2022-05-24 الساعة 06:23م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)
في الثاني والعشرين من شهر مايو (أيار) للعام 1990م، تم إعلان الوحدة اليمنية الاندماجية بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي بعد انشطار دام 23 عاماً، ومنذ ذلك التاريخ صار عيداً وطنياً يحيي اليمنيون ذكراه كل عام.
ورغم خفوت الاحتفال بهذا العيد خلال سنوات الحرب وتزايد دعوات الانفصال إلا أن اليمنيين لا يزالون يستغلون هذه المناسبة كل عام للتذكير بوحدة اليمن منذ الأزل حتى حينما كانت تقوم في اليمن دولتان ظل الشعور الشعبي موحداً.
وبعد مرور 32 عامًا على تحقيق الوحدة اليمنية، تسببت الحرب الدائرة في اليمن منذ 8 سنوات، بإحداث هزة عنيفة أدت إلى ظهور التصدعات بشكل جلي في النسيج المجتمعي ووجدت دعوات التمزيق في الحرب بيئة مناسبة لتسويق خطابها الذي يروج للكراهية والجهوية بشكل لم يظهر حتى في ظل وجود دولتين على شطري اليمن.
الكاتب والباحث ثابت الأحمدي يقول "لدينا في اليمن نوعان اثنان من الوحدة، الأولى هي الوحدة الشعبية، وهذه وحدة ثابتة ومستمرة منذ وجدت اليمنُ أرضا وإنسانا، من الزمن القديم وإلى اليوم، الثانية وهي الوحدة السياسية، ومن يقرأ تاريخ اليمن القديم والوسيط والحديث والمعاصر، يجد أن اليمن قد توحد مائة مرة، وانفصل مائة مرة، متوالية تاريخية من الزمن القديم إلى اليوم، والسبب الرئيسي لجدلية الانفصال الذي يأتي من الوحدة، يكمن في القيادة التي تعتبر أقصر من طول وعرض اليمن، وهذه مشكلة اليمن التاريخية، أزمة قيادة، لا أزمة شعب".
ويضيف في حديثه لـ"المصدر أون لاين" "اليوم ثمة قضية في الجنوب، هي من صنيعة الشمال والجنوب معا، ومن يرى الحل كامنا في الانفصال فكالذي يريد قطع أصبعه كاملا لخلل في الظفر، ثمة خلل في الأساس اعترى الوحدة، اندفع الجميع بعاطفة جياشة، بلا ضمانات قوية تحفظ للناس كل حقوقهم، وبعد فترة وجيزة تعرضت هذه العاطفة لجفاف أفقدها رونقها، ونفخ النافخون في كير الفتنة، وفجأة صحا اليمنيون على صوت الانفصال، والوحدة في أوج قوتها، فكانت ردة فعل غاضبة، حسمت موضوع الانفصال، والمشكلة هي في بعض السلوكيات الخاطئة التي استغلتها بعض الشخصيات السياسية من الشمال والجنوب معا".
في عام 1990م، تم الوصول إلى اتفاقية الوحدة اليمنية بين الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض رئيس اليمن الجنوبي، نصت الاتفاقية التي تمت بإشراف العديد من الدول والتكتلات السياسية على مقترحات الوحدة الإندماجية، ولكن الاختلافات التي حدثت بين الأحزاب السياسية، وعلى رأسها الحزبان الحاكمان حزب المؤتمر الشعبي العام في الشمال، والحزب الاشتراكي في الجنوب، والتي حدثت لأمور عديدة أهمها التفاوت الاقتصادي بين الجنوب والشمال، وكذلك اختلاف الطبيعة والتركيبة العقائدية للنظامين في الجنوب الذي كان يتبنى النظرية الماركسية وبين الشمال الذي كان مزيج من التركيبة القبلية والفكر الإسلامي واقتصاد السوق.
كما أن الثغرات التي تركها اتفاق الوحدة كانت سبباً في تدهور الأوضاع خلال سنوات قليلة تلت إعلان الوحدة ومن ضمنها بقاء الجيشين دون دمج ورغبة كل نظام بابتلاع الطرف الآخر في أقرب محطة، ففيما حاول الحزب الاشتراكي إنعاش جيوبه القديمة في الشمال، وجدت قيادات الحزب الاشتراكي نفسها أمام موجة اغتيالات لم يتم التحقيق فيها أو ضبط الفاعلين ما جعل الاتهام يتوجه مباشرة لنظام صالح بالوقوف وراءها.
وبالنظر لعدم تطبيق مقترحات الوحدة الاندماجية بقوانين صارمة أدى الوضع السياسي المتراخي إلى نشوب حرب صيف 1994م، والتي أعادت إلى الواجهة مقترحات "الوحدة الفيدرالية" و"الوحدة الكونفدرالية".
في السياق يقول الصحفي حافظ الهياجم إنه لا يمكن للوحدة كمفهوم وتطبيق ومنجز، أن تكون مشروعا فاشلاً، والفشل باليمن هو فشل إدارة وتوظيف وتوجيه لهذا المنجز الكبير، الوحدة.
وفي حديثه لـ"المصدر أون لاين" يقول "لم يكن على رأس النظامين إدارات جاهزة لاستثمار الوحدة لصالح الشعب والأمة، فنتج ما نتج من تقاسم مقيت للمناصب والوظائف، وزاد على ذلك أن مارس المنتصر في حرب 1994م الإقصاء والتهميش والتخوين بحق المهزوم بدلاً من لملمة الجراح ورأب الصدع".
يضيف قائلا: "ما يحدث اليوم من شروخ بين شطري اليمن، هو ناتج طبيعي لكل ذلك الفرز والفشل الإداري والمظالم الحاصلة".
غابت الاحتفالات الرسمية هذه السنة وخلال سني الحرب ومرت ذكرى عيد الوحدة يتيمة في عدن وفي صنعاء، ففيما ترزح صنعاء تحت وطأة سيطرة مليشيا الحوثي التي لا تؤمن بالجمهورية أساساً وبنت لها مصفوفة مناسبات خاصة ذات صبغة طائفية، فإن عدن التي يقيم فيها مجلس الرئاسة والحكومة واقعة في قبضة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يكفر بالوحدة ويتبنى مشروع انفصال جنوب اليمن عن شماله وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في سنوات التشطير.
إلا أنه وبحسب الفلسفة السياسية فإن ظهور نزعات الانفصال وخفوت الاحتفاء بهذه المناسبة لا يعد مؤشراً للحكم على الوحدة بالفشل وحسب السنوات التي مرت على الوحدة اليمنية فإنها تعتبر قصيرة قياسا بالعمر الذي تحتاجه الدول لإنجاز مشاريع توحيدية وإرساء مداميكها بشكل آمن.
في هذا الخصوص تقول بيان عمر في حديثها لـ" المصدر أون لاين" "كنت أتمنى أن لا تتحمل الوحدة اليمنية، وزر ما ارتكبه الآخرون بحقها، الوحدة بريئة من كل ما حدث ويحدث، والصواب أن من يتحمل المسؤولية، ويُسلط الغضب تجاهه، هي الإدارة التي أفشلت المشروع الذي صنعته الوحدة في مايو 1990".
بعد حرب صيف 1994م، كانت الغالبية العظمى من اليمنيين تنظر إلى الوحدة، كقدرٍ محتوم، غير قابل للتراجع، وفي تلك الفترة الزمنية رفع العديد شعارات ذات محتوى يتضمن "الوحدة أو الموت"، لكن التفرقة السياسية التي حدثت بعد الانقلاب الحوثي على الشمال في العام 2014م، كانت قد ساهمت بتغذية العنصرية الاجتماعية وأرست أفكار الانفصال، إذ برزت مجموعة كبيرة من الحنوبيين الذين شكلوا فيما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" يطالبون بالانفصال عن الشمال، والتي يعتقد البعض أن تشكيل مجلس الرئاسة القيادي كقيادة جديدة للبلد ويضم في عضويته رئيس المجلس الانتقالي المتبني لمشروع الانفصال سيقود في النهاية إلى خفوت هذا الصوت وتراجع خاصة أن مشاورات الرياض التي نتج عنها هذا المجلس كانت بإشراف وضمانات خليجية.
في السياق يقول رئيس مركز نشوان للدراسات والبحوث الاستراتيجية، عادل الأحمدي إن الأوضاع أصبحت أفضل بعد تشكيل المجلس الرئاسي.
ويضيف في حديث لـ "المصدر أون لاين" "لقد كان اليمنيون قبل الوحدة شعباً واحداً في دولتين، وأخطر ما يمكن أن يصل إليه اليمنيون اليوم، هو أن يكونوا شعبين في دولة واحدة، وهذا الذي كان قبل سنوات، وعاد اليمنيون شعبا واحدا ودولة واحدة في ظل إرساء النظام الحالي".
يضيف قائلاً: "كان لمشروع الوحدة اليمنية بعض الإشكالات التي كان لابد للزمن أن يعالجها، ولا يوجد في انفصال شمال وجنوب، إلا أن الإمامة على امتداد التاريخ كانت هي الانفصالية، والدليل على ذلك أن الحوثي هو الانفصالي الوحيد داخل اليمن، وهو الذي عمل سعرين مختلفين للعملة الواحدة، وأوجد حدود شطريه وقطّع المنافذ".
الأحمدي يختم حديثه قائلا: "الوحدة الوطنية أهم بكثير من الوحدة السياسية، فقبل 15 سنة، كان الشمالي ينزل إلى المناطق الجنوبية، ويرى مشاعر محتقنه ضد الوحدة، إلا أن الأوضاع تغيرت الآن، وأصبح هناك شعب واحد، مشاعر واحدة، وهذا أهم من كل شيء".