أهم الأخبار

"فهمي نصر".. مأساة شابٍّ أصمّ وأبكم تسلط الضوء على معاناة فئة "أبناء الصمت" المنسية

2022-01-10 الساعة 06:06م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)

في دكان صغير في جولة المرور بمدينة تعز، يسكن فهمي نصر (أصم وأبكم – 27 عاماً) متعايشاً مع ذروة المعاناة القاسية التي يعيشها منذ أكثر من عقد من الزمان، والتي بدأت فصولها بانفصال والديه الَّذَين لم يشعر معهما قبل ذلك بغياب حاستيه الأساسيتين إذ كانا سمعه ولسانه.

 

حين قدمنا الى الدكان بدا فهمي مندهشاً فقد تعود أن يعيش وحيداً ولم يخطر بباله أن أحداً سيزوره، ولما وصلنا وجدناه متدثراً ويعاني من مرض شديد، ولا يجد من يقف الى جواره في محنته تلك، وإلى جواره فاتورة علاج بـ12 ألف ريال، ومكان مبعثر يشعرك بحجم المأساة التي يعيشها بمفرده.

 

كنت أنا إلى جوار معلمته وصديقاً له من فئة الصم والبكم أيضاً وزميله في الدراسة، والأخير هو من حدثنا عن قصته ودفعنا لزيارته.

 

بلغة الإشارة التي تعلمها في الجمعية، وعبر مترجم، يروي لنا فهمي جزءا من معاناته، ومعنى أن تعيش أصمّاً وأبكماً، بلا لسان يعبر عن حالك سوى الدموع، التي كان يذرفها عند تمنى أبسط الاشياء.

 

يقول إن معاناته بدأت منذ طفولته حين انفصل والداه وغادرت أمه المنزل لتعيش حياتها بعيداً عنه مع انقطاع تام للتواصل ليفقد حاسته الأقوى بابتعادها، حيث عاش مع والده وزوجته (خالته) حياة لا تخلو من المعاناة.

 

وفاة والده وظلم إخوانه

 

لكن الأمر كان أيسر بوجوده والده، إذ تمكن من الذهاب إلى المدرسة وحظي بالتعليم حتى المرحلة الثانوية، ولما بلغ منتصف العقد الثاني من عمره توفي والده "نصر"، ليضاف إلى قائمة مفقوداته الوجدانية فقدانٌ آخر، ويبدأ فصلاً جديداً من المعاناة التي كانت مخبأة له في سجل قدره، ليبدأ حياة الحرمان الكبير.

 

يقول فهمي لمراسلة المصدر أونلاين، إنه، وإثر وفاة والده لاقى من زوجة أبيه صنوفاً من الضغوطات النفسية والتصرفات الجارحة، إذ لم تراع يتمه ولا إعاقته، واستمرت تضغط عليه وتضيق عليه الخناق لكي يفر منها، ويخلي لها ولإخوانه منها ما تركه والدهم.

 

ويضيف أن الأمر وصل حد إخراجه من منزل والده بصورة متجردة من كل معاني الأخوة والإنسانية حيث قالوا له "أنت الآن كبير.. رُوْح دور لك شغل واطلب الله على نفسك"، ليبدأ بذلك فهمي فصلاً جديداً من فصول من هذه المأساة الغائرة.

 

"حياة في الشارع"

يحكي فهمي جانباً من معاناته التي تضاعفت للتو فيقول: "بدأت الحياة معي لعبتها القاسية ورمتني في أحلكِ الظروف.. أنا أنام مفترشاً الرصيف ومتوسداً الصخر، وملتحفاً السماء".

ويضيف: بعد ذلك أهدتني الحياة بصيص أملٍ، وإن لم يكن كافياً، لاستعادة وهج روحي، إلا أنه ساعدني على الحفاظ على ما تبقى منها، إذ وجدت حافلة صغيرة "باص" مهجورة كنت أنام عليها لفترة من الزمن".

بعد فترة من المعاناة، دلّه مواطنون على دكان صغير استأجره ليعيش فيه، وبمبلغ إيجار 25 ألف ريال، يجمعها من عمله البسيط الذي يقوم بممارسته. فقد عمل "فهمي" في بيع الآيسكريم الذي كان يعده مع صديق له ويتقاسمان الحصيلة يومياً ويحظى بثلث المبلغ الذي لا يتجاوز ألف ريال يوفر معظمه لدفع الإيجار.

 

يقول فهمي إنه كان يعيش على مساعدة بعض أصدقائه من الصم والبكم أو من الناس الذين يسكنون بجوار دكانه والذين يعطفون عليه، ويضيف كاشفاً جانباً موجعاً من مأساته لا يعلمه الناس بحكم غياب القدرة على التخاطب والتفاهم مع المجتمع، أنه كثيراً ما كان يمر عليه الوقت دون أن يدرك موعد الوجبات ليختصر وجباته الثلاث في وجبةٍ واحدة.

 

ولما سألناه من أين دفع فاتورة العلاج الموجودة بالقرب منه وبمبلغ 12 ألف ريال، قال إنه دفعها من إيجار هذا الشهر، ورنا ببصره إلى الأعلى، في إشارة توحي لمن رآها عن هم ينتاب الشاب من أين سيدفع إيجار هذا الشهر.

 

حين يغدو الموت أمنية

يصف فهمي حياته في ذلك الدكان فيقول: "لا يوجد لدي أي إضاءة أو كهرباء، أمضي حياتي هكذا ألعن الظلام فقط حتى تمنيت أن أسرج نفسي وأضرم النار فيها لأضيء المكان أو لأستريح تماماً من هذه المعاناة وقسوة الحياة.. فلا أقسى من أن أعيش أحمل كل هذا الثقل من الأوجاع على كاهلي".. يردف: "إلاّ خذلان الأخوة وصمت المجتمع".

 

فهمي نصر، قصة تجسد معاناة أبناء هذه الشريحة المنسية، عالمهم صامت، لا يعرف صراخاً ولا ضجيجاً ولا صخباً، عالم طاهر من كل مساوئ الألسنة، ولكنه مع ذلك معجون في الحرمان والألم.

 

وبدلاً من أن يفكر شاب كفهمي في مستقبله وحياته كشباب الفئة في كل العالم، يفكر بتوفير قوت يومه ومكان يأوي إليه مساء بعد تراكم التعب والإرهاق من عمل غير مجدٍ، كما يفكر في وطأة الإعاقة وتخلي الأهل والإخوة ولا مبالاة المجتمع، وغياب أي دور للدولة قد يساهم في التخفيف من معاناته وأمثاله.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص