أهم الأخبار

كيف أسس "صالح" للحرب باليمن؟

2017-10-17 الساعة 08:49م (يمن سكاي -تحليل - محمد السعيد :)

كانت خطته بسيطة وذكية بشكل لا يصدق: معلومة صغيرة مضللة يتم تمريرها، ثم ضربة جوية خاطفة وينتهي كل شيء، ويتخلص الرئيس "غريب الأطوار" من قائد جيشه النافذ ومنافسه الرئيس على السلطة. لم تقصّ علينا وثيقة(1) ويكيليكس، الموثقة لحوار بين نائب وزير الدفاع السعودي آنذاك "خالد بن سلطان" وبين السفير الأميركي في الرياض "جيمس بي سميث"، تحديدًا سبب اشتباه الطيران السعودي في إحداثيات قدمتها له المخابرات اليمنية على أنها أحد الأهداف العسكرية لجماعة الحوثي، ليقرر الطيران السعودي بعد الاشتباه إيقاف الضربة والعودة من جديد للتحقق. وسرعان ما ثبت أن شكوك السعوديين كانت في محلها، حيث لم تكن الإحداثيات التي تم تزويدهم بها تخص أيًا من مقرات الحوثي على الإطلاق، وإنما كانت تخص مقر قيادة اللواء "علي محسن الأحمر" قائد الفرقة الأولى المدرعة الذي كان للمفارقة يخوض حربًا سادسة ضد جماعة الحوثي في "صعدة" بالشمال نيابة عن الحكومة اليمنية والرئيس "المخادع" نفسه. تحب الصحافة العربية إطلاق لقب "الراقص على رؤوس الثعابين" إشارة للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح منذ كان في السلطة(2)، بينما وصفه المسؤولون الأميركيون يومًا أنه شخص "غريب ونكدي"(3)، في حين اختارت مجلة ذا أتلانتيك مؤخرًا وصفاً أكثر حداثة وسينمائية حين أطلقت عليه لقب "فرانك أندروود" الشرق الأوسط(4)، نسبة لبطل المسلسل السياسي الأميركي الشهير "هاوس أوف كاردز"، في إشارة لطرقه "الخبيثة والملتوية" لتعزيز سلطته عبر التلاعب بخصومه وحلفائه على حدٍّ سواء. لا أحد يعرف اليوم حقيقة إذا ما كان صالح قد زجّ بجيشه، من البداية، في حروب السنوات الست ضد الحوثيين من أجل استنفاد طاقة وحدات الجيش الموالي لمحسن الأحمر قبل التخلص منه، واستثمار نفس الوقت في تعزيز قوة الحرس الجمهوري الخاضع لرئاسة نجله أحمد، الوريث المنتظر للسلطة، أم أنه استغل الحرب المندلعة سلفًا لتحقيق هذا الهدف، إلا أن الجميع يعرفون اليوم أن الحرب قد فعلت ذلك. كانت التكتيكات التي استخدمها الرئيس اليمني في تلك المعارك ضد الحوثيين مريبة(5) بشكل كبير، وصولًا لقيامه في مراحل متقدمة من القتال بتزويد الحوثيين أنفسهم بالسلاح لإطالة أمد حرب تخدم مصالحه، كما قام أكثر من مرة بتوجيه أوامره لجيشه بوقف إطلاق النار والتراجع حين يكون قريبًا من تطويق الحوثيين. ومن أجل متابعة سياسته في المضي قدمًا مستترًا بدخان الحرائق، فقد نجح في الزج بالسعوديين، خصومه الخارجيين القدامى، في الحرب بشكل كامل من أجل التخلص من خصومه المحليين. ليس لعلي صالح حلفاء دائمين ولا أعداء دائمين أيضًا، وأثبت أنه قادر على تغيير جلده ببراعة، فنجح في الحصول على دعم السعوديين من أجل مواجهة خصومه الاشتراكيين في الثمانينيات، قبل أن ينقلب على الرياض منحازًا للرئيس العراقي صدام حسين إبان غزو العراق للكويت، قبل أن يعود للتحالف معها في حروبه ضد الحوثيين. وقام بالتحالف مع التجمع اليمني للإصلاح، فرع جماعة الإخوان المسلمين المؤثر في اليمن، قبل أن ينقلب عليهم في نهاية المطاف، واحتضن الحوثيين وسمح لهم بالعمل السياسي ثم شن حربًا ضدهم لم يثنه عنها التوافق المذهبي، حيث يتشارك مع الحوثيين اعتناق المذهب الزيدي، قبل أن يعود ويقدم بعض الدعم لهم إبانها ضد جيشه ذاته. كما تحالف مع أبناء عمومته من قبائل حاشد لتعزيز سلطته، ثم عاد وحاول التخلص منهم عبر التهميش أو حتى عبر الاغتيال. لم يكن مستغربًا إذن أن يعود صالح للتحالف مع الحوثيين عقب الإطاحة به من السلطة طالما وجد أن ذلك التحالف يمكن أن يخدم مصالحه، وليس من المستغرب أيضًا الحديث اليوم عن تفكيك هذا التحالف إذا رأى أن تفكيكه يمكن أن يخدم مصالحه. ويبدو أن سيولة حالة التحالف والعداء سواءً في الحرب أو السلم، والمصنوعة على عين ثقافة صالح السياسية، قد صبغت السياسة اليمنية بأكملها، وكيف لا وقد ظل الشخصية السياسية الأكثر تأثيرًا في اليمن منذ تسميته أول رئيس لها كدولة موحدة عام 1990، وحتى اليوم بعد خلعه من السلطة. الرقص على رؤوس الحوثيين لطالما شكَّلت مدينة صعدة شمال اليمن استثناءً خاصًا، ليس لطبيعتها الجبلية فحسب، ولكن لخصوصيتها المذهبية أيضًا. كانت صعدة معقلًا لمؤسس أول دولة زيدية في اليمن: الإمام يحيى بن الحسين الملقب بـ"الهادي"، أواخر القرن الثالث الهجري. ورغم أن دولة الهادي لم تدم طويلًا، إلا أنها شكلت القاعدة الرئيسية للمذهب الزيدي والإمامة الزيدية الحاكمة لأجزاء كبيرة من اليمن لقرون طويلة، قبل أن تسقط المملكة المتوكلة الزيدية، آخر حكومات الزيديين، في مواجهة ثورة الجمهوريين مطلع الستينيات من القرن الماضي. في الأدبيات الإسلامية، يُعرف الزيديون على أنهم "سنة الشيعة" أو "شيعة السنة"، في إشارة لوسطية مذهبهم المعتمد على مزيج من الفقه الحنفي وفكر الاعتزال، وبسبب موقفهم المعتدل من إمامة الص
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص