2021-02-15 الساعة 12:27ص (يمن سكاي )
يُعد المزج بين الفكر والممارسة العملية في إدارة شؤون الحكم سمة بارزة يمكن بواسطتها المقارنة بين زعماء وقادة الدول، وبالتالي تصنيف هذا القائد أو ذاك في خانة الزعماء العظماء، وهم أقلية، أو في خانة الزعماء العاديين، وهم أغلبية. ولعل المتابعة المنصفة والموضوعية للرئيس الصيني شي جين بينغ، تجعل المراقب لا يجد أدنى صعوبة في الإقرار بأن شي جين بينغ ينتمي إلى الصنف الأول من الزعماء والقادة العالميين، وهم أولئك الذين يمزجون بين الفكر والممارسة في إدارتهم لشؤون الحكم والسلطة في بلادهم.
الشاهد على الاستنتاج السابق، هو تعدد الأعمال الفكرية والسياسية للرئيس شي، ويأتي على رأسها المجلد الأول لكتاب "شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة". وترجع أهمية هذا الكتاب، وما حظي به من إقبال دولي كبير خارج الصين إلى ثلاثة عوامل رئيسية هامة. الأول: أنه يتحدث عن الدولة التي أصبحت محط أنظار العالم خلال الفترة الأخيرة، فالكتاب يسلط الضوء على النظريات الهامة والقضايا الواقعية لتنمية الصين في العصر الجديد، ويفتح نافذة للمجتمع الدولي لتعزيز معرفته وفهمه للمفهوم الصيني للتنمية وطريق التنمية وسياسات الصين الداخلية والخارجية. العامل الثاني، يتمثل في شخصية مؤلف الكتاب، وهو الرئيس شي جين بينغ، الذي لفت أنظار العالم بفضل سماته الشخصية الصادقة والودية منذ المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، إذ تركت أقواله وأفعاله انطباعا عميقا لدى المجتمع الدولي. وبصفته أعلى قائد للصين حزبا ودولة، فقد ألقى الرئيس شي كلمات كثيرة حول حوكمة الدولة وإدارة شؤونها، طرح فيها الكثير من الأفكار والنظريات والاستنتاجات الجديدة، وأجاب عن المسائل النظرية والواقعية الهامة حول تطور الحزب والدولة في الظروف التاريخية الجديدة. وعرض بصورة مركزة مفهوم حوكمة الدولة وإستراتيجية تنفيذ الحكم للجماعة القيادية الجديدة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. وبالتالي فإن قراءة هذا الكتاب تساعد على فهم أفكار الرئيس شي حول حكم البلاد وإدارة شؤونها، بجانب التعرف على سمات وخصائص شخصيته من تواضع وتسامح وثقة بالنفس وأدب جم ورغبة في خدمة الشعب. أما العامل الثالث، فيتمثل في تنوع المفاهيم التي يحتوي عليها الكتاب، فهو يضم العديد من المفاهيم المتقدمة حول حكم البلاد وإدارة شؤونها، والتي لا تقتصر فائدتها وتأثيراتها على التنمية في الصين فقط، وإنما تمتد أيضا إلى التنمية في دول العالم الأخرى.
القراءة المتفحصة لعناوين الفصول الثمانية عشر التي يضمها الكتاب بين دفتيه وما تضمنه من أفكار ومفاهيم قيّمة، تجعلنا نستنتج أن ثمة ركيزتين رئيسيتين يركز عليهما الرئيس شي في سبيل تحقيق ليس فقط حلم الصين للنهضة العظيمة للأمة الصينية، وإنما أيضا تحقيق الرفاه والسعادة لدول وشعوب العالم.
إذا بدأنا بالركائز الداخلية، نجد أن الرئيس شي يؤكد، في إطار حديثه عن التمسك بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتطويرها، بأن "تطلع أبناء الشعب للحياة السعيدة هو هدف كفاحنا". وهو يشدد على ثقته التامة بأن "هدف إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل سيتحقق بالتأكيد عند حلول الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وأن هدف إنجاز بناء الصين دولة اشتراكية حديثة وغنية وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة سيتحقق عند حلول الذكرى المئوية لتأسيس الصين الجديدة، حيث سيتحقق بتأكيد حلم النهضة العظيمة للأمة الصينية". ويرى أن تحقيق حلم الصين لا يفيد الشعب الصيني وحده، بل يفيد شعوب العالم. ويؤكد على أن تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية هو الحلم المشترك لأبناء الأمة الصينية داخل الصين وخارجها.
ويؤكد الرئيس شي على استمرارية عملية الإصلاح والانفتاح وعدم توقفها، بقوله: "عملية الإصلاح والانفتاح مستمرة دائما ولن تتوقف، وبدون الإصلاح والانفتاح، لا يوجد حاضر للصين، ولا مستقبل لها." كما يؤكد أيضا على الرفع المتواصل لقدرة الحوكمة الفعالة للدولة عبر نظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، بقوله: "لا بد أن نتكيف مع المسيرة العامة لتحديث الدولة، ونرفع مستوى الحزب في تنفيذ الحكم بصورة علمية وديمقراطية ووفقا للقانون، ونرفع قدرة دوائر الدولة على تنفيذ واجباتها، ونرفع قدرة الجماهير على إدارة شؤون الدولة والشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وشؤونها الذاتية وفقا للقانون."
وفي البعد الخاص بالتنمية الاقتصادية، يؤكد شي جين بينغ على ضرورة أن يكون النمو الاقتصادي في الصين نموا حقيقيا دون فقاعات، ونموا ذا فعالية وجودة واستدامة. ويشدد على ضرورة الانفتاح بشكل أوسع على العالم، فيقول: "الصين تنتهج سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج بكل عزم وثبات، وستعمل على تحسين السياسات. وستبذل جهودا لرفع القدرة على الخدمات ومستوى الخدمات، وتوفير بيئة أصلح وظروف أروع لأصحاب المؤسسات الأجنبية عندما يأتون للاستثمار، بينما نأمل أن يستغل رجال الأعمال الأجانب الفرص الصينية السانحة لتحقيق تطور أكبر لقضاياهم." كما يؤكد أيضا على أهمية الانتقال إلى النمو القائم على الابتكار، وخلق ثورة في إنتاج الطاقة واستهلاكها بحلول عام 2030.
ويشدد الرئيس شي على أهمية بناء الصين التي يحكمها القانون، من خلال رفع تطبيق الدستور على نحو شامل إلى مستوى جديد، وبناء الدولة والحكومة والمجتمع على أساس سيادة القانون، وتعزيز الإنصاف والعدالة الاجتماعيتين، لضمان أن يعيش الشعب بطمأنينة ويعمل بإرتياح. ونقتبس في هذا الإطار قول الرئيس شي: "طرح إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل مطالب أعلى لحوكمة الدولة وفقا للقانون. ينبغي لنا أن نطبق روح المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب على نحو شامل، ونتخذ نظرية دنغ شياو بينغ وفكر ’’التمثيلات الثلاثة‘‘ الهام ومفهوم التنمية العلمي، كمرشد، لندفع على نحو شامل أن يتقدم سويا التشريع العلمي وتنفيذ القانون بصرامة وتحقيق العدالة القضائية وإلتزام كل أبناء الشعب بالقانون، والتمسك بحوكمة الدولة وفقا للقانون وتنفيذ الحكم وفقا للقانون وتنفيذ الإدارة وفقا للقانون، وأن نتمسك بالبناء المتكامل لدولة يحكمها القانون وحكومة تحترم سيادة القانون ومجتمع يلتزم بسيادة القانون، لنفتح بلا انقطاع وضعا جديدا لإدارة الدولة وفقا للقانون."
ويؤكد الرئيس شي على ضرورة بناء دولة اشتراكية قوية ثقافيا، من خلال رفع مستوى الإعلام والتوجيه الأيديولوجي، ويشدد على أنه "توجد مهمة كبيرة لأعمال الإعلام والتوجيه الأيديولوجي في ظل الانفتاح الشامل على الخارج، ألا وهي إرشاد الناس للنظر إلى الصين المعاصرة والعالم الخارجي بنظرة شاملة وموضوعية". ويشير أيضا إلى أهمية توفير سند أخلاقي قوي لتحقيق حلم الصين، وضرورة تعزيز القوة الناعمة الثقافية للبلاد، حيث أن "رفع القوة الناعمة الثقافية للبلاد أمر مهم بالنسبة لتحقيق أهداف ’’المئويتين‘‘ وتحقيق حلم الصين للنهضة العظيمة للأمة الصينية". وهو الأمر الذي يتطلب "إرساء أساس متين لهذه القوة، ونشر القيم الصينية المعاصرة، وإظهار الجاذبية الفريدة للثقافة الصينية، وإيلاء اهتمام لتشكيل الصورة الوطنية لبلادنا، وتعزيز حق الحديث على الصعيد الدولي".
وفي حديثه عن مفهوم بناء الحضارة الإيكولوجية، ركز الرئيس شي على عدة عناصر، وهي: بيئة أفضل لصين جميلة، المضي قدما نحو عصر جديد للحضارة الإيكولوجية الاشتراكية، ترك سماء زرقاء وأرض خضراء ومياه صافية للأجيال القادمة. ومن الركائز الداخلية الأخرى لتحقيق نهضة الصين وفقا لرؤية الرئيس شي، دفع تحديث الدفاع الوطني وعصرنة الجيش، وذلك من خلال مواصلة دفع بناء الدفاع الوطني والجيش، وتمتين الدفاع الوطني وبناء جيش قوي، بجانب بناء جيش شعبي خاضع لقيادة الحزب وقادر على الانتصار وذي أسلوب عمل ممتاز.
وبالإضافة إلى ما سبق، يؤكد الرئيس شي على ضرورة إثراء ممارسة "دولة واحدة ونظامان" ودفع إعادة توحيد الوطن، وتتمثل وسائل تحقيق ذلك من خلال: تأكيده أن مصير هونغ كونغ وماكاو وبرّ الصين الرئيسي مرتبط ارتباطا وثيقا.
وبالنسبة للركائز الخارجية لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، بما ينعكس على العالم، طرح الرئيس شي جين بينغ في كتابه حزمة من العناصر الهامة بهذا الصدد. الأول: سلوك طريق التنمية السلمية. يقول الرئيس شي جين بينغ: "من الضروري أن نجعل العالم يعرف المزيد عن إستراتيجية الصين حول سلوك طريق التنمية السلمية، ونجعل المجتمع الدولي يرى ما شهدته الصين من تطور فيتعامل معها بطريقة صحيحة. لن تسعى الصين لتحقيق التنمية على حساب مصالح الدول الأخرى، ولن تلقي مشكلاتها على الآخرين. سنعمل بثبات على تحقيق السلام والتنمية المشتركة، والتمسك بالنظام التجاري المتعدد الأطراف، والمشاركة في حوكمة الاقتصاد العالمي." الثاني: دفع بناء نمط جديد للعلاقات بين الدول الكبيرة، من خلال: السير قدما مع تيار تقدم العصر ودفع التنمية السلمية في العالم، وبناء العلاقات الجديدة النمط بين الدول الكبيرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بناء جسر للصداقة والتعاون بين قارتي آسيا وأوروبا. الثالث: إتقان الأعمال الدبلوماسية تجاه الدول المجاورة، وذلك من خلال: بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" معا، بناء "طريق الحرير البحري" للقرن الحادي والعشرين، التمسك بالمفهوم الدبلوماسي المتمثل في العلاقة الحميمة، والصدق، والمنفعة، والتسامح تجاه الدول المجاورة. الرابع: تعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية، وذلك من خلال: الصداقة والشراكة مع القارة السمراء، دفع تشكيل شراكة أقوى بين الصين وأمريكا اللاتينية والكاريبي، تطوير روح طريق الحرير، وتعميق التعاون الصيني- العربي. الخامس: المشاركة في الشؤون المتعددة الأطراف بنشاط، من خلال: التعاون يدا بيد والتنمية المشتركة، العمل معا لتحقيق مستقبل أجمل لآسيا والعالم، الحفاظ والتنمية لاقتصاد عالمي منفتح سويا، نشر "روح شانغهاي" وحفز التنمية المشتركة، تعميق الإصلاح والانفتاح وبناء منطقة المحيط الهادئ وآسيا الجميلة، وتبني موقف جديد إزاء التعاون الأمني في آسيا.
وأخيرا، ليس أدل على صعوبة وثقل حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الرئيس شي جين بيغ وإدراكه لسبل التعامل معها، من قوله: "في هذه البلاد الكبيرة، والضخمة السكان، والمعقدة الأوضاع، يجب على القادة فهم أحوال البلاد بصورة عميقة، ومعرفة ما يفكر فيه وما يأمله الشعب، ويجب أن يكون لهم وعي بأنهم "يمشون على جليد رقيق، ويقفون على حافة هاوية عميقة"، ويتبنون موقف أن "حكم بلد كبير، أمر بالغ الدقة، مثل طبخ سمكة صغيرة."
---------------------------------
عادل علي، إعلامي وباحث مصري في الشؤون الصينية.