أهم الأخبار

"عشرية سوداء" قاتمة.. حين وقعت صنعاء في قبضة الإمامة مجدداً!

2024-09-21 الساعة 04:47م (يمن سكاي - علي الفقيه)

بحلول الحادي والعشرين من سبتمبر هذا العام نكون قد أنهينا عشر سنوات هي الأشد سواداً وظلمة منذ قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962.

ففي مثل هذا اليوم من عام 2014 اجتاحت مليشيا الحوثي "النسخة العصرية من الإمامة" مدينة صنعاء عاصمة اليمنيين وبهذا تكون قد أدخلت اليمن في مرحلة مظلمة ودشنت يومها مرحلة صراع دامٍ وطويل الأمد لم تظهر له نهاية حتى اللحظة.

ورغم ما تعيشه البلاد من هدوء حالياً إلا أنه في الحقيقة نار تحت الرماد، إذ أن ما حدث هو تجميد للمواجهات المسلحة فقط، بينما لا تزال كل أسبابها قائمة وظروفها مهيأة ربما أكثر من ذي قبل.

عشر سوداء جسدت فيها مليشيا الحوثي لليمنيين كل ما قرأوه في طيات الكتب وسمعوه من روايات الأجداد عن مساوئ وقبح الإمامة، وقدموا أداءً حياً لكل الرذائل والجرائم التي شهدتها اليمن خلال القرون الماضية، بل وتفوقوا على أسلافهم بحكم ما امتلكوه من وسائل لم تمتلكها النسخة القديمة وتجسد ذلك في حجم ما سفكوه من دماء وما أحدثوه من دمار في العمران وفي نسيج وبنية المجتمع.

روى كُتَّاب التاريخ والمذكرات أن الإمامة كانت تجيش المئات من عكفتها والموالين لها لتهديم دور المناوئين لها والرافضين لظلمها من وجهاء وأعيان اليمن ليكونوا عبرة لغيرهم، وكان ذلك الهدم يحتاج إلى أيام وجهد بشر كثيرين، فذهب الحوثيون لممارسة نفس الجريمة إلا أن المهمة كانت عليهم أسهل لأنهم استخدموا الوسائل الحديثة والفتاكة ودمروا مئات المنازل بعبوات شديدة الإنفجار، وهو المشهد الذي تكرر مئات المرات على امتداد الجغرافيا التي وصلت إليها أياديهم، مجسدين بذلك النزعة العنيفة "المشرعنة" لاستهداف خصومهم واستحلال ممتلكاتهم.

وخروجاً على ما طبعت به الإمامة من كونها مشروع "ديني سياسي" فقد أضافت النسخة الحوثية لنفسها بعداً آخر كونها قدمت نفسها كواحدة من أذرع إيران في المنطقة، لفرض هيمنة طهران وحماية مصالحها في المنطقة.

وبالعودة قليلاً إلى ليلة الحادي والعشرين من سبتمبر والفترة الزمنية التي سبقتها، فحين كانت جحافل الإمامة على مشارف صنعاء ظن كثير من اليمنيين، الذين أصابهم سحر الخطاب الناعم الذي تم ترويجه عن هذه الجماعة والضخ الإعلامي الذي عمل على الفصل بين الجماعة (كمشروع وفكر) وبين مشروع الإمامة التاريخي، ظنوا أن ما شهدته البلاد من مواجهات عسكرية خلال العامين السابقين، في صعدة وحجة والجوف وعمران، قد وصل إلى نهايته، ولم تمكنهم أبصارهم الكليلة من استشراف القادم الذي كان أسوأ بكل المقاييس.

وقبل أن نعطي لمحة عن الإجتياح لا بد أن نذكر بأن هذه اللحظة المهينة لليمن وتاريخها وأحلام شعبها شاركت في حياكتها كل الأطراف الموجودة على الساحة سواءً تلك المدفوعة بأحقادها وضغائنها ورغبتها في تصفية حسابات تراكمت خلال العقود الماضية، وآخرها إفرازات الاحتجاجات التي أجبرت صالح على التنحي من الحكم في 2011، أو تلك التي مارست العمل السياسي بسذاجة حالت دون إدراك حجم الخطر والعمل على الحيلولة دون وقوعه من وقت مبكر، وتوج ذلك التواطؤ بميوعة موقف الرئيس السابق عبدربه منصور هادي ومن يقف خلفه من القوى حين كانت مليشيا الحوثي تدك أسوار مدينة عمران، بل وما يمكن وصفه بمباركة سقوط مدينة عمران حين زارها وأطلق تصريحه الشهير "عمران عادت إلى حضن الدولة"، مدفوعاً برغبة دفينة في إضعاف وتصفية شركائه من القوى التي شاركت في جريمة وصول رئيس ضعيف إلى الكرسي، وبمشاركة سلفه الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح الذي جيش أنصاره وقواته وكل ما اكتسبه من نفوذ طيلة سنوات حكمة لتمكين الحوثيين من السيطرة على مدينة عمران (بوابة صنعاء الشمالية) التي لم يكن ما بعدها إلا تحصيل حاصل.

استلمت المليشيا صنعاء بقليل من الجهد وكثير من المؤامرات والدسائس التي دارت في القصور والسفارات والفنادق ودهاليز الأحزاب ونسجت لها جسور كثيرة مكنتها من الوصول لبغيتها بسلاسة، وتوجت ذلك الاستلام باتفاق أطلق عليه (السلم والشراكة) وفيما كان المشتركون في المؤامرة يعدون تلك اللحظة تتويجاً لمساعيهم وفي مقدمتهم مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر، فقد كانت لحظة توقيع الاتفاق هي اللقطة الأكثر إفصاحاً عن سذاجة وقلة إدراك القوى السياسية وهي تساق مذعنة إلى حتفها، ومعها ساقت البلد إلى هاوية سحيقة.

قبل هذا الاتفاق كانت قد أهينت كل معالم الدولة اليمنية بجيشها وأمنها وإعلامها وكل مؤسساتها وتعرضت لسطو همجي لم يكن القصد منه مجرد السيطرة وإنما الإيغال في إهانة كل المؤسسات التي بنتها الجمهورية طيلة العقود الستة الماضية، إذ أسقط علم الجمهورية اليمنية ورفع مكانه شعار الصرخة الذي استوردته المليشيا من إيران وجعلته منطلقها ورافعتها.

كان حلم أجيال من اليمنيين يتبخر أمام أعينهم، وهم يرون الجائحة تدوس كل الاتفاقات والنخب التي جلست معها على الطاولات وتزحف مدفوعة بنشوة النصر غير آبهة بشىء لتصل إلى شواطئ بحر العرب بعد أن قذفت بكل خصومها إلى الخارج. حينها أيقن عشرات الآلاف من اليمنيين، وإن متأخرين، أن مواجهة هذه الجائحة، مهما كانت كلفتها إلا أنها ستكون أقل من كلفة الاستسلام وتمكينها من إتمام مشروعها حتى النهاية.

تدخلت السعودية وحلفاؤها عسكرياً بعد أن أدركوا متأخرين أن إيران قد طوقتهم من الجنوب وأن المشروع في حقيقته أكبر مما تم تسويقه لهم من قبل، وبغض النظر عما آل إليه ذلك التدخل فيما بعد، فقد أسهم التدخل في مراحله الأولى في إنعاش المقاومة المحلية المسلحة ومكنها من تحقيق تقدم غير المعادلة على الأرض ومنح اليمنيين أملاً في الخلاص.

ما الذي حدث بعد ذلك؟

استرخت قيادة البلاد في قصور وفنادق مكيفة ومجهزة بأحدث أدوات الراحة، وتركوا البلاد وعاصمتها المؤقتة (عدن) وظلوا يغطون في نومهم ويحلمون بنصر بارد لا يكلفهم جهداً ولا يعرضهم لخطر، بل وواصلوا نكايتهم ببعضهم، وهو ما منح الفرصة الذهبية لمشاريع أخرى تملأ ذلك الفراغ الذي تركه غيابهم واسترخاؤهم.

رغم تفكك حلف صنعاء وانقضاض الحوثيين على شريكهم علي عبدالله صالح الذي منحهم من عناصر القوة مالم يكونوا يحلمون به، إلا أن العزوف عن التقاط تلك اللحظة كان هو سيد الموقف، بل وتحولت نقطة القوة المفترضة إلى نقطة ضعف جديدة، حيث تحولت هزيمة صالح إلى رصيد إضافي للحوثي ليقول لأنصاره "هو الله" معززاً بابتسامة الثقة التي توحي لأتباعه إنه المؤيد من السماء، تلك النهاية كانت إيذاناً بأن الجماهير التي استعارها الحوثي من حزب المؤتمر الشعبي والقوات والقبائل الموالية للزعيم صالح باتت غير قابلة للإستعادة وأضيفت عملياً إلى جراب الحوثي.

حلم التحرير الذي لاح لكثيرين وظنوه "قاب قوسين"، استحال سراباً وبعد تحرير محافظات الجنوب والشرق ووصول الجيش إلى مسافة 20 كيلومتر على مشارف صنعاء اهتزت البوصلة وتحولت حرب "التحرير واستعادة الدولة" إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، والجيش غدى مليشيات وتشكيلات مسلحة متعددة العقائد والولاءات.

انتعشت مشاريع التمزيق وسمنت المليشيات المسلحة التي تعمل لمشروع لا علاقة له بالجمهورية اليمنية وليس ضمن أجندتها استعادة الدولة اليمنية، واصل المسؤولون وقادة البلاد بكل أطيافهم النوم بينما تدحرجت الكرة بشكل عكسي وانتقلت المعارك التي كانت في أعالي جبال نهم إلى مشارف مدينة مارب وأطراف شبوة، وبعد أن كانت مليشيا الحوثي تحفر الخنادق للدفاع عن ما تبقى من مدينة الحديدة استعادت مساحة تقدر بـ 80 كيلومتراً لتهاجم الخوخة وحيس، مستفيدة من اتفاق السويد الذي تم تمريره وفقاً لحسابات خاصة بشركاء الحرب الإقليميين، وأتى في لحظة عززت إيران من قدرات ذراعها (الحوثي) وباتت صواريخه ومسيراته تهدد آبار النفط.

وكطبيعة أي حرب يطول أمدها ينهار الاقتصاد وتتردى الخدمات ويصيب التململ معنويات الحاضنة الشعبية التي خسرت الكثير، ويبدأ صراع المصالح بين أمراء الحرب الذين تم صناعتهم بعناية وفق هدف إقليمي تمثل في "إعادة تشكيل الساحة السياسية في اليمن"، وتكبر الحسابات الخاصة حتى يكاد الفرقاء أن يعودوا إلى نفس اللحظة التي سقطت فيها صنعاء غير مكترثين لدرس تقارب مدته عشر سنوات دفع ثمنه جيل كامل وربما أجيال لاحقة.

وبطريقة دراماتيكية تشبه كل لحظات ما قبل نهاية المشهد، تغيرت القيادة بأخرى هي خليط من "شركاء متشاكسين" أعلنت بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في إبريل 2022 أن مهمتها هي "استعادة الدولة سلماً أو حرباً"، لكن وبعد مرور حوالي سنتين ونصف اتضح أن لا علاقة لها بأي من الكلمات الأربع التي كررتها كثيراً، وأن ترتيبات شبيهة بالترتيب لميلاد هذه القيادة تنسج على مهل، وإن تأخرت هذه اللحظة بفعل المستجدات الإقليمية وانتقال "القوارح" إلى البحر وهي التي منحت الحوثي فرصة لمزيد من المماطلة والتعنت وجعلت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيين يدركون أنه لا ينبغي أن يتم إقرار أي صيغة اتفاق سلام ما لم تنتهِ هذه القوارح ويضمنون حماية مصالحهم وهي مهمة يسعى الحوثي لنيل ثقة النافذين الدوليين لتكليفه بها كوكيل حصري.

وبالطبع فإن ما تعلمناه من دروس الماضي يدفعنا إلى الجزم بأن هذا المشهد، لن يكون الأخير، وأن اختتامه بهذه الطريقة (المفتوحة) يشير حتماً إلى مشاهد تالية ربما تكون أكثر سخونة، وأن الأجندات في مراحل الصراع القادمة قد تشهد اختلافًا جذرياً، وإذا ما تمكن الإقليم من التوصل لصيغة يخرج فيها من المشهد كلياً، فإن الصراع هنا سيكون أكثر محلية، وأن أطرافاً جديدة قد تتخلق خاصة أن ما أذاقته جماعة الحوثي لملايين المواطنين في مناطق سيطرتها جعلهم يدركون استحالة التعايش معها، وأن معظم النخب التي شاركتها الجريمة في البداية قد تململت وغدت محل استهداف.

وبمقاسات التاريخ فإن هذه العشر التي بدت لنا، كأشخاص، عمراً ليست سوى فقرة صغيرة من فقرات الصراع الذي خاضه اليمنيون مع مشروع الإمامة خلال الألف سنة الماضية، وهو ما يجعل كل من خاضوا في التاريخ اليمني يجزمون بأن أي استقرار لن تشهده اليمن مادامت موبوءة بهذا الفيروس الذي ينتقل عبر الأجيال.
نحاول في تناولات صحفية متنوعة على موقع المصدر أونلاين أن نعرض جزءً مما مرت به اليمن خلال هذه "العشرية السوداء".

 

المصدر اونلاين

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص