2019/09/21
  • الدبلوماسية واستعادة الدولة اليمنية في ذكرى سقوط صنعاء
  • الدبلوماسية كأداة لاستعادة الدولة في هذه الظروف يساوي دوي المدافع وطالما واليمن تحت البند السابع وبعد خمس سنوات من تجذر الميلشيا واستحداث انقلاب آخر بدعم احد اطراف التحالف نفسه ، فالمرحلة تستوجب دبلوماسية يمنية نشطة .
     
    ومن مفارقات المرحلة السابقة لحقبة الحرب غداة سقوط صنعاء تحديدا قبل خمس سنوات بالكمال والتمام وحتى اليوم.
     
    اليمنيون يعلقون آمال كبيرة للشرعية التي ستخرج من طوقها المحاصر لدى التحالف وحضور معالي الوزير الجديد الدورة الجديدة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الاسبوع فور تعيينه لها مغازي كبيرة وبعيدة وسوى حضر فخامة الرئيس أم لم يحضر فإن لولب الفعل الدبلوماسي سياتي بنفسه ليأخذ زمام المبادرة كما بدأها بتغريدات قلبت الموازين واعادة ثقة المواطن اليمني والحكومة الشرعية على حد سوا من غطرسة الامارات ..
     
    قبل اسابيع فقط كان الحديث عن الامارات بالنسبة لمؤيدي الشرعية محظور لمن يقف في صف الشرعية ولقد لقيت عتبا من معالي الوزير الجديد نفسه فقلت له انا لست ضد التحالف من حيث هو لكني ضد تصرفات احد طرفيه وبداهة لست ضد الشرعية فهذا نابع عن ايماني عن الشرعية منذ خمس سنوات غداة سقوط صنعاء المدوي.
     
    وهاهو منذ أسابيع قليلة أول من دشن تغريدات لاستعادة الدولة وانتقاد أحد اطراف التحالف ولهذا كانت رؤيتي صائبة، بحيث كانت تغريدات معالي الوزير عندما كان نائب تقلب الموازين وتبعث على التفاؤل.
     
    لا أجيد تنميق الكلام خاصة فيما يتعلق بمستقبل الدبلوماسية التي كبلت خلال السنوات الماضية التي شهدت سبعة وزراء خلال أقل من سبع سنوات، بينما كان الصايدي أفضلهم يليه اليماني ولكن الوزير الجديد محمد عبدالله الحضرمي جمع بين الخصائل الثلاث أولهما تعليمه الراقي في الغرب أمريكا تحديدا ولغته المتمكنة إضافة لخبرته وتدرجه في العمل الدبلوماسية وتأهيله العلمي والأهم حضوره السياسي في الأحداث الأخيرة خلال أقل من عام من تعيينه نائب لوزير الخارجية وعند خلو المنصب لم يتهاون أو يحايد كأغلب السلك الدبلوماسي المترهل الذين بعضهم يعملون لأجندة الانفصال فرجل في الشرعية وأخرى عين الانفصال بل أن بعضهم يعملون سرا للطرف المعادي للشرعية الذين يمثلونها.
     
      وزير الخارجية يعتبر طبيعيا فهو إبنها، ويتميز بمهنية عالية؛ وهذا يدفعنا إلى التفكير خارج نطاق الاعتبارات الجهوية؛ لنفترض حسن الظن في نوايا الرئيس وما إذا كانت تتصل بالاستعداد للمعركة القادمة سوا العسكرية المفترضة أو الدبلوماسية وهي الاهم والارجح.
     
    مرحلة الحرب الاستثنائية وبعد اختطاف الدولة، أفرزت عناصر وطنية في صفوف الشرعية، وأخرى مترهلة تمثل الدولة العميقة، رغم أن الشرعية قد أخفقت في بعض الأمور، ومنها السياسة الخارجية".
     
    فاذا كانت استقالة اليماني لها بعد ومغازي في التعاطي مع المبعوث الاممي مارتن غريفت الذي بدا للراي العام وكأن الشرعية ضحت بوزيرها لعجزها عن تغيير المبعوث الدولي وتذمر الراي العام اليمني من مخططات القوى الكبرى والأمم المتحدة عبر وسيطها وفشله في التعاطي بإيجابية مع تطلعات الشعب اليمني.
     
    ولذلك كان لا بد من شحذ الهمم وتفعيل السلك الدبلوماسي بدماء جديدة يعرفها الوزير الحضرمي  " القادم من صلب وزارة الخارجية، مؤكدا أن أفضل الوزراء من يأتون من أروقة الأمم المتحدة، والأمثلة كثيرة، وأن قرار تعيين الوزير الجديد على رأس الدبلوماسية اليمنية يعكس إيقاع الشارع اليمني على خلفية خروج "أبوظبي" منهزمة في أزمة سقطرى، بداية ومن ثم محاولة الهيمنة على الجنوب كله خلال العام المنصرم ولم تحصد سوى الهزيمة وإعلان الإنسحاب المشبوه الذي يؤيد الإنفصال سوى شمالا أو جنوبا وكأن تفاهمات ابوطبي الأخيرة مع إيران هي ترك إيران للحوثي شمالا والامارات جنوبا.
     
    لطالما انتقدت السياسة الخارجية لليمن منذ عقود وتحديداً بعد إعلان الوحدة، من خلال سلسلة مقالات في صحيفة "القدس العربي" اللندنية انحصرت جُلها في نقد واضح لإخفاق السياسة الخارجية من حيث الشكل والمضمون بمعنى من حيث أدواتها بتعيين عناصر غير مؤهلة وبالنتيجة دبلوماسية مترهلة وغير فاعلة لأن قيادة الدولة تعتبر الدبلوماسي مجرد أداة تطوع للسلطة بالرؤية التي تؤمن بها وقد كانت رؤية متخبطة متناقضة عشوائية تدار بمزاجية وكان لما يسمى مكتب رئاسة الجمهورية دور أساسي في اختيار السفراء، وكذا في رسم سياسة الدولة التي اثبتت الأيام فشلها وأسّردتُ في تلك المقالات نماذج وأمثلة واضحة لا مجال لسرد تفاصيلها، وكان ذلك قبل الربيع العربي والدولة العميقة في أوج جبروتها.
     
    وتحمل كاتب هذه السطور تبعات ذلك بإقصاء وتهميش من قيادة الخارجية التي جثمت على موظفيها لسنوات طويلة قبل أن تهل رياح الربيع العربي لتعصف بالدولة العميقة في اليمن.
     
    من خلال طرحي الإعلامي ككاتب ودبلوماسي عٌرف عنه النقد الدائم لإخفاق سياستنا الخارجية إلا إنني في هذه ألتناوله قد خرقت العادة فكتاباتي دوماً لا تحبذ تنميق الكلام لكن واجبي ورؤيتي الوطنية في استعادة الدولة وقناعتي بأني بداهة لستُ مضطراً لتعريف المعُرف، وفي المقابل فإن من نتكلم عنه اليوم ليس بحاجة للكتابة عنه !
     
    كانت متلازمة الإخفاق هي سمة سياسة اليمن الخارجية سوى في الدائرة الإقليمية بعلاقته مع دول الجوار أو محيطه العربي وهو الأمر نفسه في مجمل سياسته تجاه المجتمع الدولي، حيث نمطت اليمن من وجهة نظر دولية بأنها بؤرة للإرهاب ولاسيما إثر تداعيات أحداث 11 سبتمبر في أمريكا لاعتقاد القيادة اليمنية بأنها ستحظى بدعم للنظام واختزلت المساعدات الأمريكية لليمن في الجانب الأمني والفتات لأجل التنمية.
     
    عُرفت السياسة الخارجية اليمنية لنحو عقدين من الزمن بالتمحور حول الارتهان للإقليم وتتلخص بكون اليمن سدا لمقارعة الإرهاب والقاعدة نيابة عن دول الخليج ولم تفطن القيادة اليمنية خلال كل تلك الفترة بعلاقة ندية مع دول الجوار، بل التماهي حيناً والانصهار في رؤية الخليج من جهة ومفاجئة بموقف الضد في منعطفات حساسة كما جرى التعامل والتعاطي في أزمة غزو الكويت فخسرنا دول الخليج والعراق وإيران على المدى الاستراتيجي البعيد الأمد وتم ترحيل أكثر من نصف مليون من دول الخليج لكننا كسبنا زمناً إضافياً لبقاء تلك القيادة لتكمل ثلث قرن ليتراكم الفساد وتتراجع السياسة الخارجية كفعل ومبادرة وتنحصر في سلوك شكلي استعراضي "ديماغوجي" من خلال مبادرات يمنية لإصلاح الجامعة العربية أو القضية الفلسطينية أو حتى حشد المجتمع اليمني للنهوض بالتنمية اليمنية وإخفاق مؤتمر لندن للمانحين في العام 2006 م وما بعده ليختزل كل الدعم الدولي في مفردة دعم مكافحة الإرهاب مجسداً رؤية الإقليم والعالم لليمن من زراية أمنية وليس تنموية وهذا هو لب الإخفاق باختصار.
     
    وبعيداً عن التأويلات التي تداعت فور قرار تعيين الوزير الجديد سوى من إعلام الداخل للإنقلابيين أو إعلام التحالف فإن المعنى الأساسي هو اليمن وسلطته الشرعية التي ترمى لأهداف بعضها لا ينبغي أن يوضح إعلامياً فلكل مرحلة من مراحل الأزمة التي نمر بها أدواتها وأساليبها وبالنتيجة أدواتها !
     
    بالطبع أول ما يتبادر لذهن المراقب والراصد على حد سوى  للشأن اليمني يختزل رؤيته لتغيير قيادة الدبلوماسية اليمنية في احتمالية تحول في إستراتيجية التفاوض المفترض باعتبار الزمان والمرفق الرفيع والتعامل مع الانقلابين في صنعاء وعدن بنفس السياق ، وبأن الامارات لا تقل خطورة عن ايران نفسها.
     
    وبالطبع فأن مهام الدبلوماسية اليوم قضايا عديدة كان بلاد من تصحيح السلك نفسه من الداخل من حيث الشكل والمضمون.
    فأمام الوزير الجديد جملة تحديات منها ترهل السلك الدبلوماسي الذي يعتبر امتداد للدولة العميقة وحقوق عشرات الدبلوماسيين الذين يحملون خبرة وكفائه لم يستفاد منها في خضم عدم استقرار كل مرافق الدولة غدا اغتصاب السلطة في أواخر العام 2014م.
     
    وبداهة فإن من ضمن أولويات الوزير المعين هو تنشيط الدبلوماسية اليمنية وبعثات الجمهورية اليمنية في كل العالم ومقولة رفد الدبلوماسية بدماء جديدة فإن الكوادر موجودة أصلاً وأغلبها تقبع في الداخل مضطرة تحت سيطرة الحوثيين وهي عناصر بعضها لاشك كوادر مؤهلة إلى جانب استحقاقاتها القانونية، وهي بالعشرات بإمكان الكثير منها أن  تتعاطى مع طبيعة المرحلة بعد أن تعطى الفرصة وهي بداهة متمكنة بابتكار أساليب دبلوماسية للتواصل مع منظمات دولية وهيئات حقوقية وكذا وسائل الإعلام بكل أنواعها بغية تغيير رؤية الخارج لليمن وفضح أساليب ميلشيا الانقلاب في الداخل.
     
    رؤية وزير الخارجية محمد الحضرمي للمفاوضات صارمة لا يحيد عنها قيد أنملة
    معلوما بأن ما سمى باتفاق السلم والشراكة الذي فرض تحت أسنة الرماح غداة سقوط صنعاء كان له بنود أمنية عسكرية وأخرى سياسية فلم ينفذ الحوثيين سوى الجانب السياسي ولم ينفذوا الجانب العسكري الأمني بتسليم الأسلحة ، وهو الخطاء الذي سمحت لهم القيادة السياسية بالانخراط في الحوار الوطني وهم مسلحون ومجرد ميلشيا. وهذا ما يعزز فشل حوار جده مع الانتقالي الانقلاب المستحدث فلا تتكرر الاخطاء.
     
    بينما اليوم بعد أن تمكنوا يطالبون بتغليب الجانب السياسي على العسكري وهذا الخطأ بعينه ومن هنا فبداهة تجريب المجرب ضرباً من الحماقة .
    في علم السياسة ومفردة الدبلوماسية هناك مدرستان لتعيين السفراء وكذا ترؤس قيادة الدبلوماسية وهي :
    المدرسة "السياسة" كأن تعين قيادة الدولة سفراء لشخصيات تعتقد أنها وطنية وذات نفوذ من وزراء سابقين كمكافئة لولائهم للنظام وفي الغالب يكونوا من المقربين وهذا معمول به في عدد من الدول النامية والعربية تحديداً ، أو من قيادات حزبية ونحو ذلك وهذا سائد في كثير من البلدان وكان منها اليمن خلال الفترة السابقة بغض النظر عن بعض التفاصيل.
    وهناك المدرسة " الفنية" التخصصية التي تحرص على إختيار السفراء من صلب مؤسسة وزارة الخارجية ومن السلك الدبلوماسي نفسه سوا كسفراء أو قيادة الوزارة ولاسيما على مستوى تعيين (وزير)، وهذا معمول به في كثير من البلدان فمصر رشحت وزير خارجية أكثر من مرة سفيرها في نيويورك ليتولى الخارجية المصرية منهم عمر موسى على سبيل المثال، وسوريا عينت وليد المعلم سفيرها السابق في الأمم المتحدة والأمثلة كثيرة لا مجال لحصرها.
     
    مؤخرا أفرزت الحرب مرحلة جديدة تخفق من جهة وتصيب من جهة أخرى ، ووفق مقولة " أعطى الخُبز لخبازه" فإن قرار تعيين السفير محمد عبدالله الحضرمي نائب وزير الخارجية  يأتي في هذا السياق التفاؤلي فالرجل ليس فقط متمكن وذو خبرة في محافل دولية وتجربته القصيرة والغنية في حقل الدبلوماسية
    هو كيفية التعامل مع التحالف نفسه قبل التعامل مع الإنقلابيين سوى في صنعاء أو في عدن وبالتالي شرح قضية  اليمن في المحافل الدولية ليكتمل بذلك مسوغات تفاؤل الكثيرون لنجاحه المؤمل ، لمن يقرأ ما وراء السطور لخلفية قرار تعيين وزير الخارجية وفق مسوغات خلفية القيادة الجديدة للخارجية التي تحظى إلى جانب تراكم الخبرة  برؤية وطنية فاحصة وعلى خلفية إفرازات ما بعد سقوط صنعاء وهذه الحرب الطويلة سيدرك أهمية دور الدبلوماسية اليمنية في المرحلة القادمة التي تضاهي دور البندقية.
     
    *  كاتب وسفير في الخارجية اليمنية
       

    تم طباعة هذه المقالة من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط المقالة: http://yemensky.com/art2312.html