2023-12-03 الساعة 02:04م (يمن سكاي - )
حذّرت افتتاحية للغارديان البريطانية من وجود مؤشرات حول مساع الاحتلال الإسرائيلي لفرض 'نكبة ثانية' للفلسطينيين، مشيرة بأن خطط الاحتلال لتقسيم أحياء قطاع غزة غير قابلة للتنفيذ كما لايمكن لها أن تفعل ذلك من خلال الاستمرار في قتل الأبرياء.
وقالت الصحيفة بأن الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة وصلت إلى منعطف مصيري. إذ أن انهيار "وقف" القتال لمدة سبعة أيام في الأسبوع الماضي قد أعقبه سريعاً استئناف القصف الإسرائيلي، الذي استهدف كافة مناطق الأراضي الفلسطينية، وتجدد هجمات حماس. واعتبرت بأن انهيار الهدنة، وهو أمر مؤسف ويمكن تجنبه في حد ذاته، من شأنه أن يثير أعمال عنف ومعاناة على مستوى يتجاوز حتى ما حدث في الأسابيع الأخيرة.
وتقول إسرائيل إنها تخطط لنقل الحرب إلى عمق قلب جنوب غزة، حيث يحاصر ما يصل إلى مليوني شخص. ولم يظهر قادة حماس، الذين تعهدوا بتدمير إسرائيل، أي إشارة على إنهاء مقاومتهم.
وقد بدد استئناف الأعمال العدائية الآمال في أن يقنع أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، الذي زار إسرائيل الأسبوع الماضي، الجانبين بإطالة أمد الهدنة أو حتى جعلها دائمة. وهذا يعني أن الأزمة الإنسانية الرهيبة داخل غزة سوف تتفاقم حتماً. وتقول وكالات الإغاثة والأمم المتحدة إن النظام الصحي على وشك الانهيار، كما أن الغذاء والمياه النظيفة وغيرها من الأساسيات تعاني من نقص شديد. ويعني ذلك أن شحنات المساعدات من مصر ستتعطل مرة أخرى، وأن إطلاق سراح الرهائن والسجناء، وهو الأمر الذي لم يجلب سوى القليل من البهجة الأسبوع الماضي، سيتوقف.
ويعني ذلك أيضًا أن المخاطر الأوسع نطاقًا الكامنة في هذا الصراع قد عادت إلى التركيز مرة أخرى. وهذا بدوره قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الأنظمة التي لا تحظى بشعبية من مصر إلى الخليج ــ وهو السيناريو الذي تجده الحكومات الغربية مزعجاً للغاية.
على الرغم من الضغوط الأمريكية والعربية المكثفة، فإن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل اليميني المتشدد المعزول دولياً، والمذموم داخلياً، والمدعوم في الوقت الحالي من قبل حكومة الحرب المتشددة، يصر على أن الحرب سوف تستمر، وتتكثف، حتى تحقيق أهدافها (القضاء على حماس، عودة الرهائن وإزالة التهديدات المستقبلية).
إن الرفض الإسرائيلي الجزئي لاتباع النصيحة الأمريكية هو أحد العواقب غير العادية للصراع، ولا يبدو أن مناشدات بلينكن بضرورة بذل المزيد من العناية لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين وحماية إمدادات الإغاثة قد غيرت نهج الجيش بشكل جذري.
ويبدو أن نتنياهو وجنرالاته قد استجابوا لإصرار الرئيس الأميركي جو بايدن على وضع خطة ما بعد الحرب لغزة ــ ولكن أفكارهم، بقدر ما هي معروفة، مرفوضة وغير عملية. فالأولى هي إنشاء منطقة عازلة دائمة من خلال اقتطاع الأراضي النادرة من قطاع غزة المكتظ بالسكان. والحل الآخر هو استئناف الاحتلال العسكري المفتوح بشكل فعال بينما يتم تنفيذ "نزع السلاح" وما تصفه بـ "نزع تطرف" السكان. ويتوقع المسؤولون صراعاً طويل الأمد ومتعدد المراحل يخفف تدريجياً من التصعيد وربما يمتد حتى عام 2025. وفي الوقت نفسه، يرفض نتنياهو رفضاً قاطعاً اقتراح بايدن بأن تتولى السلطة الفلسطينية المسؤولية في غزة بعد الحرب.
وعلى نحو مماثل، فإن الخطط الإسرائيلية الرامية إلى تقسيم أحياء غزة إلى مئات من المناطق الصغيرة التي يفترض أنها آمنة، والتي من المفترض أن يتم توجيه المدنيين إليها ذهاباً وإياباً، يوماً بعد يوم، بل وحتى ساعة بعد ساعة، هي خطط غير قابلة للتنفيذ وغير مقبولة. ومن المفترض أن يستخدم السكان رمز الاستجابة السريعة المرتبط بموقع عسكري إسرائيلي يخبرهم بموعد ومكان الإخلاء. وهذا أمر غير واقعي على الإطلاق في منطقة تتعرض لإطلاق النار وحيث لا يمكن الاعتماد على الاتصالات السلكية واللاسلكية. وأكثر من ذلك، من المعيب حتى التفكير في معاملة الأسر المذعورة والمتشردة والأطفال المصدومين وكأنهم خراف أو ماعز يتم رعيها في الحظائر.
إن إعلان إسرائيل أن خان يونس، المدينة الرئيسية في جنوب غزة، حيث تعتقد أن زعيم حماس يحيى السنوار يتمركز فيها، أصبحت الآن "منطقة قتال خطيرة"، يهدد بسقوط المزيد من الضحايا على نطاق واسع في الأيام المقبلة. هذه هي المنطقة التي صدرت تعليمات للفلسطينيين من الشمال بالهروب إليها عندما بدأ الغزو البري. وإلى أين سيذهبون الآن من الناحية الواقعية؟ إلى البحر؟ وهذا الأمر من شأنه أن يزيد من الشكوك في أن هدف إسرائيل النهائي يتلخص في فرض نزوح جماعي للفلسطينيين على غرار ما حدث في عام 1948 إلى الدول العربية المجاورة ـ وهو ما يعني في الواقع نكبة ثانية.
وفي هذه اللحظة المصيرية، أمام إسرائيل خيار واضح، وهو استمرار مساعيها لمعاقبة حماس على هجومها. ولكنها لا تستطيع، ولا يمكن لها، أن تفعل ذلك من خلال الاستمرار في قتل الآلاف من المدنيين الأبرياء، سواء عن قصد أو عن غير قصد. وإذا لم يتمكن نتنياهو من ضمان سلامة المدنيين في هذه المرحلة التالية من الحرب، فيتعين عليه أن يعرض استئناف الهدنة كمقدمة لإطلاق المزيد من الرهائن ومفاوضات وقف إطلاق النار.