أهم الأخبار
يحي الثلايا

يحي الثلايا

رسائل أموية من أسبانيا والبرتغال.. هل يدركها العرب؟!

2024-06-01 الساعة 07:12م

أسبانيا اليوم تقرر الاعتراف بدولة فلسطين رسمياً، بعد أيام من كلمة تاريخية ألقاها رئيس وزراء مملكة إسبانيا أمام البرلمان.

أسبانيا الأندلسية تتذكر فصلاً مهماً من تاريخها، وتحن إلى ماضي قاطعته طويلا، وتقرر الانتماء إلى عالم التعايش والسلام والإنسانية.

وقبل 10 أيام بالتحديد، وقف أمين عام الأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش أمام الزعماء العرب في قمة المنامة عاصمة البحرين، مفاخرا بانتمائه الأندلسي وولادته في مدينة لشبونه إحدى المدن الأندلسية التي هي اليوم عاصمة بلاده (جمهورية البرتغال).

قال غوتيريش حرفيا: ولدت في لشبونة، وهي مدينة كانت لقرون جزءً من الأندلس. في ذلك الوقت كانت قرطبة - عاصمة الاندلس - مركز الثقافة والحضارة في شبه الجزيرة الأيبيرية، مثلما كانت بغداد مركز الثقافة والحضارة في العالم وكانت آثارها ممتدة من حدود الصين إلى سواحل المحيط الأطلسي.

المسؤول الدولي الأكبر والأول في الكرة الارضية، يفاخر بهذه التجربة أمام من يفترض أنهم أبناء من صنعوا الحضارة الاندلسية، وهي بادرة لم يسبق أن قالها مسؤول دولي بهذا الحجم، فهو يقارن بين قرطبة عاصمة الدولة الأموية في شبه الجزيرة الأيبيرية وبين بغداد عاصمة الرشيد العباسي ويصفهما بمراكز (الثقافة والحضارة في العالم) مذكرا بآثارها الممتدة من حدود الصين إلى المحيط الاطلسي.

هذه المسافة التي حددها أكبر مسؤول دولي هي العالم كله في ذلك الوقت، أنها تشمل آسيا وأوروبا وأفريقيا ولم يكن العالم آنذاك قد اكتشف الأمريكيتين ولا القارة الاسترالية.

هذا الامتداد الحضاري الثقافي المهول الذي أنجزته أمتنا ذات زمن يأتي الاعتراف به اليوم من أعلى مسؤول أممي أمام العرب أنفسهم، وإلى جانب كون غوتيريش مسؤولا أمميا فهو إبن لشبونة البرتغالية التي كانت جزء أصيل من الدولة الاموية الثانية واستمرت حاضنة لثقافة وحضارة عربية انسانية عالمية لمدة 460 عام.

لم يقتصر حديث المسؤول الدولي ابن البرتغال عن أحاديث الاطلال بل مضى مشيرا إلى التحولات (الثقافية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والعسكرية) التي قال بكل صدق وشجاعة أنها (غيرت العالم على حساب الشعب العربي)، ثم انتجت مراحل الاستعمار والنضالات من أجل الحرية والاستقلال وما أورثته من (خطوط مرسومة بشكل تعسفي على الرمال)، وهو بالطبع يشير إلى التقسيمات الاستعمارية التي تم فرضها على المنطقة.

في خطابه التاريخي قال غوتيريش ما يمكن اعتباره وصية ونصيحة صادقة أمام من يعنيهم الأمر :

(اليوم، مرة أخرى، يتغير العالم وأرى إمكانات هائلة في المنطقة العربية. لديكم الموارد، لديكم الثقافة ولديكم الناس. ولكن هناك شرط أساسي واحد للنجاح في عالم اليوم وهو الاتحاد).

الموارد والثقافة والناس، أبرز عوامل القوة والنهوض متوفرة بقوة في منطقتنا كما يراها غوتيريش، لكنها تفتقر لشرط وحيد للنجاح، وهو من وجهة نظره (الاتحاد)، والرجل الذي تعد بلاده عضوا فاعلا في أكبر تكتل دولي معاصر (الاتحاد الاوروبي) وسبق له تولي رئاسة الاتحاد الاوروبي خلال عمله كرئيس لوزراء بلاده عام 2000م.

لنعد إلى إعلان رئيس وزراء أسبانيا أمام برلمان بلاده، قال إن قرار الاعتراف بدولة فلسطين هو نتيجة توافق بين الحزبين الذين يشكلان الحكومة والاغلبية البرلمانية واستجابة لرغبة غالبية الشعب الاسباني.

تزامنا مع الاعتراف الاسباني اليوم بدولة فلسطين، اتخذت نفس الخطوة أيضا دولتي ايرلندا والنرويج، وهي خطوات تاريخية خصوصا أنها تأتي في ذروة الحرب الدامية بين الشعب الفلسطيني والكيان المحتل والمستمرة للشهر الثامن، لكني توقفت بشكل اكبر أمام الرسائل الاستراتيجية القادمة من شبه الجزيرة الايبيرية تجاه الحضارة والثقافة العربية التي مرت منها ذات يوم، وبالذات نصائح المسؤول الاممي الكبير للامة العربية بالنهوض الثقافي والحضاري.

البرتغال هي اول امبراطورية عرفها العالم، واطول الامبراطوريات عمرا، وهي البلد الذي أسس ما يسمى عصر الاستكشاف الذي يفصل في علم التاريخ بين العصور الوسطى والحقبات الحديثة.

أما أسبانيا جارتها في شبه الجزيرة الايبرية وشريكتها في تأسيس عصر الاستكشاف، فقد صنعت هي أيضا امبراطورية عالمية كبرى وهي أول الامبراطوريات التي اطلق عليها (امبراطورية لا تغرب عنها الشمس) تعبيرا عن اتساع مساحتها الكبير بين شرق الارض وغربها، ويعود لها الفضل في اكتشاف الامريكتين من قبل المستكشف الايطالي كولومبوس الذي كان يعمل ملاحا في اسطول قشتالة الاسباني وليس خافيا أن المساحة العظمى من جزر الكاريبي والقارتين الامريكية كانت لعهود طويلة جزء من أسبانيا وتحت حكمها ولا تزال اللغة الاسبانية حتى اليوم من أهم لغات العالم الحية في الترتيب الخامس متفوقة على الفرنسية والالمانية يتحدث بها حوالي نصف مليار انسان وتعد لغة رسمية في 24 دولة بل انها اللغة الثانية في الولايات المتحدة.

قد يبدو حديث التاريخ عند الكثير ترفا ووقوفا على الأطلال، لكنه ومنه تنطلق الامم وتنهض الشعوب والدول العظمى وتبنى الحضارات، كما أن الحديث اليوم ليس لي إنما هو قادم من بلاد الاندلس التي يفترض بنا لا بها ابتداء الحديث.

العالم اليوم يمر بمرحلة تحول أشار إليه بوضوح أمين عام الامم المتحدة التي تضم كل العالم وليس قوله من فراغ بالتأكيد، وهذا التحول سينتج عنه اعادة تشكل ومخاضات وولادات قد تغير خارطة العالم السياسية والاقتصادية.

منطقتنا اليوم في القلب من هذا التحول، وكل مناطق ودول وقوى العالم معنية به وتدرك تبعاته ولاشك أنها تبحث عن موقعها المستقبلي من خلاله، ونحن معنيون بالنظر فيه الا اذا لازلنا نعتقد أن منطقتنا ستظل (تركة الرجل المريض) ومستعدة أن تستسلم مرة أخرى لما أسماه أنطونيو غوتيريش في خطابه للزعماء العرب (خطوط مرسومة بشكل تعسفي على الرمال).

قبل سنوات تحدث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ما سمي (دافوس الصحراء) عن التحولات الاقتصادية في المنطقة قائلا إن المنطقة ستكون (أوروبا الجديدة)، ولاشك أن هذا التحول الكبير يستوجب امتلاك ادوات قوة متعددة ليست فقط اقتصادية بل تأتي القوة السياسية والثقافية والعسكرية على رأسها وهي التي حددها غوتيريش بأربع عناصر نمتلك ثلاثة منها حين قال (أرى إمكانات هائلة في المنطقة العربية. لديكم الموارد، لديكم الثقافة ولديكم الناس. ولكن هناك شرط أساسي واحد للنجاح في عالم اليوم وهو الاتحاد).

كانت الحضارة العربية الاسلامية احدى التجارب الملهمة في التاريخ، وقد تميزت التجربة الاندلسية بالذات بما أنجزته للبشرية جمعاء من آثار وبصمات خالدة في الفن والثقافة والفكر والتعايش والعلوم التطبيقية وأهمها الطب والعمارة والكيمياء والزراعة والفلك، فكانت الاندلس حلقة الوصل بين اوروبا وأفريقيا واسيا وكانت عاصمتها قرطبة ولسانها العربي قبلة أبناء ملوك أوروبا للتعلم والتعرف على الحضارات، ومن اللافت أن هذه البلاد الجميلة لازالت أمينة محافظة على الغالبية العظمى من آثار وبصمات وشواهد ذلك العهد الجميل رغم تغير السياسات والوجوه والدول، ففي قرطبة العاصمة وغرناطة ومدريد ولشبونة والجزيرة الحضراء لازالت الأزقة القديمة والحصون العتيقة تقر ببصمات خلفاء بني أمية بل والنقوش الشرقية من آيات وعبارات عربية، وأعيد في السنوات الاخيرة نصب تماثيل لعظماء تلك المرحلة من حكام وقادة وفلاسفة، من صقر قريش المؤسس عبدالرحمن الداخل إلى الملك المنصور محمد بن أبي عامر المعافري اليماني إلى أبي عبدالله الصغير الخزرجي إلى المعتمد بن عباد إلى ابن حزم الظاهري الفقيه وصاحب طوق الحمامة إلى الفيلسوف ابن رشد إلى الوزير والكاتب ابن زيدون ومحبوبته الاميرة ولادة بنت المستكفي، ولا تزال جوامعها وكنائسها وحصونها ومبانيها وجسورها شاهدة في قرطبة والزهراء والزاهرة والحمراء وجنات العريف والوادي الكبير وحصن طرش وجبل طارق المنسوب للقائد العظيم طارق بن زياد.

فهل تعيد الثقافة والذكريات ما أضاعه التاريخ والحكام؟ وهل يلتقط زعماء العرب وشعوبها الإشارة في زمن التحولات؟!

أيها الركـب الميــمم أرضي

أقر من بعضي السلام لبعضي

إن جسمـي كما علمت بأرض

وفــؤادي ومـالـكيــه بأرض

قـدّر البيـــن بيننـا فافترقنا

وطوى البين عن جفوني غمضي

قد قضى الله بالفراق علينا

فعسى باجتمـاعنا سوف يقضي

* الابيات لصقر قريش عبدالرحمن الداخل، مؤسس الدولة الاموية في الاندلس.

 

*المصدر أونلاين

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص