أهم الأخبار

عقد من محاولة ترويض القبيلة واستهداف بنيتها.. علاقة متوجسة في انتظار لحظة الخلاص

2024-09-24 الساعة 01:08ص (يمن سكاي - المصدر أونلاين - عادل دشيلة)


يسلط هذا المقال الضوء على استراتيجيات الجماعة الحوثية في حوثنة القبيلة خلال عقد من الصراع، وتحليل تأثير هذه الاستراتيجيات على الهُوية القبلية في اليمن. ويستعرض أدوات الجماعة الحوثية لتطويع القبيلة مثل مجلس التلاحم الشعبي القبلي، ووثيقة الشرف القبلية في تعزيز السيطرة الحوثية. ويناقش التحديات والآثار الاجتماعية والسياسية الناتجة عن هذه الاستراتيجيات، وكيفية تأثيرها على وحدة القبيلة.

أدركت الجماعة الحوثية بأن القبيلة هي العمود الذي يتكئ عليه أي نظام سياسي على مدى تاريخ اليمن، وأن القبيلة اليمنية هي من صنعت التحولات السياسية والعسكرية لصالح إمام ضد آخر، وحتى حينما فشلت ثورة 1948 ضد نظام الإمامة كان من ضمن الأسباب أن القبيلة لم تنحاز للثوار، ونجحت ثورة 26 سبتمبر لأن الجزء الأكبر من القبيلة اليمنية وقف إلى جانب الثوار وخاصة في مناطق حاشد وبكيل. كما أن انضمام القبائل إلى شباب التغيير في 2011 أحدث الانقسام في صفوف القوى القبلية الموالية لصالح، وأدى ذلك في النهاية إلى تخلي صالح عن الحكم بموجب المبادرة الخليجية 2011.

وفي هذا السياق، يجب التذكير بأن الأنظمة الجمهورية المتعاقبة منذ 1962- 2014 لم تهن القبيلة اليمنية كما أهانتها الجماعة الحوثية. وتستخدم الجماعة الحوثية آلة القمع ضد القبيلة بكل الوسائل، وتسوق نفسها أنّها هي الدولة مع أنّها لا تستند إلى أي شرعية قانونية أو سياسية، بل تستند على القوة العسكرية في تثبيت أركان حكمها في المناطق القبلية. وتعرضت القبيلة اليمنية لهزات عنيفة خلال حكم جماعة الحوثي للمناطق القبلية، فبعد سقوط معسكرات الدولة في بعض مناطق صعدة قامت الجماعة بشن الحرب الدعائية والعسكرية في آن واحد لإضعاف القبيلة. 

وكانت البداية العسكرية لإخضاع القبيلة لحكم الجماعة من خلال إسقاط المناطق القبلية عسكرياً، وخصوصاً منذ العام 2010، حينما قامت الجماعة الحوثية "بالاعتداء على قبيلة الشيخ “صغير بن عزيز”، طيلة 4 أشهر، حينها وقفت الدولة عاجزة عن نصرة أحد أهم حلفائها دون إبداء أي سبب، ليجد “بن عزيز” نفسه يقاتل وحيدًا." ولاحقا تم تدمير منازل الشيخ صادق الأحمر وإخوانه في العشة والخمري، ووجدوا أنفسهم والقبائل الموالية لهم وحيدين أمام زحف جماعة الحوثي، على الرغم من تصديهم لهجوم الجماعة الحوثية الذي استمر لأربعة أشهر تقريبا، إلا أن قبيلة حاشد سقطت في النهاية لأسباب لا يسع المجال لشرحها في هذا المقال، ناهيك عن إعتداءات الجماعة على المناطق القبلية الأخرى في حجور، وعتمة، وهمدان، وأرحب، والبيضاء، وإب ومناطق أخرى.

ومنذ سقوط قبيلة حاشد عام 2014 بيد الجماعة الحوثية، سعى الحوثيون لإخضاع القبائل لمنهجهم الفكري من خلال حوثنة الأعراف القبلية. وحاولوا إضعاف دور القبيلة الاجتماعي، والقبلي، والسياسي، وبنيتها الداخلية لصالح مشروع الجماعة الحوثية. 

ولم تكتف الجماعة الحوثية بتدمير منازل الرموز القبلية وإخضاع القبيلة لحكم الجماعة في أكثر من محافظة ومديرية بل انتهجت سياسة تفريخ المشائخ، وإنشاء تكتلات قبلية يشرف عليها الحوثيون لتغطية سياسة الجماعة بحق القبيلة. وقامت الجماعة الحوثية بتنصيب المشرفين الأمنيين والإجتماعيين والثقافيين على المناطق القبلية؛ كي يمسكوا بزمام الأمور إلى جانب المشائخ الذين تم تنصيبهم في بعض هذه المناطق، وترك هامش للمشايخ ولكن مع بقاء أي تحركات قبلية تحت السيطرة من قِبل الجماعة.

وأدركت الجماعة الحوثية ضرورة إيجاد مظلة سياسية للقبيلة؛ لكي يتم إداراتها بحسب توجهها، ولهذا، قامت بتشكيل مجلس التلاحم الشعبي القبلي؛ ككيان قبلي يرأسه شخصية قبلية من الموالين لها، وأكد رئيسه ضيف الله رسام بأن مجلس التلاحم الشعبي القبلي "جاء لتفعيل دور القبيلة ".

ووسعت الجماعة الحوثية من تأثيرها على الشؤون القبلية من خلال توقيع وثيقة الشرف القبلية لرفد جبهاتها القتالية. ومن ضمن ما نصت عليه وثيقة الشرف القبلية بحسب موقع "المسيرة نت" التابع للجماعة، التالي: إعلان البراءة؛ حيث تعلن قبائل اليمن بأن ذمم القبائل بريئة ووجوههم بيضاء من الداعمين والمشاركين والمحرضين مع ما يسمونه "دول العدوان"، وإنزال العقوبات القانونية بكل من يساند الحكومة الشرعية، والعزل الاجتماعي، حيث نص هذا البند على أن قبائل اليمن أجمعت أن الخونة ]في إشارة للقبائل التي تقف مع الدولة اليمنية الشرعية المدعومة من التحالف العربي[ مدرّعون بالعيب الأسود، وملبسون بالجرم والعار، حتى وإن تمت أية تسوية سياسية، وتلحق به العقوبات المتعارف عليها في الوسط القبلي، ومن ذلك عدم إيواء العائب، ولا يقبلُ العائب في أي تعامل إلا عائب مثلُه."

ولذلك، كان الهدف من تشكيل هذا التكتل القبلي هو ضبط تحركات شيوخ القبائل، ورفد جبهات الجماعة الحوثية بالمقاتلين، تحت ما يُسمى بـ"المجهود الحربي". وهذا المجلس أدى إلى تفكيك القبيلة، وكان واضحًا أن إعلان المجلس من صعدة حمل دلالة سياسية أكثر من كونه تجمع قبلي شعبي، وأن الهدف الحقيقي من إعلانه تأسيس تجمع قبلي يخضع بشكل مباشر لقيادة الجماعة الحوثية، ومن ثم سحب البساط القبلي من يد الشخصيات التي ظلّت تتزعم المشهد القبلي منذ قيام ثورة 26 سبتمبر، والإيحاء للقوى القبلية في حاشد وبكيل بأن مركز الثقل القبلي والسياسي قد تحول إلى صعدة حيث القاعدة العسكرية والسياسية للجماعة الحوثية، وأن على الجميع القبول بذلك. وبعد عام 2014، تم سحب البساط من الاتحادات القبلية، والشيوخ الكبار، وتم ربط القبيلة بالمكتب السياسي للجماعة، وضبط تحركات شيوخ القبائل، ناهيك عن الجهود والمساعي الحثيثة للسيطرة فكريًا وعسكريا على أبناء القبائل.

مؤتمر عقلاء وحكماء اليمن: مؤشر على توجه الحوثيين نحو حوثنة القبيلة

وكان ما أطلق عليه يومها "مؤتمر عقلاء وحكماء اليمن" الذي نصب على رأسه "ضيف الله رسام" مؤشراً واضحاً على توجه الجماعة الحوثية لحوثنة القبيلة. وقبل تشكيل ذلك المؤتمر كانت الجماعة قد عملت على إزاحة المشائخ المعارضين لها. وأصبح المشايخ الجدد هم أداة الجماعة الحوثية لتطويع القبيلة بشتى الوسائل. وعملت الجماعة على تفكيك القبيلة واستبدلتها بولاءات قائمة على أساس أيديولوجي، وهذا هو الخطر الذي ينخر في الوحدة الاجتماعية للقبيلة ويؤثر على بنيتها الداخلية القائمة على وشائج الدم والقرابة والأرض؛ لأن الولاء في قاموس الجماعة الحوثية يعني الخضوع المطلق لزعيم الجماعة باعتباره يمثل الجميع؛ بموجب النظرية الأيديولوجية الخاصة بالحوثيين، وعلى الجميع القبول والتسليم بذلك.

وخلال حكم جماعة الحوثي للمناطق القبلية أصبح دور المشايخ الجدد الذين نصبتهم الجماعة تنفيذ توجيهات المشرف باعتباره ممثل عبد الملك الحوثي. ولهذا، أصبح دورهم الأساسي يتمثل في تحشيد القبائل للجبهات، والدفع بالشباب إلى المخيمات الحوثية الدينية والعسكرية، ونشر فكر الجماعة الحوثية، والسيطرة على شؤون القبيلة وفقاً لمنهجية الجماعة، وتوظيف الأعراف القبلية لتوجه الجماعة. فحينما تريد الجماعة الحوثية تحكيم من أهانتهم تلجأ إلى استخدام الأعراف القبلية، وحينما تتعارض الأعراف القبلية مع توجهها يتم وصف هذه الأعراف بالجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهذه السياسة هي نفس سياسة الإمام، حيث كان يصف الأعراف القبلية بـ"حكم الطاغوت" حينما تتعارض مع توجهه. 

وفي هذا السياق، يجب الإشارة إلى أن "هؤلاء المشرفين لا يحملون أسماء حقيقية؛ بل كُنىً مختلفة مما يعني أنّهم مجهولو الهوية، فهذه التسميات تستخدمها الجماعة لقياداتها؛ كي لا تظهر أسماؤهم الحقيقية للقبائل، ومن ثم تقوم القبائل بأخذ الثأر منهم؛ نتيجة للظلم الذي يُمارس ضدهم من قِبل هؤلاء المشرفين الذين يحمِلون أسماء وهمية، وهم من محافظات مختلفة."

وتجدر الإشارة إلى أن جماعة الحوثي كحركة راديكالية مذهبية شعبوية تجيد تحفيز القبائل على القتال، حيث استخدمت الجماعة كل الوسائل بما في ذلك محاولة إقناع القبائل بأن قتالهم مع الحوثي هو لمواجهة عدو أجنبي، ونصرة لآل البيت، والقبائل لديها حساسية من الأجنبي. 

وبما أن القبائل اليمنية بطبيعتها محافظة دينياً فقد واصل الحوثي جهود الإمام في استغلال العاطفة الدينية لنشر التشيع وإحياء نزعة التعصب للمذهب الزيدي في مناطق استمرت بيئة له ردحاً من الزمن، إلا أن فكرة نشر فكرة ما يمكن تسميته "التشيع المكلف" الذي يستدعي تضحيات بالمال وبالأنفس في سبيل الدفاع عن حق "ال البيت" في الحكم لم تنجح في أوساط القبائل، ولذا لجأت الجماعة لحشد أكبر قدر من الأطفال من أبناء القبائل لغرس فكر الجماعة في عقولهم. 

وبعد أن نالت تلك المناطق خلال العقود الماضية من الجمهور قدراً ضئيلاً من التعليم فقد عملت الجماعة خلال العقد الماضي على تجهيل أبناء القبائل كي تبقيهم ضمن وظيفتهم التاريخية في عصور الإمامة أداة تضرب بهم المناطق الأخرى من اليمن التي تمانع الانصياع لمشروعها. وانتجت هذه السياسية مخزوناً بشرياً هائلاً من غير المتعلمين، وحققت هدفها في خلق جيل لا يعي مفهوم الدولة وأهميتها ويعيش بفقر مدقع، وتصبح الحرب فرصة له للحصول على السلاح والمال. ولذا، يبقى التحدي الأكبر أمام القبائل والدولة بعد انتهاء الصراع في كيفية إعادة تأهيل من تأثر من أبناء القبائل بفكر الجماعة الحوثية وسحبهم من مربع العنف ودمجهم في الحياة الاعتيادية.

الأعياد الدينية وسيلة لتطويع القبيلة

في السابق، كانت بعض القبائل، في منطقة الغولة بمديرية ريدة كمثال، تحتفل بيوم الغدير، حيث كانت الفعالية الأساسية تتمثل في "البرع" عند قبر شمال ريدة. ورغم أن هذه المنطقة كانت تضم نسبة كبيرة من "الأشراف"، إلا أن "الهاشميين" كانوا يعتبرون الأشراف هاشميين من الدرجة الثانية. 

وينتشر الأشراف في الغولة، وخارف، والجوف، والجدعان، ونهم، ومأرب، وحريب، وبيحان. ومع أن هؤلاء يمثلون أعدادًا كبيرة، إلا أن معظمهم ليسوا متعلمين، ويغلب عليهم الطابع البدوي. وحاليا، أحيت الجماعة الحوثية هذه المناسبة بشكل كبير- أي يوم الغدير بالإضافة إلى المناسبات الأخرى مثل المولد النبوي ويوم الشهيد والصرخة، وحولتها من مناسبات تقليدية ذات طابع اجتماعي تمارس فيها الرقصات الشعبية والزوامل إلى مناسبات تعبوية دينية لتعزيز فكرها في أوساط القبائل، كما تعدها أيضاً محطات مهمة لجمع الأموال والجبايات من القبائل.

ختاما، يمكن القول بأن استراتيجية الجماعة الحوثية في علاقتها بالقبائل قائمة على الغلبة والقوة العسكرية مما يجعلها قابلة للإنهيار في أي لحظة. وعلى الرغم من نجاح الجماعة الحوثية في تفريخ القبائل، إلا أن هذه السياسة لا يمكن أن تؤثر على البنية الاجتماعية للقبيلة على المدى الطويل، ولن تنجح في تفكيك القبيلة اليمنية لأن القبيلة قائمة على وشائج القربى والدم والأرض. ولكن، قد تنجح الجماعة الحوثية في غرس أفكارها الأيديولوجية في عقول النشء من أبناء القبائل، مما يجعل بقاء حكم الجماعة الحوثية مهدداً للسلم الأهلي والنسيج المجتمعي نتيجة لفكرها الإقصائي القائم على تسخير كل شيئ لفكرها ومصالحها، إلا أنّه يمكن القول إن هذا التوجه يجعلها غير قابلة للبقاء، لأنّها ليست حركة إصلاحية بل جماعة عقائدية ومصيرها الزوال مثلها مثل الأسر الإمامية السابقة.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص