2023-12-30 الساعة 08:19م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)
مثل عام 2023 المنصرم العام الأبرز للاحتجاجات الشعبية ضد مليشيا الحوثي من قبل السكان في مناطق نفوذها منذ سيطرتها عام 2015 التي تطالب بالخدمات والحقوق والمرتبات، وتطورت إلى أن تصل إلى احتجاجات منظمة.
وأفضى الغضب الشعبي المتراكم إلى تشكيل هيئات جديدة للمطالبة بحقوق بعض الفئات وفي مقدمتها المرتبات، كنادي المعلمين، واجهت مليشيا الحوثي تلك الاحتجاجات بشتى وسائل الترهيب والترغيب، ووصلت حد تقديم وعود بـ"تغييرات جذرية" كما جاء في أحد خطابات زعيم المليشيا رغم أنها أنكرت علاقة هذه الوعود بالاحتجاجات.
ودفع الغضب الشعبي المتراكم والاحتجاجات المطلبية بمليشيا الحوثي إلى التقدم خطوات في مفاوضاتها مع السعودية في محاولة للتخلص من مطلب المرتبات التي لم تدفعها منذ حوالي سبع سنوات، وواجهت مليشيا الحوثي تلك الاحتجاجات بالقمع والخطف والرصاص، لكن الاحتجاجات تواصلت وهتف بعضها برحيل مليشيا الحوثي.
قبل بدء الموسم الدراسي 2023-2024 قاد أبوزيد الكميم مع مدرسين آخرين، جهوداً لتأسيس ناد نقابي للمعلمين، يهدف لانتزاع المرتبات من سلطات مليشيا الحوثي، وشكل لذلك اللجنة التحضيرية لنادي المعلمين، ومنعت مليشيا الحوثي اللجنة التحضيرية من مواصلة تشكيل دوائر وهيئات النادي وجمعيته العامة، لكن النادي واصل عمله.
وأعلن نادي المعلمين عزمه تنظيم إضراب شامل عن التعليم، في جميع المدن والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي بما فيها أمانة العاصمة. ووفقا لنادي المعلمين حقق النادي نجاحا هائلا، من حيث المشاركة في الإضراب تراوح بين 80 -100% بين المدن والأرياف.
وردت مليشيا الحوثي بخطف أمين عام النادي محسن الدار، ثم توسعت بحملات الخطف والاعتقال إلى عدد من المدرسين بعضهم أفرجت عنهم، لكنها عاودت الخطف واقتحام المنازل وخطف الأقارب والأبناء، وقد خطفت رئيس النادي أبوزيد الكميم، ورئيس فرعه في المحويت ناصر قعيش، وفي ريمة إبراهيم جديب، وزجت بهم في سجون الأمن والمخابرات، في ظل تعذيب بشع، وصل حد تغيير بعض الأدوية للمرضى، كالشيخ الكميم، الذي فقد القدرة على الحركة في نوفمبر الماضي، بهدف اغتياله بطريقة غير مباشرة تنجيها من المساءلة. كما عمدت إلى إلغاء العملية التعليمية والدفع ببعض أتباعها إلى التدريس، في بعض مراكز المدن، والمديريات بعد تلقينهم أهداف المليشيا من العملية التعليمية، والوصول إلى حل فعلي للنظام التعليمي في اليمن، واستبداله بتعليم مغلق للمليشيا عبر مدراس سميت باسم حسين الحوثي تعمل فعليا على طريقة المعسكرات.
كما خطفت نجل المعلمة حياة منصر، نائب رئيس النادي لإجبارها على التوقف عن المطالبة بالمرتبات.
ورداً على حملة القمع العنيفة، تعهد النادي بمواصلة الاحتجاجات والإضراب حتى تحقيق أهدافه، المتمثلة بانتظام صرف المرتبات، ودفع مرتبات السنوات السابقة لكل المعلمين، كما نظم أكثر من مظاهرة احتجاجية له أمام مقر النائب العام بصنعاء للمطالبة بالإفراج عن قياداته.
كان القطاع الخاص اللاعب الأبرز الذي انضم إلى الاحتجاجات ضد مليشيا الحوثي، باعتباره قوة اجتماعية واقتصادية مهمة، تعبر عن فئات سياسية واجتماعية ومهنية متنوعة وعابرة للمحافظات.
وكانت الاحتجاجات لهذا القطاع متنوعة شملت تظاهرات محدودة بهدف محدد كتظاهرات موظفي شركة "برودجي سيستمز" للأنظمة المطالبة بإطلاق سراح مؤسسها عدنان الحرازي وإعادة فتح شركته.
كما انضم موظفو القطاع الخاص إلى الاحتجاجات في عدة مناسبات، بما فيها المشاركة في إضرابات واسعة مثل الإضراب في أغسطس الماضي على فرض جرعة سعرية جديدة ورفع أسعار الجمارك في مختلف المنافذ البرية لعدة أسابيع.
كما تمثل المحاكم ساحة رئيسة للاحتجاجات من قبل القطاع الخاص، حتى وإن رفضت مليشيا الحوثي الأحكام القضائية الصادرة عن محاكمها التي شكلتها بنفسها، مثل رفضها تنفيذ حكم المحكمة التجارية العليا بشأن الغرفة التجارية، وأدى في النهاية إلى اقتحام الغرفة التجارية بأمانة العاصمة من قبل المليشيا بالقوة.
وتعهد اتحاد الغرف التجارية في اليمن بمقاومة ما وصفها "حرب التصفية" التي قال إن سلطات مليشيا الحوثي تشنها على القطاع الخاص، عبر سلسلة مختلفة من الجرائم، وتعهد بالرد على تلك الجرائم عبر اجتماع لكل الغرف، كما جاء في بيانه قبل ستة أشهر، وهو الاجتماع الذي لم ينعقد حتى نهاية العام خاصة بعد أن قامت المليشيا باقتحام الغرفة التجارية والسيطرة عليها وفرض قيادة جديدة لها.
انضم مزارعو القات إلى قائمة الاحتجاجات التي اندلعت في اليمن ضد الحوثي، في عدة محافظات مثل صنعاء وعمران والجوف، حيث نظم مزارعو القات في عنس وآنس بذمار احتجاجات رفضاً لزيادة الضرائب الحوثية، في مايو الماضي، وفي أشهر لاحقة. كما نظم مزارعو القات في حرف سفيان احتجاجات جديدة في ديسمبر الجاري احتجاجا أيضا على فرض ضرائب إضافية على مبيعاتهم.
في أواخر ديسمبر الجاري واجه مواطنون في بني مطر (غربي صنعاء) حملة حوثية عسكرية خرجت للسيطرة على عقاراتهم وأجبروها على مغادرة المنطقة، التي تشهد واحدة من أكبر عمليات الاستيلاء على الأراضي لصالح قيادات الحوثي، وقد انتزع الحوثي فعلا أراضي وعقارات بعدة محافظات بعشرات ومئات الكيلومترات في كل من صنعاء وعمران والحديدة وذمار لكن المقاومة لهذه الجرائم مستمرة، بعدة صور، أبرزها التظاهرات والاحتجاجات كما في صنعاء، وتصل إلى مواجهات مسلحة كما يحدث في أراضي قبيلة همدان مثلاً في محافظة الجوف.
كانت محافظة إب جنوب صنعاء على رأس التحركات الأكثر جرأة ضد مليشيا الحوثي، وشهدت عشرات الوقفات الاحتجاجية المطالبة بالخدمات، وفتح الطرق والمرتبات، لكن جنازة الشهيد حمدي عبدالرزاق المشهور بالمكحل كانت الأكثر جرأة والأوضح تعبيراً عن المضامين الاجتماعية والسياسية.
وقتلت مليشيا الحوثي الناشط حمدي عبدالرزاق بعد أن اعتقلته وأودعته أحد السجون التابعة لها وزعمت أنه انتحر ثم غيرت روايتها لتقول إنه فر من السجن وقتل أثناء الفرار. رواية الحوثي لم يصدقها أحد، وأدت ضغوط شعبية لإجبار مليشيا الحوثي على تسليم جثمانه، وتحولت جنازته في الأول من رمضان الفائت إلى أكبر مظاهرة شعبية حتى حينه، تهتف صراحة برحيل الحوثي، وأسقط الآلاف منهم شعارات الحوثيين، وراياتهم، من الشوارع والمؤسسات الرسمية، رغم إطلاق النار ضدهم. ثم تواصلت الاحتجاجات هناك بطمس شعارات الحوثيين من الشوارع والحارات في مدينة إب مركز المحافظة التي تحمل نفس الاسم.
كانت ليلة الذكرى الحادية والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر فارقة في مسيرة الاحتجاجات المعارضة للحوثيين، إذ شهدت زخماً غير مسبوق على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي القرى والأرياف، ووصل إلى تظاهرة محدودة في صنعاء، ردت عليها مليشيا الحوثي بتمزيق العلم الوطني ورميه في الأرض، وإعلانها عن تغييرات كبيرة في هيكلة الحكم بمناطق سيطرتها.
ورداً على الإهانة البالغة التي شعر بها الشعب وخاصة الجيل الجديد منه، بازدراء العلم الوطني وتمزيقه، خرج الآلاف في اليوم التالي في عدة محافظات أبرزها صنعاء والحديدة وإب ومحافظات أخرى، بالآلاف واجهتها مليشيا الحوثي بالخطف والاعتقال والتنكيل والإخفاء. وقدر محامي المعتقلين في صنعاء عبدالباسط غازي عدد المختطفين في صنعاء وحدها بالمناسبة 1500 شاب على الأقل، ولا تعرف الإحصائيات الدقيقة للمخطوفين على ذمة التظاهرات العارمة بالذكرى الجمهورية، لكنها شملت قيادات سياسية واجتماعية في الحديدة وعمران وصنعاء وإب.
في سبتمبر الماضي قتل عنصر حوثي مسلح طالبا جامعيا في جامعة ذمار أثناء تطبيقه في أحد المشافي إلى اندلاع احتجاجات واسعة استمرت عدة أسابيع، رغم محاولات الحوثي عبر محافظها في ذمار محمد البخيتي، ومدير أمنها الحوثي، وغيرهم إلى منع تلك الاحتجاجات.
واستمرت الاحتجاجات إلى أن سارعت مليشيا الحوثي عبر محكمة تابعة لها بإصدار حكم قضائي بإعدام القاتل، ولم تطل مدة المحاكمة لفترة طويلة كما هو معتاد بل صدر الحكم خلال فترة أسابيع قليلة فقط تحت وقع الاحتجاجات.
ورغم اعتقاد مليشيا الحوثي أن شعبيتها ارتفعت بعد ادعاءاتها بأنها تشارك في جانب المقاومة الفلسطينية ضد الهجوم الصهيوني على غزة، إلا أن تلك الهجمات يفهمها اليمنيون أنها عمليات إيرانية بالكامل ولصالح إيران وإن تزامنت مع الحرب الصهيونية على قطاع غزة، كما تصرح بذلك إيران نفسها.
وأدى فوز منتخب اليمني في بطولة كأس غربي آسيا للناشئين تحت سن 17 إلى احتفالات عارمة قبل أيام، في عدة محافظات شملت صنعاء وتعز وعدن وإب ومأرب وحضرموت وغيرها، لكنها لم ترفع أي شعار حوثي في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثي، بما فيها صنعاء والحديدة. بدلاً من ذلك رفعت الجماهير المحتفلة، العلم اليمني الذي مزقه الحوثي في سبتمبر الماضي، والعلم الفلسطيني للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.
ويشير غياب أي شعار حوثي أو هتاف أو صورة لقادة المليشيا بأن الهدف من التظاهرة لم يتغير منذ خروجهم باحتفال مماثل ومفاجئ قبل سنتين عند ذات المناسبة.
أدت الحملة الواسعة للمطالبة بالمرتبات والإضراب الشامل والناجح للتعليم، إلى تقدم في المفاوضات بين مليشيا الحوثي والسعودية، وقد أعلن المبعوث الأممي مؤخراً عن التزامات سينفذها الحوثي والمجلس الرئاسي، للوصول إلى خارطة طريق لإنهاء الصراع.
كما أدت الحملة المطالبة بالمرتبات إلى حرب إعلامية شرسة بين حليفي الحكم في صنعاء من ناحية نظرية، وهما الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة صادق أبوراس، حيث اشترك مهدي المشاط بالهجوم ضد نائبه أبوراس ووصفه "بالسفسطائي والمنظر البعيد عن الواقع والمزايد"، بينما اتهم أبوراس المليشيا بأنها "تمارس الحكم من البدرومات والغرف المظلمة".
وأدت الاحتجاجات القبلية إلى أن يدرج خبراء العقوبات التابعة لمجلس الأمن، فقرة عن النزاع العسكري بين القبائل ومليشيا الحوثي في عدة محافظات من أهمها الجوف.
كما أدت تلك الاحتجاجات إلى نشوء صراعات وعمليات اغتيال وتصفية للقادة الحوثيين، قتل على إثرها القيادي الحوثي أبوعلي المطري رئيس عمليات المنطقة العسكرية السادسة لمليشيا الحوثي في محافظة الجوف في يوليو الماضي، ونزاع بين مدير الأمن التابع للحوثي في صنعاء وقائدها أبو رداد المطري، وتوتر بين قبائل بني مطر ومليشيا الحوثي.
وأمام استمرار سياسة الإفقار والتجويع، التي تمارسها السلطات التابعة لمليشيا الحوثي، والتجاوزات والانتهاكات التي يمارسها مسلحوها بحق المواطنين فمن المتوقع استمرار وتصاعد الاحتجاجات مع تراكم الحنق الشعبي من أداء الجماعة التي تحاول الهروب من الغضب الشعبي نحو افتعال بطولات تجاه الخارج وكان آخرها تصعيد استهداف خطوط نقل الملاحة الدولية خلال شهر ديسمبر المنصرم.