2023-12-25 الساعة 07:49م (يمن سكاي - )
تعمل حنان محمد في إحدى المؤسسات بمدينة تعز منذ ثلاث سنوات لمساعدة أهلها في الإلتزامات المالية وتخفيف أعباء الحياة اليومية، وعلى الرغم من عملها لمدة ثمان ساعات يومياً وأكثر إلا أنها تتقاضى أجرًا أقل من زملائها الذكور، بل وتتعرض في كثير من الأوقات للخصومات المالية.
تقول حنان إن زملاءها الذكور يحصلون على رواتب تفوق مدخولها بنسبة 80%، بالإضافة إلى حصولهم على مكافآت وحوافز مع أن العمل الذي تقوم به يساوي ما يقومون به، وتشكو من أن جهودها لا تحظى بأي تقدير.
لاتزال حنان مستمرة في عملها لحاجتها له إلا أنها تعاني من نقص الأمان الوظيفي وتدخلات في عملها، وعدم استماع الإدارة إلى آرائها لكونها فتاة، موضحةً بأن السبب الرئيسي وراء استمرارها في العمل رغم انخفاض أجرها هو عدم حصولها على فرصة عمل أفضل، ولمعرفتها بتجارب بعض العاملات الأخريات والتي كانت الحصيلة المشتركة لها أن أماكن العمل تفرق بين الذكور والإناث في الأجر والمكافآت.
تعاني العاملات في اليمن من تدني ملحوظ في أجور العمل وقد فاقمت هذه الحالة فترة الحرب التي استمرت لسنوات والتي خلفت معها آلامًا لا تنتهي بالنسبة للإنسان اليمني ككل والمرأة على وجه الخصوص حيث يعاني أرباب أسرهن والشباب فيها من البطالة التي نجد بعض المؤسسات الخاصة حسب قول محمود البكاري، نائب مدير مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بتعز تستغل ظروف الناس وخاصة المرأة كعمالة رخيصة، كون المرأة تقبل بأي أجر بخلاف الرجل الذي يحاول أحيانا أن يبحث عن أجر يغطي احتياجات الأسرة المعيشية.
ويرى البكاري بأنه من المفترض أن يتم وضع ضوابط لعملية التشغيل في المنشآت الخاصة بحيث يتم تحديد سقف الأجور بما يتناسب مع الوضع المعيشي للأسر.
وتوضيحًا لأسباب قبول النساء بأجور قليلة تقول مروى أحمد وهي أخصائية اجتماعية في مركز الحماية والتأهيل للنساء والفتيات بتعز: البعض من النساء تستمر في العمل بسبب ظروفها الاقتصادية أو ظروف أسرتها خصوصاً إذا كانت هي المعيلة الوحيدة للأسرة أو إذا كانت تتحمل مسؤولية الأبناء والزوج خصوصاً إذا كان الزوج لديه اعاقه.
وصرحت ذكرى العريقي، أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة تعز بأن النساء أصبحن يقبلن بأقل الرواتب نتيجة الحاجة، وبحسب قولها فإن القطاع الخاص في المدارس على سبيل المثال 95٪ من العاملين فيه هن فتيات خريجات جامعات إلا أنهن يقبلن بأقل الرواتب للحاجة.
وتضيف العريقي: أصبحت المرأة العائل الوحيد لكثير من الأسر بعد غياب الرجل أو مثلا حرمان الأسرة لعائلها بسبب وفاته أو لكونه جريح لذا نجد كثير من النساء بدأن العمل بعد أن فرضت ذلك عليهن الظروف المعيشية الصعبة .
وفي ذات السياق تضيف صباح راجح وهي رئيسة اتحاد نساء اليمن بأن المرأة ترضى بقبول الأجور المتدنية لتوفر فرص عمل قليلة وسط حاجة ملحه لأي فرصة قد تواجههن بالإضافة إلى إلى أن النظرة المجتمعية للمرأة لا يزال فيها دونية سواء في الوظيفة او في العمل المؤسسي أو في أي عمل آخر حيث ينظر للمرأة على أنها أقل من الرجل على الرغم من أنها قد تكون أكثر كفاءة وقدرة أو متساوية مع الرجل
في قطاعي العمل العام والخاص وقضية تمييز الأجور يقول ماهر العبسي وهو محامي: في القطاع العام لا يوجد تمييز في الأجور وإنما هناك تمييز في جانب التدريب والتأهيل وفي الترقيات أو الحوافز والعلاوات.
ويرى البكاري أيضًا أن الوظائف الحكومية للنساء تخضع لقانون الخدمة المدنية وأن الأجور فيها متساوية على حد سواء بين الرجل والمرأة أما في القطاع الخاص فهناك معايير للتشغيل والقبول بالأجر المحدد ومنها حاجه العامل للعمل وما يساعد على توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية.
ومع استمرار الحرب والنزاع أدى ذلك إلى زيادة عمالة النساء، فقد أدى القتال إلى ارتفاع كبير في عدد الأسر التي فقدت عائلها وأصبحت المرأة هي المعيل .
وقد خلفت الحرب أيضًا آثارًا ملحوظة على جانب الأبحاث والاحصائيات حيث يقول البكاري حول إحصائيات التي تبين نسبة النساء العاملات في اليمن والحد المتوسط لأجورهن بأنه لا توجد إحصائيات محددة لأن عملية التشغيل تتم أحياناً بصورة شخصية عدا الشركات الصناعية والجامعات الخاصة
يمنح قانون العمل اليمني المرأة حقوقها في العمل كاملة حيث تنص المادة (42) من قانون العمل اليمني لعام 1995، أن تتساوى المرأة مع الرجل في جميع شروط العمل وحقوقه وواجباته وعلاقاته من دون أيِّ تمييز، فيما تحدد المادة (43) فترة عمل المرأة اليومية بخمس ساعات للحامل والمرضع حتى نهاية الشهر السادس، وإجازة أمومة لمدة 60 يومًا بأجر كامل
وفي هذا السياق يقول المحامي ماهر العبسي إن الأجور في قانون العمل اليمن واضحة حيث ساوى القانون بالأجور ما بين الرجال والنساء بشكل كامل ودعا إلى تحقيق التكافؤ ما بين الرجال والنساء في الاجور والعلاوات والحوافز والترقيات.
ويضيف العبسي أن القانون اليمني الخاص بالعمل لا يميز بين النساء العاملات أو الرجال وما يحدث في الواقع ناتج عن عدم توفر رقابة كافية على القطاع الخاص والعام أيضاً في بعض الأحيان.
وعلى الرغم من منح القانون للمرأة العاملة حقوقها إلا أن هناك جملة من الأسباب التي تحول دون حصولهن على هذه الحقوق بدءًا من أرباب العمل حيث ترى العريقي أن التمييز في الأجور لصالح الذكور سببه أرباب العمل وليس التمييز القانوني
ويؤكد العبسي ذلك بقوله إن الترقيات والحوافز عادة ما تكون للرجال اكثر من النساء وذلك يعود للإدارات نفسها لأنها تعاني من ضعف في فهم معنى المساواة بين الرجال والنساء في العمل.
ويضيف العبسي "على الرغم من أن القانون واضح في المساواة لكن بما أن النساء هي الفئة الأضعف في المجتمع فمن الضروري أن تكون هناك أكثر من فقرة توضح وتشدد على هذا موضوع مساواة أجور النساء بالرجال وأن يكون فيه عقوبة لمن يخالف لتتحقق حالة الإلتزام بالإضافة إلى اهمية وجود لجان رقابية على القطاع العام والخاص".
تعتبر الآثار الاجتماعية الناتجة عن اضطهاد النساء في الأجور مقارنة بالرجل من الآثار شديدة الحدة على المرأة لأنها تضعها في دائرة العنف الاقتصادي القائم على أساس التمييز فقط لكونها امرأة بحسب قول مروى أحمد، الأخصائية الاجتماعية في مركز الحماية والتأهيل للنساء والفتيات بتعز.
وتضيف مروى: إلى جانب الآثار الاجتماعية هناك أيضاً آثار نفسيه بعيدة المدى أبرزها فقدان الثقة بالنفس والاحترام للذات والشعور بالإذلال والمهانة والإحساس بالعجز والإحباط وعدم الشعور بالاطمئنان والسلام النفسي والعقلي بالإضافة إلى الإصابة باضطرابات في الصحة النفسية والذي بدوره ينعكس على شكل أمراض جسدية متنوعة.
وتشير مروى إلى أن هناك أيضًا آثار اقتصاديه ناتجة عن ذلك لا تؤثر على المرأة فقط بل تؤثر على مستوى الأسرة والمجتمع والدولة ككل، حيث يؤدي التمييز في الأجور إلى فقر النساء على المستوى الشخصي والأسري ويضعف قدرتهن على المساهمة في دخل الأسرة، والمساهمة في الاقتصاد الوطني والحياة العامة، كما يستنفذ الخدمات الاجتماعية والنظام القضائي ومراكز الخدمات الصحية وأصحاب العمل، ويؤدي إلى إضعاف المنجزات التعليمية والطاقات الإبداعية الكامنة لدى النساء العاملات ما يؤدي إلى عدم القدرة على تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة نفسيه واجتماعيه متوازنة بسبب عدم القدرة على إشباع احتياجاتهم بشكل كافي.
وسط جملة الأزمات التي تعاني منها المرأة اليمنية العاملة تزداد حاجتها إلى من يسمعها ويفهم مشاكلها ويستجيب لمطالبها ما يوجب توفر حملات مناصرة لها، وفي ذلك توضح
صباح راجح، رئيسة اتحاد نساء اليمن أن المناصرة لهن تكون من خلال عمل برامج وأنشطة توعية قانونية للنساء العاملات حول الأجور وقانون العمل
وتضيف راجح أن مناصرة النساء تكون من خلال تحديد نسب من الوظائف للنساء وبأجر متساوي مع الرجال حتى لا تُظلم النساء من أرباب العمل وان لا تقبل بأجر أقل، خوفًا من فقدان فرص العمل.
وتشير راجح إلى أنه على الرغم من التحديات التي تواجه المرأة اليمنية العاملة لا توجد جهات تعمل على مناصرتها وسط حالة من عدم إلمام هؤلاء العاملات بالقوانين التي تخدمها او التي تصب في صالحها، فلا تزال المرأة اليمنية تفتقر الى كثير من حقوقها، وكيفية الحصول على هذه الحقوق مثلها مثل الرجل، ليس في مجال العمل فقط بل في عدة مجالات.
* تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.