2016/04/03
  • أتذكر بن دغر في مراحل عديدة
  • في رسالة الدكتوراه التي نشرتها مكتبة مدبولي "اليمن في عهد الإمام أحمد". أتذكر التفكيك الماركسي الطبقي الذي استخدمه بن دغر في مقاربته للمجتمع اليمني الإمامي، والليالي التي كنت أحيل فيها إلى الكتاب وأنا أجري نقاشاً، مع الأصدقاء، في قهوة في الحسين بمصر.

    ثم موقعه المتقدم في الحزب الاشتراكي اليمني، ومقالته التي تنظر للانفصال من خلال صحيفة الثوري 2006. في تلك المقالة كتب المحرر تنويهاً: هذه الرؤية لا تمثل موقف الحزب.

    ثم انتقاله من التنظير للانفصال، ومن قيادة الحزب الاشتراكي إلى جماعة صالح. بعد أشهر من مغادرته الحزب الاشتراكي حدث تلاسن خفيف بينه وبين ياسين نعمان، وفي مقابلة صحفية قال الأخير إن الحزب لن يتأثر بسقوط البعض. كعادة ياسين نعمان، يستخدم كلمة بعض ليشير بها إلى كل ما يتحرك في العالم، وكل ما يسكن.

    وفي كل المواقف التي نال فيها صالح منا، نحن المسحوقين، كان بن دغر إلى جانبه يبتسم كعادته.

    وعندما هدد صالح باجتياح الجنوب وطرد الرئيس عبر البحر كان بن دغر يقهفه ويهز رأسه.

    ثمة من يرى بن دغر حكيماً، ومن يقول إنه اتخذ قراراً صحيحاً وانحاز للجمهورية.

    أنا شخص قدم من الطبقات المسحوقة،وحرسته ذاكرته. طورت،غرائزياً، نظرية تقول إن الذين عملوا مع الديكتاتورية بإخلاص كانوا إما قليلي خيال غير قادرين على التنبؤ بالغد، أو كانوا يرون الكارثة تقترب وفضلوا الانحياز لمصالحهم. يقول الغفوري: الأمم التي تعبر المناطق الخطرة والأزمنة الحرجة لا تحتاج للانتهازيين ولا قليلي الخيال. تحتاج آخرين بمواصفات أخرى. هذا موقف لا علاقة له بالعنف الثوري الرومانسي، بل بالغريزة، غريزة البقاء.

    انتقل بن دغر بعد عاصفة الحزم إلى الشرعية،وصار من رجال هادي

    وها هو يصير رئيساً للحكومة مهمته إسناد المقاومة، ولم يمض سوى عام واحد على اليوم الذي صفق فيه بن دغر لصالح وهو يهدد بسحق الجميع

    بن دغر يعرف كيف يعيش سعيداً، وتساعده الرياح دائماً.

    أما علي محسن فهو رجل من سنحان، وسنحان كانت عش الفيروسات التي قوضت كل شيء.

    سيدير علي محسن الأحمر ما تحت يديه بالطريقة نفسها: أهل الثقة.

    وكالعادة: بلا دراسات ولا بيانات ولا معلومات، فقط الارتجال، وحط من ده على ده. محسن خريج مدرسة صالح، انضم إلى ثورة الشباب ثم إلى المقاومة، وهما حركتان منحتاه مناصرين كثيرين.

    لكنه ، بشكل عام، يحمل الرؤية الإصلاحية الضيقة للمشهد،وتقسيمه الكلاسيكي للخير والشر، واعتقاده بأن الأقدار السماوية هي ما يصنع كل هذا. واعتقاده بأن الحوثيين أشرار لأنهم رافضة! لا لأنهم جماعة تحمل السلاح خارج القانون، وتقتحم السياسة بالسلاح وتسارع إلى الحرب الأهلية بلا تردد.

    قبل الانقلاب الحوثي أسمته صحيفته "أخبار اليوم": جار النجوم، ولعنت دين أبو الذين انتقدوه عبر سلسلة افتتاحيات عملاقة. وقالت أكثر من مرة من أنتم.

    هو هادئ الطباع، وشجاع في عمل ما يعتقد إنه صحيح، ومؤخراً أبهر السعوديين في التحاقه بالجبهة وهو في سن متقدمة، بحسب المعلومات التي تصل من هناك. كعادة عسكريي سنحان: حركيون، لا يكلون ولا يملون، صالح ومحسن مثالاً. الاستثناء الوحيد هو محمد علي محسن، وقد اقترحت عليه في آخر نقاش معه كتابة مذكراته وتحديداً عن تلك القرية الغامضة، قرية بيت الأحمر في سنحان. يبدو أن الرجل خلد للراحة أخيراً.

    بصرف النظر عما سيكتب حول الجنرال الأحمر، فيبدو أن المقاومة سرت لهذا القرار. كما قلت، فمحسن يخلص لعمله الذين يؤمن بجدواه، وهي الفكرة عنه التي يعرفها قادة المقاومة. المقاومة حالياً تريد قائداً يفهم احتياجها، ويعنى بمعاركها، لا تريد كلمات ولا نصائح.

    في هذه النقطة يتفوق محسن على التحليلات التي ستذكره بعمله مع صالح، وحراسته لمملكة بيت الأحمر لزمن طويل. لكن محسن يستطيع ترديد جملة دويستوفيسكي عن غوغول "كلنا خرجنا من معطف غوغول". وكأنه سيقول : من منكم لم يخرج من معطف صالح؟

    وبالطبع سيتجه بكلامه إلى طبقة الساسة والعسكر المجايلين له.

    أما بحاح، فقد كان رجلاً يميل للعمل الإداري. ولم يسبق لي أن انتقدته لأنه كان، في تقديري، رجلاً جيداً. دخل في عراك مع هادي، وبينما حصل هادي على نفاق كل الساسة بقي بحاح في الواجهة، يستخلص صلاحياته بنفسه. انهيار الحكومة، كما يقول قرار إقالة بحاح، كان بسبب احتكار الرئاسة لنشاط الحكومة، وتشكيل غرف بديلة عن الوزارات، والعبث بكل الترتيبات عبر قرارات عاصفة ومفاجئة تصدر من عزلة هادي في الرياض، غير آبه بالحكومة ورئيسها. كان نص قرار عزل بحاح ردحاً فاحشاً يشي بمستوى الهمجية والشعبوية التي تحكم فريق الرئاسة. بعد فراغي من قراءة القرار أسقط في يدي، كما لو أن الرئيس هادي يلعب "في حاره مزنوقة".

    لدينا الآن رجلان قفزا إلى الواجهة وورثا الرجل المريض، كما قال أحدهم.

    في الظروف الصعبة يفكر بن دغر كيف ينجو هو، لا كيف ينقذ الملايين. لا ينتمي بن دغر إلى أبطال التراجيديا، ولا الفدائيين. فهو لم يكن كذلك عندما كان شاباً. وعندما كان رفاقه يزج بهم في السجون أو يغتالون كان هو يعيش بلا خوف.

    أما علي محسن، كعسكري، فقد خسر كل حروبه مع الحوثيين عندما كانت لديه تشكيلات عسكرية ضاربة وكان قادراً على الحركة وكان الحوثيون لا يزالون زناناً تائهة في المنحدرات.

    في آخر كل مشهد يطل هادي بسحنته الغامضة وملامحه قليلة الفطنة

    وليست مصادفة أن يتخذ هذه القرارات على بعد أيام قليلة من الكويت. فالحكومة التي قال إنها فشلت من المستبعد أن يكون هادي قد اكتشف فشلها الليلة. أما الرشوة التي قدمها للمقاومة من خلال إشارته إلى إخفاق الحكومة في ملف الجرحى فهي من الصنف الرديء الذي لا يمكن بيعه سوى لضعيفي الذاكرة.

    ودائما كان يقال:

    إن فشلي كولد هو فشلك كأب.

    الحقيقة أننا أمة منكوبة، وستستمر نكبتها لزمن طويل

    وأما هذه القصص القصيرة فهي من قبيل التسلية على حافة الجحيم.

    تصبحون على خير

    م. غ.

    تم طباعة هذه المقالة من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط المقالة: http://yemensky.com/art1039.html