ واحد في الشرعية وآخر مضاد لها، وكانت نقطة الالتقاء "فوبيا الإصلاح" والدعم الإماراتي الممنهج، وقد تم دعم توظيف "الأقلام المليشاوية" كغطاء إعلامي لجريمة "اختطاف قضية مقتل الحمادي"، التي يتم المتاجرة بها الآن، لصالح تمرير أجندة محلية وإقليمية، مرتبطة باستكمال خنق القوى المؤيدة للشرعية بتعز.
في هذا الإطار، يمكن فهم مذكرة الاستدعاء الموجهة للصحفي عبدالعزيز المجيدي والمحامي ياسر المليكي، ومعهما مجموعة من الإعلامين والناشطين بتعز، وهي المذكرة التي صدرت من نيابة تعنى بالإرهاب، وتقع في إطار جغرافي تهيمن عليه قوة مسلحة منقلبة على الشرعية وتدين بالولاء لدولة معادية لليمن(الإمارات)، ولا يحتاج الأمر للكثير من الذكاء لفهم خيوط اللعبة، التي بدأت بتلفيق تهمة التحريض ضد الحمادي، ضد مدنيين عزل، ومطلوب منهم تقديم حتفهم إلى مدينة؛ كعدن، مليئة بالمتطرفين السياسيين؛ أمثال عيدروس الزبيدي، ومحتلة من قبل إرهابيين؛ أمثال هاني بن بريك.
كان المراد من مذكرة الاستدعاء، ضرب عدة عصافير بحجر القضاء، وتحقيق هدفين الأول: الثأر من مجموعة الأقلام الحرة المزعجة لقائمة العمالة السياسية، والثاني: ضرب الجيش بتعز بتهمة ضمنية مفادها حماية المحرضين، فلقد شكلت تلك الأقلام الإعلامية خلال الفترة الماضية مصدر قلق لشخصيات سياسية، ظلت تنخر الشرعية كالسوس من داخلها، وتقدم الحماية السياسية الإعلامية لمليشيا العباس، وعملت على خلخلة الجغرافيا السياسية لتعز، لصالح أجندة الإمارات، وقد وجدت تلك الشخصيات في "قضية الحمادي"، فرصة "ساذجة" في تأديب تلك الأقلام الوطنية، وتمرير رسالة ترهيب للبقية من ناشطي تعز وأحرارها.
لكنّ الهدف من الضجة التي أحدثتها مذكرة الاستدعاء، ليس فقط الاغتيال المعنوي لعبدالعزيز المجيدي وزملائه، بل أيضا التشويه الضمني لمحور تعز، حيث تم نشر حملة منظمة متزامنة مع الاستدعاء المذكور، مضمونها بأن هؤلاء المطلوبين للنيابة، جنود في محور تعز، وفي نفس الوقت قامت صحيفة موالية للمليشيات بعنونة صفحتها الأولى، بأن هؤلاء أعضاء في حزب الإصلاح، وكان عنوان الصفحة واضحا ليبيّن الهدف النهائي من اللعبة الإماراتية: الجريمة تلاحق الإصلاح.
كان المخطط من البداية إلصاق تهمة "دم الحمادي" أولا بالإصلاح؛ في محاولة لخلق صراع سياسي في تعز، ثم ثانيا بمحور تعز؛ في محاولة لتفجير صراع عسكري بين قيادة المحور واللواء (35)، ويبدو أن مخرج مسرحية "الإصلاح قتل الحمادي وإن لم يقتله"، فضّل جعل الفصل الأول يبدأ من عند إرهاب صحفيي وناشطي تعز، وسينتقل بعدها إلى فصل إدانة المحور العسكري بتعز، كونه ظلّ حجر عثرة أمام تحويل تعز إلى مدينة لوجستية لأبوظبي، كما هي عدن.
إن تعز هي المستهدف الأول من كل ما يجري، والاعتقاد بأن الاستهداف الأخير الذي طال مجموعة من الصحفيين والإعلاميين، سيظل محصورا فيهم، هو اعتقاد خاطئ. إن هؤلاء هم الفصل الأول من لعبة "الثأر لدم الحمادي"، وإن الصمت على استهدافهم سيكون خطأ نندم عليه، وإن ما نحتاجه الآن وليس غدا، هو العمل على فضح الجهات والشخصيات التي تقدم نفسها منافحة عن الشهيد ومحتكرة الدفاع عن قضيته، إن واجب الوقت بتعز؛ تحرير الشهيد الحمادي من مختطفيه؛ جسدا وقضية.