2017/05/01
  • العمال اليمنيون في عيدهم.. منسيون ومطحونون بين رحى الحرب الدائرة منذ عامين
  • في الأول من مايو/أيار من كل عام يحتفل العمال في أنحاء العالم بعيدهم السنوي، لكن حال العمال مختلف في اليمن؛ حيث فاقمت الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين من معاناة هذه الشريحة.

    في عيد العمال، يتحسر حسن البزاز (43 عاما) على انهيار وضعه المعيشي هو ونظرائه وعائلاتهم؛ حيث اختفت فرص العمل تماما في العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها مسلحو جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) والرئيس السابق علي عبد الله صالح، منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014.

    البزاز ونجله عمر (19 عاما) يعملان في قطاع الكهرباء، وقبل اندلاع الحرب، 26 مارس/آذار 2015، كانا لا يتوقفان عن العمل، لكن اليوم لا يستدعيهما أحد؛ إذ توقفت أعمال البناء، إلا في قطاع محدود للغاية.

    مع كل صباح، يُسابق الرجل الأربعيني خيوط الشمس، يتكئ على عمود إنارة، وبكفه الغليظة يقبض على كوب من الشاي، يُداوم على شرائه من عربة بائع متجوّل في شارع “القاع”، وسط صنعاء.

    البزاز قال للأناضول: “كنّا (هو ونجله) لا نتوقف عن العمل.. كان جدول أعمالي مزدحما، واليوم لا أحد يستدعيني، انتظر حتى العاشرة صباحا ثم أعود إلى حانوتي (دكاني) الذي أسكن فيه، ونحن على هذا الحال منذ أكثر من عامين”.

     

    ** انقطاع الرواتب

    ولا يتوفر إحصاء بعدد عمال الأجر اليومي في اليمن، لكن تقديرات تفيد بأنهم أكثر من مليوني عامل، وفق آخر إحصاء للاتحاد العام لنقابات العمال عام 2010.

     

    هؤلاء أضحوا يعيشون ظروفا بالغة القسوة، وانضموا إلى رصيف البطالة؛ ما فاقم من مأساة عائلاتهم.

    ووفق قول أمين عام اتحاد عمال اليمن، فضل العاقل، للأناضول، فإن “عيد العمال يشهد هذا العام انضمام أكثر من مليون ونصف مليون موظف حكومي (في المحافظات الخاضعة لسيطرة تحالف الحوثي وصالح) إلى العاطلين عن العمل، فهم لم يتسلموا رواتبهم للشهر السابع على التوالي”.

    “العاقل” تابع أن “هناك أكثر من أربعة ملايين عامل يمني كانوا يتقاضون أجرا، إضافة إلى أصحاب أعمال فردية وصغيرة، وجميع هؤلاء أصبحوا بدون أعمال في ظل الحرب، بينما الأرقام غير الرسمية تفيد بوجود أكثر من ثلاثة ملايين عاطل فقط”.

    وأوضح أن “موظفي الدولة يصنفون عمالا كونهم يتقاضون أجرا شهريا، وتوقف صرف رواتبهم يعني دخولهم ضمن طابور البطالة”.

    وتتبادل الحكومية اليمنية الشرعية (مدعومة من تحالف عربي بقيادة الجارة السعودية)، التي تسيطر على العاصمة المؤقتة عدن (جنوب) ومحافظات الجنوب والشرق الاتهامات مع تحالف الحوثي وصالح، الذي يسيطر على العاصمة صنعاء ومحافظات الشمال والغرب، بشأن المسؤولية عن توقف دفع الرواتب.

    وتقول الحكومة إن نهب الحوثيين للمال العام وتبديد أربعة مليارات دولار (كانت احتياطيا نقديا في البنك المركزي) هما السبب في انهيار الاقتصاد وتوقف الرواتب، فيما تعزي جماعة الحوثيين هذا الانهيار إلى نقل الحكومة مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.

     

    ودفعت الحكومة راتب شهر واحد من جملة سبعة أشهر للموظفين في قطاعات حكومية، لكن هذه الخطوة لم تحجّم من انهيار الوضع الاقتصادي لأكثر من مليون ونصف المليون موظف.

     

    ** النقد مقابل العمل

    ويبدو أن الموظفين الحكوميين وصلوا إلى مرحلة اليأس من طرفي الحرب؛ ما دفعهم إلى محاولة الاستعانة بمنظمة الأمم المتحدة، آملا في التوصل إلى حل.

    وقال أمين عام اتحاد عمال اليمن: “نفذنا وقفات عديدة أمام مكتب الأمم المتحدة (جنوب صنعاء)، للمطالبة بتحييد المصانع وعدم الزج بالعمال في الأزمة الراهنة، وتنفيذ الدعم الأممي عبر ما يسمى بالنقد مقابل العمل”.

    و”النقد مقابل العمل” هو مشروع استجابة للأزمات الطارئة يستهدف النازحين والمتضررين من الحرب، وينفذه الصندوق الاجتماعي للتنمية (حكومي يمني) بتمويل من البنك الدولي، لإيجاد فرص عمل مؤقتة، تُدر دخلا جزئيا للمتضررين.

    وحتى الآن تسببت الحرب في نزوح قرابة ثلاثة ملايين شخص (من أصل 27.4 مليون نسمة)، ومقتل أكثر من عشرة آلاف شخص، إضافة إلى جرح ما يزيد عن أربعين ألفا آخرين، بحسب الأمم المتحدة، التي حذرت، في مارس/آذار الماضي، من أن ثلث محافظات اليمن الـ22 بات على شفا المجاعة.

    وأضاف “العاقل” أن “الاتحاد طالب في تلك الوقفات الأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتها كوسيط يسهل عملية صرف الرواتب، وتشكيل لجنة اقتصادية محايدة لإنقاذ الاقتصاد من الصراع السياسي، لكن تلك الخطوة لم تلق استجابة لدى المنظمة الدولية”.

     

    ** تسريح عمال

    في حي “باب موسى” بمدينة تعز، جنوب غربي اليمن، اضطرت الحرب أحمد حيدر إلى تسريح عماله، وهو ما فسره، في حديث مع الأناضول، بأن “العمل توقف في مجال صياغة الذهب في معملي الذي ورثته عن والدي.. احتفظ الآن بسبعة عمال من أصل 23 عاملا”.

    حيدر مضى موضحا أن “العمل توقف تماما منذ مطلع العام الجاري.. حاولت أن أحتفظ بالعمال وأدفع رواتبهم، لكن بعد ثلاثة أشهر، لم أتمكن من ذلك، واضطررت إلى تسريحهم مجبرا”.

     

    وكما الحال في صياغة الذهب، توقفت أغلب أعمال الحرفيين جراء ضعف القوة الشرائية لدى الناس وانعدام السيولة، واقتصار الأعمال التجارية على الأساسيات دون الكماليات.

     

    ** الالتحاق بالمعسكرات

    انهيار سوق العمل انعكس بشكل مباشر على طرفي الحرب؛ فالعشرات من الشباب التحقوا بمعسكرات الحرب، ومنهم الكهربائي السابق، عمار نجل حسن البزاز، الذي التحق بمسلحي جماعة الحوثيين.

    وقال والده حسن: “كنت أتمنى ألّا يلتحق بالحرب، لكننا وجدنا أنفسنا مجبرين على هذا المسلك، لضمان توفير لقمة عيش له على الأقل، أما إخوانه وأمه في ريف محافظة ريمة (وسط)، فيعيشون على ما تجود به الأرض، والمساعدات التي يقدمها فاعلو الخير”.

    متفقا مع والد عمار قال عامل البناء عمران داود للأناضول: “عندما نذهب إلى هناك (المعسكرات)، لا نحارب، لكن نعمل معهم (الحوثيين) في حفر المتارس ونقل السلاح، كما نجلب رزقا من بيع المعابر (مظروف الذخائر)، التي نجمعها ونبيعها كمعدن في سوق النحاس”.

    وأردف داود قائلا: “مرة رحت (ذهبت إلى) نهم (شرق العاصمة صنعاء حيث تدور معارك بين القوات الحكومية والحوثيين)، ورجعت بنحاس وذخيرة، وبعتها بـ25 ألف ريال”. (الدولار الأمريكي يساوي 250 ريال يمني بالسعر الرسمي، و370 ريال في السوق السوداء الموازي).

    وعن خطتهما في الاحتفال بعيد العمال، اعتبر حسن البزاز وعمران داود أن أحسن احتفال هو أن يجدا عملا.

    وبينما كانت الحركات العمالية في اليمن خلال الأعوام الماضية تطمح إلى دور مجتمعي وسياسي فاعل، تبدو اليوم منهارة؛ فـ”لقمة العيش هي الأهم والأولى من كل ذلك”، وفق البزاز، العاطل عن العمل.

    تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط الخبر: http://yemensky.com/news17047.html