2024-02-19 الساعة 12:24ص
تواجه عملية السلام في اليمن الكثير من التحديات ومنها: الطموحات الثيوقراطية لجماعة الحوثي حيث تطمح إلى إقامة نظام ثيوقراطي، لكن أغلب مكونات المجتمع اليمني بما في ذلك القبائل ترفض فكرة النظام الثيوقراطي مما أدى إلى استمرار الصراع.
كما أن القيادة الاستبدادية للحوثيين وغياب المسؤولية السياسية للدولة قاد إلى بقاء الصراع، حيث يعتبر زعيم جماعة الحوثي نفسه ممثلاً لكل اليمنيين ويطالب بالطاعة المطلقة. أيضًا، الصراع بين جماعة الحوثي والمكونات اليمنية ليس سياسياً فحسب، بل ينبع من خلافات أيديولوجية عميقة، فلا يمكن قبول أي حكم يقسم المواطنين إلى مواطن من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة الثانية وفقاW لنظريات أيديولوجية. أيضًا، يشكل وجود تنظيم القاعدة في اليمن تهديدًا مباشرًا للسلام والاستقرار في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، التوجهات الانفصالية للمجلس الانتقالي الجنوبي؛ حيث يسعي المجلس لفصل المناطق الجنوبية عن بقية مناطق اليمن، وهذا أيضا يمثل تحدٍّ كبيرًا أمام السلام. وأصبح الصراع الإقليمي المستمر خصوصا بين إيران والمملكة العربية السعودية في اليمن عقبة إقليمية كبيرة أمام السلام. وعلى المستوى الدولي، تفتقر الأمم المتحدة إلى آلية واضحة لمعالجة الأزمة اليمنية بشكل أكثر فعالية.
دور القبيلة للمساهمة في بناء السلام
تاريخياً، ساهمت القبيلة اليمنية بشكل كبير في المصالحات المحلية والوطنية وأثرت على المشهد الاجتماعي والسياسي للبلاد. ومن ثم، فإن دور القبائل اليمنية في بناء السلام بعد الصراع أمر بالغ الأهمية، لأنّها تلعب دورًا هامًا في تشكيل الأمن والنسيج الاجتماعي في البلاد. وتتميز القبيلة بالهُوية الجماعية والولاء ولديها قياداتها التقليدية، حيث يوجد لكل قبيلة زعيمها القبلي، وأنظمة الحكم القبلي غير الرسمي، وغالباً ما يكون لدى القبائل أنظمة عدالة غير رسمية خاصة بها، ناهيك عن التضامن المجتمعي، والعادات والممارسات التقليدية الحميدة التي تجعلها قادرة على التكيف والمرونة. كل هذه المميزات تساعد القبيلة على القيام بدور أكبر لبناء سلام مستدام وعادل.
ولكن، هناك كثير من التهديدات التي تقوض الدور القبلي وتعرقل جهود بناء السلام؛ حيث أدى الصراع المستمر بالفعل إلى نجاح جزئي للحوثيين في تفكيك الهياكل القبلية واستبدالها بالفكر الأيديولوجي، على الأقل في الوقت الحاضر.
وأدى الصراع الدائر إلى إضعاف النسيج الاجتماعي القبلي بشكل واضح. واضطر زعماء القبائل اليمنية البارزة إلى التوقف عن نشاطهم السياسي، بل وعجزوا في حشد قبائلهم لمقاومة حكم الحوثيين بسبب الإجراءات القمعية التي يفرضها الحوثيون، وهذا أمر طبيعي؛ لأن القبيلة عبارة عن مكون تقليدي كبير، لكنه لا يمتلك القدرات العسكرية الكافية لمواجهة جماعة بيدها كل أسلحة الدولة. وأشارت الورقة إلى أن سياسة الحوثيين تشكل تهديداً كبيراً للقبائل اليمنية، وستؤدي إلى ظهور جيل يتسم بالكراهية والحقد والطائفية وهذا يثير المخاوف بشأن العواقب طويلة المدى، إذا لم يتم إنهاء الصراع.
وبخصوص الأساليب القبلية لبناء السلام، من الواضح بأن الصراع أصبح أكبر من قدرات القبيلة، إلا أنّ القبيلة ما تزال قادرة على القيام بدور قوي للإنخراط في بناء السلام، ويمكن الاستفادة من الدور التاريخي لزعماء القبائل في التوسط في وقف إطلاق النار المحلي وتبادل السجناء وغيرها من القضايا الأخرى وهذا يمكن أن يساعد في تحقيق تقدم ولو جزئي في تحقيق السلام في الوقت الراهن.
وفي هذا السياق، يجب الاستفادة من الوساطة القبلية في حل النزاعات المحلية، ودورها الكبير في المشاركة المجتمعية والمصالحة والحماية والأمن، حيث غالباً ما تكون الشبكات القبلية بمثابة مصدر حيوي للحماية والأمن داخل مجتمعاتها. ومن هنا يمكن القول إن الاعتراف بالثقافات القبلية واحترامها أمر ضروري لتحقيق السلام العادل على المدى الطويل. ويجب استيعاب زعماء القبائل من خلال تعيينهم في غرفة ثانوية تشبه البرلمان كي تكون عامل مساعد لبناء سلام مستدام ليمن ما بعد الحرب. كما أن توفير التدريب وبناء القدرات من خلال برامج واضحة لمساعدة زعماء القبائل وتزويدهم بالمهارات اللازمة للقيام بنشاط أكثر تأثيرًا بما يؤدي في النهاية إلى بناء السلام المستدام أمر في غاية الأهمية. كما أن إيجاد رؤى عملية لتنمية مستدامة ليمن ما بعد الحرب سوف تساعد في توفير إمكانية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية والفرص الاقتصادية في معالجة آثار الصراع، وتساعد أيضًا على تماسك القبيلة في إطار المجتمع اليمني الكبير. ومن خلال توظيف هذه الآليات، يمكن أن يقود ذلك إلى الاستقرار السياسي والسلام المستدام.
* ملخص ورقة قدمها الباحث عادل دشيلة في مؤتمر التنمية الدولي بجامعة هلسنكي الفنلندية الذي ناقش أزمات التنمية ومستقبلها..
عنوان الورقة (التحديات التي تواجه السلام ودور القبيلة في المساهمة لبناء سلام مستدام ليمن ما بعد الحرب)