أهم الأخبار

من حرب فيتنام إلى الغزو العراقي.. أبرز "حروب المستنقع" التي استنزفت الغزاة وكانت تكلفتها هائلة

2022-03-04 الساعة 02:05ص (يمن سكاي - عربي بوست)

في الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي لم تتّضح فيه بعد أي ملامح حسم عسكري أو اتفاق سياسي، بدأ الحديث عن إمكانية سقوط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في"فخّ أوكراني" نصبه له الغرب بهدف استنزاف روسيا، من دون الدخول في حربٍ مباشرة معها.

وفي حين لا يزال الوقت مبكراً لمعرفة ذلك، وبانتظار المسار الذي ستؤول إليه هذه الحرب، دعونا نعود قليلاً إلى الوراء لننبش سوياً في حروبٍ تاريخيّة شكّلت عبئاً؛ لأنّها استمرّت طويلاً واستنزفت الدول التي شنّتها؛ فوجدت نفسها في مستنقع، وأصبحت تكلفة الحرب هائلة جداً عليها، كما حصل في الحربين العالميتيّن، الأولى والثانية.

في الحرب العالميّة الأولى: التي استمرّت لأكثر من 4 سنوات، كانت من أشرس الصراعات على مرّ التاريخ. وقد بدأت أوروبيّة وانتهت عالميّة. بلغ العدد الإجمالي للخسائر العسكريّة والمدنيّة نحو 40 مليون شخص، 20 مليون منهم كانت حالة وفاة، بالإضافة إلى خسائر اقتصاديّة مهولة -خلالها وبعد انتهائها-.

بدأت الحرب في يوليو/تموز 1914 حين أعلنت النمسا الحرب على صربيا، فوقفت روسيا مع صربيا وأعلنت الحرب على النمسا، قبل أن تتدخّل ألمانيا وتعلن الحرب على روسيا.

وقد تمركزت الحرب في بدايتها بين دول الحلفاء (بريطانيا، وفرنسا، وروسيا) ودول المحور (ألمانيا، والإمبراطوريّة النمساوية المجريّة، والدولة العثمانيّة، وبلغاريا)، قبل أن تتدخّل الولايات المتحدة إلى جانب دول الحلفاء في أبريل/نيسان 1917، بعد إغراق الألمان عدداً من سفنها.

أمّا الحرب العالميّة الثانية التي بدأت في العام 1939، لم تتوقّف نهائياً إلا في العام 1945 بكارثة إنسانيّة سبّبتها أمريكا، بعد قصف مدينتَي هيروشيما وناجازاكي بقنبلتين ذريّتين. أودت الأولى بحياة نحو 140 ألفاً من سكّان مدينة هيروشيما اليابانيّة، وتسبّبت الثانية بمقتل أكثر من 39 ألفاً من سكّان ناغازاكي على الفور.

تختلف تقديرات ضحايا الحرب العالمية الثانية، باختلاف الموارد والبلدان المؤرّخة، لكن وبحسب التقديرات الحالية، فإنّ إجمالي عدد القتلى في هذه الحرب وصل إلى 66 مليون شخص، بين عسكري ومدني؛ منهم 26 مليوناً و600 ألف من الاتحاد السوفييتي فقط.

لكن ما هي الحروب التي استمرّت طويلاً واستنزفت الدول التي شنّتها؟

1- حرب فيتنام.. أبرز الانسحابات الأمريكيّة في التاريخ:

إحدى أهمّ الحروب في القرن العشرين إبان الحرب الباردة، التي خلّفت ملايين القتلى والجرحى واللاجئين. تُعتبر حرب فيتنام صفحة سوداء في تاريخ أمريكا؛ لأنّها كبّدت واشنطن خسائر بشريّة وعسكريّة وماليّة فادحة، أجبرتها على الانسحاب في النهاية.

قوات الولايات المتحدة في حرب فيتنام / Flickr
                                                قوات الولايات المتحدة في حرب فيتنام / Flickr

دارت الحرب بين القوات الشيوعيّة في شمال فيتنام بدعمٍ من الاتحاد السوفييتي والصين، وبين حكومة جنوب فيتنام بدعمٍ من أمريكا وتحالف الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة؛ لم تتوقّع خلالها أمريكا أن تستمرّ الحرب طيلة 20 عاماً، وتنتهي باستسلام فيتنام الجنوبيّة لحكومة الشمال الشيوعيّة.

بلغ عدد الجنود الأمريكيّين المشاركين في فيتنام الجنوبيّة 11 ألف جندي في العام 1962، حيث تمّ تأسيس قيادة أمريكيّة في سايغون (العاصمة السابقة لجمهورية فيتنام الجنوبيّة). وبقي الوجود العسكري الأمريكي يزداد حتى بلغ نحو 200 ألف جندي مع نهاية العام 1965، ثم وصل إلى 550 ألفاً في صيف 1968.

قرّر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إنهاء تدخّل بلاده في الحرب، بعدالاستنكار الشعبي الكبير لها والخسائر الجسيمة التي تكبّدتها أمريكا وجاهد في إخفائها عن الرأي العام، قبل أن تفضحهوثائق البنتاغون المسرّبة آنذاك وتكشف للأمريكيّين هول الهزيمة.

فجرى التفاوض حول وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني 1973. وفي مارس/آذار من العام نفسه، غادر آخر جندي أمريكي فيتنام. وبعدها بعامين، استسلمت فيتنام الجنوبيّة لحكومة الشمال الشيوعيّة ووحّدت حكومة فيتنام الشماليّة قطبَي البلاد ليصبحا دولة فيتناميّة شيوعيّة واحدة.

قُدّرتخسائر الأمريكيّين في هذه الحرب الدمويّة بـ58 ألف قتيل، و153 ألفاً و303 جرحى، بالإضافة إلى 587 أسيراً تمّ إطلاق سراحهم لاحقاً. فيما خسر الفيتناميّون نحو مليون قتيل، و3 ملايين جريح، بالإضافة إلى نحو 12 مليون لاجئ.

يُشير موقعThe balance إلى أنّ الولايات المتحدة أنفقت نحو 168 مليار دولار (وهو ما يعادل نحو تريليون دولار بتقديرات اليوم) في حرب فيتنام، تشمل 111 مليار دولار تكلفة العمليات العسكرية خلال الفترة ما بين 1965 و1970، بالإضافة إلى 28.5 مليار دولار في صورة مساعدات اقتصادية وعسكرية لحليفتها فيتنام الجنوبية.

وهذا الرقم لا يمثّل سوى التكلفة المباشرة للحرب.

وفي مقالٍ نشرته"نيويورك تايمز" في الأول من مايو/أيار 1975، أشارت الصحيفة إلى أنه في السنوات الأربع من 1967 إلى 1970 أنفقت الولايات المتحدة على حرب فيتنام 22.2 مليار دولار و26.3 مليار دولار و26.5 مليار دولار و18.5 مليار دولار على التوالي.

2- الغزو السوفييتي لأفغانستان.. "الحرب الثقيلة":

كبّد ذلك الغزو خسائر فادحة للجيش الأحمر السوفييتي نتيجة المقاومة الشرسة للمقاتلين في أفغانستان. وقد جاء في 25 ديسمبر/كانون الأول 1979 في سياق مطامع قديمة لموسكو في المنطقة، وصراع القطبين الأمريكي والسوفييتي حول مناطق النفوذ في إطار الحرب الباردة.

كان الاتحاد السوفييتي بحاجة لاستعادة هيبته العسكريّة بعد أن تزعزعت في بولندا. وإلى جانب ذلك، تلخّصت أهداف الغزو السوفييتي آنذاك باستغلال الموارد الطبيعيّة في أفغانستان، واحتواء الصين من الجانب الغربي، بالإضافة إلى تهديد مناطق النفوذ الأمريكي التقليديّة في باكستان. إلا أنّ الهدف السوفييتي المعلن كان دعم الحكومة الأفغانيّة التي كانت تتعرّض لهجمات من المعارضين، الذين كانت تدعمهم أمريكا وباكستان والصين.

المجاهدون يهاجمون مواقع الاتحاد السوفييتي / iStock
                                المجاهدون يهاجمون مواقع الاتحاد السوفييتي / iStock

حقّق المقاتلون الأفغان انتصارات حاسمة طيلة 10 سنوات على القوات السوفييتية، أجبرتهم على الانسحاب في 15 فبراير/شباط 1989 بعد حربٍ دمويّة "ثقيلة" كبّدتها خسائر كبيرة لم تكن في حساباتها أبداً.

وبعد صمتٍ طويل حول العدد الدقيق لخسائرها،أعلن الاتحاد السوفييتي في مايو/أيّار 1988 أنّه فقد 13 ألفاً و310 جنود في الغزو على أفغانستان، وجرح نحو 35 ألفاً، بالإضافة إلى فقدان 311 جندياً. في حين أكّدت الولايات المتّحدة أن الخسائر البشريّة تتراوح بين 30 و35 ألفاً. كما لم تعلن موسكو أبداً عن عدد القوات السوفييتيّة التي دخلت أفغانستان، في حين قدّرت الولايات المتحدة العدد بحوالي 115 ألفاً.

أما التكلفة المالية، فقد كانت تتصاعد بشكلٍ تدريجي. ففي عامي 1985 و1986،أنفقت موسكو ما يقارب 3 مليارات روبل على إدارة الحرب. وفي سنة واحدة فقط، بين 1984 و1985، خسرت نحو 300 طائرة، 90% منها كانت هليكوبتر.

3- الحرب في أفغانستان.. أطول الحروب الأمريكيّة

تُعتبر أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكيّة، متجاوزةً حربَي العراق وفيتنام.

بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001 عندما شنّ الجيش الأمريكي ما سماها عمليّة "الحريّة الدائمة"، بالتعاون مع بريطانيا، ردّاً على أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 ورفض طالبان تسليم أسامة بن لادن. أطاحت العمليّة بإمارة أفغانستان التي تحكمها طالبان.

الجيش الأمريكي في أفغانستان/ رويترز
                                            الجيش الأمريكي في أفغانستان/ رويترز

شارك في العملية نحو 28 ألف جندي أمريكي، وآلاف الجنود من دولٍ أخرى أبرزها بريطانيا، كما أنشأت الأمم المتحدة قوات المساعدة الدولية "إيساف" (ISAF)، التي وصل تعدادها عام 2009 إلى 64 ألف جندي من 42 دولة.

قرّر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش إرسال تعزيزاتٍ عسكريّة عام 2008 لمكافحة حركة طالبانالتي كانت عادت تدريجياً إلى معاقلها في الجنوب، بعد انشغال واشنطن في غزوها العراق عام 2003.

ومع العام 2011، بلغ إجمالي عدد الجنود الأمريكيّين في أفغانستان نحو 100 ألف، بالإضافة إلى نحو 50 ألفاً من قوات أجنبيّة أخرى، على الرغم من أنّ الرئيس باراك أوباما كان قد وعد بإنهاء الحرب في أفغانستان، في حملته الرئاسيّة.

خلال سنوات الحرب في أفغانستان، التي انتهتبانسحاب أمريكا في 2021 واستعادة حركة طالبان للسلطة، تعاقب على البيت الأبيض 4 رؤساء أمريكيّين: جورج بوش الابن، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، وأخيراً جو بايدن.

وقد أنفقت الولايات المتحدة منذ العام 2001 ما يقارب 2.313 تريليون دولار بين عمليات أفغانستان وباكستان. هذا المجموع لا يشمل الأموال التي تلتزم حكومة الولايات المتحدة بإنفاقها مدى الحياة لرعاية محاربيها القدامى في هذه الحرب، كما لا يشمل أيضاً الفوائد المستقبلية على الأموال المقترضة لتمويل الحرب.

كما تشيرالأرقام التي نشرها "معهد واتسون للشؤون الدولية في جامعة براون" إلى أنّ 243 ألف شخص لقوا حتفهم كنتيجة مباشرة لهذه الحرب. ولا تشمل هذه الأرقام الوفيات الناجمة عن العواقب غير المباشرة للحرب، أو الأمراض أو فقدان الوصول إلى الغذاء والمياه.

4- الغزو الأمريكي للعراق.. من دون ذريعة:

شكَّل الغزو الأمريكي للعراق حدثاً محورياً في منطقة الشرق الأوسط، كانت ذريعته امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ممّا أدّى إلى إسقاط نظام الرئيس صدام حسين وخسائر بشرية ومادية فادحة.

قوات أمريكية شاركت في غزو العراق / رويترز
                                              قوات أمريكية شاركت في غزو العراق / رويترز

بدأت مرحلة الغزو رسمياً في 20 مارس/آذار، بانفجاراتٍ في بغداد وغارة جويّة حاولت استهداف صدّام حسين وقيادات عسكريّة أخرى، وانتهت العمليات القتالية الكبرى -التي شاركت فيها إلى جانب القوات الأمريكيّة، بريطانيا وأستراليا وبولندا- في الأول من مايو/أيار 2003 كما أعلن آنذاك الرئيس الأمريكي جورج بوش.

في 13 ديسمبر/كانون الأول 2003، اعتُقل صدّام حسين من قبَل القوات الأمريكيّة؛ ونُفّذ حكم الإعدام شنقاً فيه في ديسمبر/كانون الأول من العام 2006.

بعد ذلك تمّ تأسيس سلطة التحالف المؤقتة، أوّل حكومة انتقالية من بين عدة حكومات انتقالية متتالية، أدّت إلى أول انتخابات برلمانية عراقية في يناير/كانون الثاني 2005. ورغم أنّ التحالف بقيادة أمريكا أعلن عن تدخّلٍ سريع في العراق، ضمن إطار حملة تهدف إلى الإطاحة بنظام حكم صدّام حسين الذي قاد البلاد منذ 1979، بذريعة امتلاكه ما وُصف بأسلحة الدمار الشامل -التي عادت وكالة الطاقة الذريّة ونفت عثورها على أيّ دليل يوحي بأنّ العراق أعاد إحياء برنامج أسلحته النووية منذ إلغائه في التسعينيات- إلا أنّ الغزو استمرّ 8 سنوات حتى العام 2011، مخلّفاً وراءه بلداً أنهكه الصراع الطائفي الذي أفضى إلى ظهور جماعات متشدّدة، من بينها ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلاميّة.

حتى العام 2020، كانتالأرقام تشير إلى أنّ الولايات الأمريكيّة تكبّدت نحو 1.922 تريليون دولار في العراق، تشمل رعاية قدامى المحاربين والفوائد على الديون لتمويل أعوام المشاركة العسكريّة في البلاد.

الأكثر زيارة
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص