أهم الأخبار

المواجهات في الشام والرعب في صنعاء.. قراءة في تعاطي جماعة الحوثي مع انهيار نظام الأسد

2024-12-07 الساعة 04:09م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)

شنت جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، هجومًا شديدًا على المعارضة السورية المسلحة، وفقًا لبيان نشرته وكالة سبأ الحوثية، عن تظاهرة نظمتها المليشيا أمس الجمعة.

أدان البيان بشدة الهجمات التي وصفها بـ"الإرهابية" على سوريا، متهمًا "جماعات وتنظيمات إرهابية بمشاركة قوات أجنبية" بتنفيذها. وأضاف البيان أن مقاتلي الثورة السورية ينفذون "مخططات أمريكية وصهيونية لاستهداف وتفكيك محور المقاومة وإشعال الفتنة، وصرف الأنظار عن غزة".

 

منذ 27 نوفمبر الماضي، تشن فصائل الثورة السورية المسلحة عملية باسم "ردع العدوان"، التي كانت تهدف في البداية لإيقاف القصف الجوي والمدفعي على مخيمات النزوح في إدلب. توسعت العملية لاحقًا للسيطرة على حلب وحماة وحمص ومحافظات أخرى، وأدت لانهيار مفاجئ وشامل للنظام السوري والمليشيات الإيرانية. تطرق الثورة الآن أبواب دمشق، مما يضع النظام السوري تحت ضغط هائل.

 

 

يعتبر الحوثيون النظام السوري جزءً من محور إيران بقيادة طهران، الذي يضم الحوثيين والحشد الشعبي الشيعي وحزب الله ومليشيات إيرانية أخرى. الانتصارات السريعة للمعارضة السورية تهدد تماسك هذا المحور وتؤدي إلى إعادة تقييم استراتيجيات الحوثيين.

 

 

ازدواج في الموقف الحوثي

في الأيام الأولى لعملية ردع العدوان تجاهل الحوثيون تماما ما يجري في سوريا، ثم بدأ الحديث تدريجيا في صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع إعلامهم الخاصة، ثم تطورت بعد حسم معركة حلب للحديث عن معارضتها بشكل واضح في صفحات قياداتهم.

على المستوى الرسمي، لم يصدر المكتب السياسي للحوثيين أي بيان يعبر عن موقفهم من انتصارات الثورة السورية على نظام بشار الأسد. مع ذلك، كان هناك موقف حاد من عبدالملك الحوثي الذي شن هجومًا شديدًا على الثورة السورية المسلحة، واتهمها بالإرهاب والعمالة والخيانة. لم يذكر الحوثي النظام السوري أو بشار الأسد بالإسم، لكنه أكد أن المحور ما زال متماسكًا بفضل دعم طهران.

 

في المقابل، تصريحات نصر الدين عامر الذي يشغل موقع رئيس وكالة الأنباء سبأ بنسختها الحوثية، نهاية الشهر الماضي، التي تحدثت عن الوقوف مع النظام السوري، أظهرت تناقضًا واضحًا مع تصريحات عبدالملك الحوثي. بينما كان موقف محمد علي الحوثي على منصة إكس يُعبر عن رأي فردي وغير رسمي، أكد أنه لا يُمثل موقف المليشيا الرسمي.

 

 

الأزمات الداخلية وتداعياتها

بينما كان يتفاجأ الحوثي ومحور إيران عموما بانهيار النظام السوري وجيشه والمليشيات الشيعية فإن عوامل عدة مثل ضعف المرتبات السورية، والفساد الهائل، والقمع الشديد، وعدم إصلاح مؤسسات الدولة، واعتماده كلياً على الحلفاء في مواجهة المعارضة السورية، وتجارة المخدرات ورفض الوساطات الدولية والإقليمية للمضي قدما في إعادة تأهيل سوريا، واعتماد الأسد على الطائفية الشديدة في إحكام القبضة على الأرض السورية، وضعف الدعم من إيران وعدم قدرتها على إنقاذه، وتحييد حزب الله رأس حربة المحور الإيراني، وانشغال روسيا بالأزمة الأوكرانية، فإن كل تلك العوامل تنخر مليشيا الحوثي من الداخل ويواجهها بنفس الطريقة السورية، مع رفض شامل لتقديم أي تنازلات من أجل تقدم في المفاوضات السياسية أو تحويل الهدنة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، كما لا يعترف بالحكومة اليمنية ويعتبر السعودية هي الخصم.

 

 

لماذا الاضطراب الحوثي؟

يتشابه الوضع في اليمن بين الحكومة اليمنية الشرعية وقيادة الحوثي في جوانب واسعة مثل الفساد والفشل في تنمية مؤسسات الدولة وانحدار الدعم الشعبي. لكن الحوثيين يفتقرون إلى دعم القوى الاجتماعية السياسية الحليفة والاعتراف الدولي. يعتمد الحوثيون بشكل كبير على دعم إيران، التي تعاني من ضعف واضح في محور المقاومة بعد هزيمة حزب الله في لبنان والانتصارات السورية الأخيرة.

 

الحوثيون يخشون استفزاز الشعب اليمني من خلال تأييد النظام السوري علنًا، حيث يشعر الشعب اليمني بأن الحوثيين يشنون حملة مضادة لثورته. يتذكر الحوثيون جيدًا الطريقة التي تعاملوا بها مع الاحتجاجات الشعبية في ذكرى 26 سبتمبر الماضي، واجهوها بقمع واسع وخطف آلاف الشباب.

 

 

يشعر الحوثي بتلقي المحور الإيراني ضربة قوية وقاصمة، لا يستطيع فيها ادعاء الانتصار والثبات، مقارنة بمزاعمه عن انتصار حزب الله الأسبوع الماضي. وأكدت عملية انهيار النظام السوري حقيقة مؤلمة ومرة مفادها أن أطراف المحور بقيادة طهران عجزوا عن إنقاذ نظام بشار أمام فصائل الثوار المسلحين في إدلب، رغم الجوار وانتهاء الحرب على حزب الله، ووجود الحشد الشيعي وإيران بجوار سوريا.

وعند مقارنة أوضاع النظام السوري، الذي له كتلة اجتماعية من طائفته العلوية ينحدر منها الجيش، ورفضوا الانشقاق عنه رغم استسلامهم، فإن البعد الجغرافي للحوثيين عن إيران، والموقف الدولي من الحوثيين بسبب هجماتهم البحرية، وشعور إيران بالخيبة جراء تهاوي المنظومة التي بنتها خلال أكثر من عقدين في المنطقة العربية وغيرها من العوامل يجعل الحوثي في أسوأ وضع منذ سنوات خاصة مع مشاهد عودة المهجرين السوريين إلى منازلهم ومدنهم وقراهم حيث تحفز تلك المشاهد ملايين اليمنيين الذين هجرهم الحوثي للاستعداد لخطوة مماثلة.

 

بجانب الدوافع السابقة التي حددت ملامح الازدواج والغموض في الموقف الحوثي على المستوى الإعلامي، فإن الحوثيين يركزون بشكل رئيس على اختراع خصم رئيس يغازلون به قوى إقليمية ودولية متعددة "الإخوان المسلمون".

في 2014 كان الحوثي وحلفاؤه والمستبشرون بقدومه محليا وعربيا وحتى دوليا يزعم أنه سيقضي على حزب الإصلاح ومعاقله وأنه لن يمس بنية الدولة ولا يسعى للسيطرة على اليمن، ولا تهديد دول الخليج. بعد أشهر قليلة نكث كل وعوده وعهوده، وظهر على حقيقته الإجرامية، وعاود الآن مرة أخرى استخدام نفس المبرر، ظنا منه أن يغازل الولايات المتحدة، والاحتلال الإسرائيلي ودول الخليج العربية خاصة السعودية والإمارات، ويترافق هذا الخطاب مع نبرة ناعمة تجاه النظام الرسمي العربي الذين حاربوه على مدى عقود.

عضو المكتب السياسي للحوثيين والحاكم باسمهم في محافظة ذمار محمد البخيتي، قال في تغريدة له، إننا "كنا نتوقع أن تأتي الطعنة من بن سلمان وبن زايد لا من جماعة الإخوان المسلمين بحكم أن حركة حماس امتداد لها".

 

وأضاف البخيتي: "نجحت أمريكا في صهينة الإخوان المسلمين ليس عبر الانتماء المباشر للصهيونية وإنما بتوجيه عدائهم نحو خصومها ابتداءً بالحركات القومية واليسارية وانتهاءً بمحور المقاومة إلى أن تجاوز كرههم لخصومها حد كرههم لها"، مؤكداً أن المطاف انتهى بالإخوان إلى "ود عاطفي للصهيونية، بفعل تأثير عامل الحسد لمحور المقاومة".

 

أما عبدالملك العجري فكان أكثر القيادات الحوثية هجوما على الإصلاح (الحوثيون يستخدمون الإصلاح والإخوان المسلمين) لوصف الحزب، عبر سلسلة من التغريدات، بالوقت نفسه يمارس مغازلة معينة للسعودية والإمارات. وقال العجري إن ثلاثة مواقف ترتبت على طوفان الأقصى عربيا: الأول محور إيران من المليشيات الشيعية العربية، في إشارة إلى هجمات الحوثي البحرية والصاروخية، وهجمات الحشد الشيعي، وهجمات حزب الله قبل الهدنة. والموقف الثاني للنظام الرسمي العربي الذي يتهمونه ويسمونه محور التطبيع وهذا الموقف اختار "خذلان غزة خذلاناً كبيراً لكنهم -رغم ذلك- لم يحاولوا استثمار نتائج العدوان الإسرائيلي"، وأضاف مغازلا المملكة "السعودية حافظت على تفاهماتها مع إيران ولم تستغل الفرصة للانقلاب على الهدنة مع اليمن حتى الآن". لكن الموقف الثالث شن عليه هجوما حادا وسماه موقف الإخوان المسلمين: "لم ينصروا غزة ولكنهم كانوا على عجلة من أمرهم لاستثمار نتائج العدوان الإسرائيلي حتى قبل أن تنتهي المعركة (يعيشون مع الذئب ويبكون مع الراعي) وفي ظنهم -خاب ظنهم- أنهم أذكى من الجميع".

 

وإلى جانب ما يتضمنه الخطاب الإعلامي للحوثين من مغازلة للأطراف الإقليمية فإنه ينم عن طريقة تفكير المليشيا التي لا تخشى المواقف الشعبية المحاكمة أخلاقيا لمواقفها خاصة عندما تتشابه جرائم الحوثي مع جرائم الاحتلال، ولكنهم يخشون من الجهات المنظمة التي لديها قدرة على تنظيم المواقف الشعبية وتحويلها إلى مواقف عملية ووطنية على الأرض.

ونفسياً تسقط قيادة جماعة الحوثي علاقتها بالشعب اليمني على علاقة نظام الأسد بشعبه خاصة أنها تدرك افتقادها إلى المشروعية الشعبية مضافاً إليه افتقادها للإعتراف الخارجي، وبالتالي فإن الجماعة تستبق ذلك بالعمل على محاولة تحييد الدول الإقليمية وبالتحديد السعودية، وخفض تهديداتها تجاهها مقارنة بأشهر سابقة عندما هددت بالمطار مقابل المطار والميناء مقابل الميناء والبنك مقابل البنك، وأكثر من ذلك عندما قال الحوثي لتقع ألف مشكلة وألف أزمة.

يخطو الحوثي على خطى الأسد وإيران: يتجاهل كليا الشعب وغضبه وقدرته على التحرك، ويميل إلى اتهام الخارج بتحريكه، بدلا من العمل على مواجهة أسباب النزاع والاستجابة إلى المتطلبات الشعبية ببناء دولة ديمقراطية تضمن السلام وتؤمن تبادل السلطة وتكافؤ توزيع الثروة.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص