2021/10/11
  • سجن كورونا
  • "السجن فائض في الزمان ونقص في المكان" عبارة لعلي عزت بيجوفيتش تختزل حياة السجن حيث يبدو الزمان فائضا بالنسبة للسجين بطيئا يمر ثقيلا رتيبا بنفس الإيقاع المكرور الممل . في حين ينكمش المكان و يضيق ويتقلص يضغط على الروح السجينة حد الشعور بالاختناق

    في كتابه "هروبي الى الحرية " وهو أشبه باليوميات يعوض فيه بيجوفتش انحباسه المادي بالهروب الى حريته الداخلية وانفلاته الى عوالم الفكر والأدب والقراءة ويعكس الكتاب اجواء السجن وقلق الروح الحبيسة في انتظار الخلاص.

    ونجد فيه ذلك الثراء الثقافي و المعرفي والفلسفي والأدبي والفني الذي ميز بيجوفيتش من خلال التقاطاته وتأملاته واستدعائه لقراءاته الموسوعية الشاملة في شتى المجالات ووقوفه على مجمل العطاءات العلمية والفكرية والإبداعية القديمة والمعاصرة وانفتاحه على كل المصادر والمعارف والخبرات الإنسانية الملهمة .

    "في السجن إما أن نكتئب ونيأس وننكفئ وننبش داخل الذات بحسب إندريه مالرو في "المذكرات المضادة " وإما أن نغادر بأرواحنا ونتجاوز الأسوار ونحلق في عوالم الروح و الحلم والخيال ولا نسمح للسجن بأن يسكننا ويحتجز إرادتنا وحريتنا ويقيد إمكاناتنا وقدراتنا على الانعتاق والانطلاق بعيدا

    ربما كنا نعيش اليوم هذا الإحساس احساس السجين بفائض الزمان وتقلص المكان

    سجناء البيوت صرنا وسجناء الخوف والرعب اليومي المتصاعد سجناء. القلق والكوابيس والمخاوف. نقبع في انتظار اخر إحصاءات المصابين والموتى في البلدان المنكوبة

    تحول الفضاء العام الى خلاء موحش ودروب مأهولة بالموت غدت البيوت أمكنة احتجاز خانقة أفقدها الوباء ألفتها ودفئها وطابعها الإنساني الحميم. ومعناها كملاذات حامية آمنة ووطن أولي حصين.

    تقوض الشعور بكل العلائق و الصلات والارتباطات الإنسانية بين الأفراد والجماعات بين المجتمعات والبلدان . انكسرت مفاهيم الوطن والمواطنة وانتفت حقوق كثار ومنها حقك في أن تموت بكرامة وتجد قبرا يواريك في صمت مطبق

    أضحى فيروس كورونا الحر الوحيد القادر على احتلال الكون والكائنات ، حدد حركة الجميع وانفرد بحرية الحركة والتنقل والطيران بدون أية قيود أمعن في تعذيب البشر و ،مطاردتهم وإرعابهم في الأرجاء أصاب حياتهم بالشلل التام اربك علاقات البشر بالله وبالأديان والعقائد فرض حظرا على ممارسة الطقوس والشعائر والعبادات جردنا من كثير من الأوهام. أوهام القوة والتمركز والعظمة

    هذا الفيروس اللا مرئي قزم الإنسانية المتضخمةً الى أبعد الحدود وأشعرها بالضعف والعجز ودفع وجودها المادي والمعنوي إلى أضيق المساحات ربما لكي تخرج أكثر رحابة و صلابة وقوة وأكثر انتصارا للحياة .

    تم طباعة هذه المقالة من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط المقالة: http://yemensky.com/art2525.html