2022-10-17 الساعة 04:29م
تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية كدولة منتصرة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي مع مسألة الوحدة اليمنية، وكذا استقلال اريتريا في الضفة الأفريقية المقابلة كإرث سوفياتي خالص ينبغي تبديده وبعثرته وإعادة صياغته وهيكلته بما ينسجم مع المعادلة الأمنية الجديدة التي نشأت عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وبما يتلاءم مع استراتيجيات الأسواق المفتوحة؛ كأهم متطلبات النظام الدولي الجديد احادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ففي اليمن عملت الولايات المتحدة الأمريكية وهي القطب الوارث لتركة الاتحاد السوفياتي مع اليمنيين في الشطرين في إنجاح التسوية الوحدوية على النحو الذي يؤدي إلى بعثرة وتعويم الإرث السوفياتي، وإذابة التقاليد الإشتراكية في دولة الوحدة، وكذا تبديد المنظومة التسليحية السوفياتية لدولة الجنوب السابقة في معمعة حرب صيف ٩٤.
وبالنسبة للضفة الأفريقية المقابلة وفي سبيل تحقيق الهدف ذاته دعمت الولايات المتحدة استقلال اريتريا، ولقد كان من الواضح في حينها أن الإدارة الأمريكية كانت أكثر حماساً على استقلال إرتيريا من الرئيس "أسياس أفورقي" الذي كان يقود الجبهة الشعبية لتحرير أريتريا ضمن تحالف جبهات الشعوب الإثيوبية الثورية لإسقاط نظام "منجستو"، والهدف الأمريكي كما قلنا هو تفتيت تركة الإمبراطوية السوفياتية في القرن الأفريقي، وطالما وأن إثيوبيا كانت موحدة مع إريتريا في ظل هيمنة المعسكر السوفياتي فالمفترض من المنظور الأمريكي تغيير هذا الوضع في ظل هيمنة القطب الواحد وبالتالي حتمية انفصال اريتريا عن إثيوبيا لدواعي أمريكية خالصة ذات صلة ببعثرة التركة السوفياتية وقوامها الاستراتيجي وإعادة ترتيب المنطقة في إطار نظام القطب الواحد، لاسيما وأن الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي بقيادة "زيناوي" وهي حليفة الأمريكان في الحرب الباردة والمفوضة بتسلم الحكم في اثيوبيا كانت تفتقد لمهارات حكم الدولة، في حين أن المهارات التي حكمت اثيوبيا من أيام "سلاسي" و"منجستو" هي مهارات ارتيرية خالصة وهذا ما جعل أمريكا أكثر حماساً في بعثرة كادر الحكومة الموحدة كونها مهارات ذات صيغ اشتراكية لا تتناسب مع سياسة الأسواق المفتوحة؛ فضلاً عن الحرص الأمريكي في تبديد الترسانة العسكرية السوفياتية في حروب ثنائية بين الدولتين.
الآن من الملاحظ أن منطقة ضفتي البحر الأحمر تشهد تفاعلات أمنية، ففي الضفة الآسيوية يحتشد المجلس الانتقالي من أجل الإنفصال، وفي الضفة الأفريقية هناك تفاعلات وحروب أمنية وأيضا دعوات قومية كوشية لاستعادة امبراطورية "كوش" الموحدة؛ ولكن ورغم كل هذه التفاعلات في الضفتين لازالت مخرجات النظام العالمي القطبي الواحد حتى اللحظة كما هي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، إذ لم تشهد هذه الخارطة القطبية أي تحريك، ومع استمرار الحرب الأوكرانية والتورط الروسي فيها واستعادة الأمريكان لزمام المبادرة فإن المؤشرات تبدو واضحة بأن تلك الخارطة ستظل ثابتة ولو نسبياً وبالتالي لا نتوقع أن يقبل النظام القطبي الأمريكي الواحد أي تغيير في ثوابته، أو تبديل في خارطته المرسومة؛ أو السماح بأي خروج عن سياقات وتنظيم حلقات المنظومة الأمنبة للقطب الواحد، وها هي جمهورية أرض الصومال لازالت تفتقد الى الاعتراف الدولي رغم أنها دولة مستقرة وراسخة وأجرت خمس دورات انتخابية ولكنها لا زالت حتى الآن في انتظار تحريك مربعات الخارطة الدولية التي أرساها النظام الدولي أحادي القطبية منذ سقوط المعسكر السوفياتي .