2025-04-26 الساعة 03:50م (يمن سكاي - سلمان الحميدي)
ـ تعد شجرة الغريب واحدة من أقدم وأكبر أشجار العالم من حيث العمر ومساحة المحيط، ولكن لم يقدمها أحد للعالم
ـ تنتمي شجرة الغريب إلى فصيلة حيرت علماء النبات، تدعى "الباوباب"، وموطنها الأول افريقيا
ـ سنة 2005، قاد كيميائي نووي فريقاً من الباحثين لدراسة أكبر أشجار الباوباب المعمرة، حيث استهدف دراسة 60 شجرة بالكربون المشع في افريقيا، أظهر البحث وجود 23 شجرة بعمر استثنائي.
ـ أكبر شجرة من حيث العمر، توجد في جنوب افريقيا، عمرها 1859 سنة، وبداخل تجويفها بار يتسع لـ 15 شخصاً
ـ تتفوق شجرة الغريب على الأشجار المعمرة في العالم، أنها الشجرة الوحيدة المؤرخة بكتاب مات مؤلفه قبل 1055 سنة.
ـ خلال العشرين السنة الماضية، بدأت 13 شجرة معمرة بالانهيار، ما أثار المخاوف في صفوف خبراء البيئة والعلماء
ـ لم يكتشف علماء النبات الأسرار التي تجعل أشجار الباوباب تعيش عمراً طويلاً، كما لم يكتشفوا أسباب الموت المفاجئ لبعض الأشجار
ـ يوجد عدد قليل من الأشجار المعمرة في العالم التي يجري الاهتمام بها وتحويلها إلى معالم ومحميات
ـ قبل 14 سنة فقط، بدأ الاهتمام المحدود لاستنبات وريثات لشجرة الغريب، وحالياً يوجد منها، ثلاث أشجار على الأقل في تعز
ـ من المرجح أن شجرة الغريب وصلت إلى اليمن مع الغزو الحبشي سنة 525 ميلادية، ما يعني أن عمرها 1500 سنة
****
واليمنيون منهمكون في شرور شجرة الحوثي الخبيثة، بدأت شجرة الغريب التي لم تؤذ أحداً؛ بالانهيار المفاجئ والغامض، الاثنين الفائت. تعد الشجرة الموجودة جنوب محافظة تعز اليمنية، واحدة من أقدم الأشجار في العالم من حيث العمر، ومن أكبر الأشجار في العالم من حيث مساحة المحيط. وتتفوق شجرة الغريب على نظيراتها من الأشجار المعمرة في العالم؛ بأنها الكائن النباتي الوحيد المؤرخ بكتابٍ مات مؤلفه قبل أكثر من 1055 سنة.
عاشت شجرة الغريب قروناً محاطة بالأسرار والأسئلة التي لم يحاول أحد البحث عن أجوبة واضحة لها، رغم تفيؤ ظلالها جيلاً بعد جيل، المثير في أمر الشجرة التاريخية، أن لديها في بعض دول العالم، عدد قليل من بنات العم اللواتي يتقاربن معها في العمر ويتقاسمن الأسرار ذاتها: الأسماء الشعبية التي اشتهرت بها، العمر الطويل الذي حير العلماء والباحثين، غموض الانهيار المفاجئ، والأساطير التي تنشأ في صفوف الناس الذين يحلون في ضواحي الشجرة التي حلت قبلهم. أجيال متعاقبة صاروا عظاماً وتراباً، بينما مازالت شجرة الغريب شامخة فوق التراب.
الفرق بين شجرة الغريب في اليمن، وبنات عمها في العالم، أن الدول المحترمة استقطبت الباحثين وخبراء النباتات والشغوفين بالأشجار ومنظمات دعم البيئة والسياح، إلى ظل شجرة معمرة واحدة أو اثنتين، صار لهذا الأشجار تاريخ وتفاصيل ودراسات علمية وأبحاث، وذكريات للعشاق والسياح الذين يأتون لها من أنحاء العالم، تحولت إلى محميات وطنية، ومازال الجدل حول نشأتها الأولى وسر عمرها الطويل قائماً، بينما تعامل اليمنيون، حكومات وزوّاراً، مع شجرة الغريب، كجذع صخم يثير العجب أكثر من إثارة الأسئلة، ولهذا فقد كنا نلتقط لها الصور على الطريق، وفي أكثر لحظات الازدهار والاهتمام الحكومي، شُيدت مجموعة من الغرفة الصغيرة المتلاصقة، لاستقبال الزوار في حوش الشجرة، لتناول القات وتدخين الشيشة، ولم تخرج شجرة الغريب بغير قصيدة أو اثنتين وربما بضعة قصائد للشاعر السوري الراحل سليمان العيسى، وذلك في فترة استقراره في المدينة اليمنية مع زوجته التي كانت تعمل في جامعة تعز.
استندت في هذه المادة على 13 مصدراً، بين صحف ومجلات علمية محكمة وأبحاث ومواقع لمؤسسات إعلامية كبيرة، وكتاب واحد ودراسة علمية اعتمدت على المسح بالكربون المشع لتحديد أعمار الأشجار. خمسة من المصادر عربية، و8 أجنبية، مع أني لا أجيد أي لغة، تحملت مشقة الترجمة بين البرامج والتطبيقات، واطلعت على عشرات الصور للأشجار المعمرة، كي أصل إلى قصة شجرة الغريب، وأتلمس أي هدى لمعرفة الغريب صاحب الشجرة وأسراره.
الاسم الأول
سنة 2014 نشرت الصحيفة التي أعمل فيها نبذة عن شجرة الغريب. شدتني المعلومة المنسوبة للمؤرخ الهمداني الذي عاش قبل أكثر من عشرة قرون، إذ عرج على هذه الشجرة الغريبة وقال بأنها "تدعى الـ "كُلْهُمَه" تظل مائة رجل". أقدم تقرير في الصحافة العربية الرقمية تقريباً حول شجرة الغريب، كان في 2004 ونشر في موقع صحيفة إيلاف السعودية، وقد نسب التقرير المعلومة إلى كتاب الإكليل للهمداني. لم أجدها في الإكليل، كدت أضمر، انتعشت حين ساعدني صديق للوصول إلى المعلومة التاريخية: كانت في كتاب صفة جزيرة العرب وليس في الإكليل، قرأت الهامش الذي كتبه محقق الكتاب، القاضي محمد بن علي الأكوع الحميري لأعرف شيئاً عن الشجرة وقصتها، كل ما وجدته هو توضيح لضبط تشكيل حروف كلمة "كلهمه" ووصف قصير للشجرة التي تنطق "بضم الكاف والهاء وسكون اللام ثم ميم وهاء، وتسميها الأعراب الكهلبة بتقدم الهاء على اللام وإبدال الميم بباء موجدة، وهي شجرة غريبة الشكل عديم النظير ضخمة الجذور والفروع ويشبه لونها جسيم الفيل، وتوجد شجرة واحدة في المعافر قرب ذبحان على المحجة وأخرى في شرعب وتسمى شجرة ابن الغريب".
كيف صارت من كلهمه/كلهما إلى شجرة الغريب؟ لماذا هذا الاسم؟ من هو الغريب صاحب الشجرة؟ وكيف وصلت؟.
في المصادر المفتوحة، قبل 11 سنة، لن تحصل على أكثر مما تحصل عليه الآن: تنتمي الشجرة إلى جنس التبلدي، واسمها العلمي Adansonia digitata. وتوجد أنواع مختلفة بأسماء مختلفة تنتمي لهذا الفصيل الأغرب في العالم، الذي يُعرف أيضاً بين علماء النبات باسم: "باوباب".
بمجرد البحث عن أقدم أشجار الباوباب وأكبرهن عمراً، ستجد التشابه الكبير بينها وبين شجرة الغريب في اليمن، الأشجار القليلة المعمرة تعرف بأسماء شعبية لا باسمها العلمي: شجرة باوباب في جنوب افريقيا: اسمها غلينكو كان بداخلها بار يتسع لـ 15 شخصاً، شجرة باوب في ماميبيا تدعى جروتبوم، شجرة باوب في بوتسوانا اسمها تشابمانز، هذه بعض أشهر الأشجار التي تحظى باهتمام العالم، وفي اليمن شجرة باوب بلا اهتمام كان قبل أكثر من 1000 سنة كلهما/كهلمه وتحول اسمها إلى شجرة الغريب. فكيف حصل ذلك؟.
اللقب:
كنت أبحث عن اسم قريبٍ من الاسم القديم لشجرة الغريب، أو لقب يلمح إلى الجد الأول التي انسلت منه شجرة الغريب وسلالة الكائن صاحبها. لم أتتبع معاني أسماء أشجار الباوباب، إلى أن انتبهت إلى اسم الشجرة التي تزأر.
في جنوب افريقيا، تتواجد حالياً ثاني أكبر شجرة في العالم من حيث المحيط، يطلق السكان عليها، بلغة البانتو فيندا، اسم: Muri Kungulwa ، ومعناه: الشجرة التي تزأر.
لكي أتجاوز سر الاسم من أسرار شجرة الغريب، توقفت عند كلمة:" Kungulwaـ كُنْجُلْوَا".
حين خمنت بأن هذا هو الضبط الصحيح لتشكيل الكلمة: ضم الكاف، وسكون النون وضم الجيم وتسكين اللام وفتح الواو، فرحت حين وجدت أن كنجلوا هي بنفس وزن كلهمة/ كلهما، وبكل تأكيد، فإن هذا قد جعلني أقنع نفسي بأن "كلهمة/ كلهما هو تحوير قديم لكلمة كنجلوا، المثير للدهشة، أن هناك معتقدات شعبية وأساطير حول الشجرة من بينها الوحش الذي يمزق من يقترب من ثمرتها أو زهرتها، من المرجح أن القصة الشعبية في اليمن المسماة جرجوف، قد انسلت من هذا الموضع باستعارة الوحش الذي يزأر، فبعد أن نطق اليمنيون وزن كلمة كنجلوا إلى كلهمه، دون اعتبار لسلامة الأحرف، واستعاروا قصة جرجوف، استثقل الثان اسم كلهمه/ كلهما، فأطلقوا عليها شجرة الغريب، وأطلقوا على وحش القصة الشعبية: أبو كلبة. هكذا أقنعت نفسي، وبقي برأسي فضول: كيف وصلت الشجرة؟
محل الميلاد:
مازال الجدل قائماً حول الموطن الأول الذي ولدت فيه شجرة الباوباب، رغم أن ترجيحات الباحثين تذهب إلى أنها ولدت في تربة إفريقيا.
وبحسب واحدة من الدراسات الحديثة التي نشرتها مجلة نيتشر سنة 2024، رجح الباحثون ظهور أشجار الباوباب قبل 21 مليون سنة، في جزيرة مدغشقر، وشق نوعان طريقهما إلى إفريقيا وأستراليا منذ حوالي 12 مليون سنة. حسب تقرير نشرته cnn فإن هذه الدراسة، تعاونت فيها أربع مؤسسات دولية هي: حدائق ووهان النباتية في الصين والحدائق النباتية الملكية في المملكة المتحدة، وجامعة أنتاناناريفو في مدغشقر، وجامعة كوين ماري في لندن.
لكن المثير للغرابة أن أكبر أشجار الباوباب من حيث العمر أو مساحة المحيط لا توجد في محل الميلاد، إذ يصل محيط أكبر شجرة باوباب في مدغشقر إلى 27.30 مترًا، وهو أصغر من محيط شجرة الغريب الذي يبلغ 32.30 متراً.
تاريخ الميلاد: أكبر الأشجار عمراً حول العالم
يوجد عدد قليل من الأشجار المعمرة في العالم: شجرة توليب توجد في جبل فولوا، بمقاطعة دالارنا في السويد، يقدر عمرها بـ 9550 سنة، وهناك شجرة سرو توجد في تشيلي اسمها الجد الأكبر، عمرها قرابة 5484 سنة، ما دون الشجرتين المختلفتين، لا يمكن لنباتات السرو والتوليب أن يعمر طويلاً، وحدها أشجار الباوباب تحوز على فرادة طول العمر، إذ من الممكن لأي شجرة باوباب تتمتع بحماية بيئية أثناء النمو والبلوغ، أن تعيش لأكثر من 1000 سنة.
ولهذا تحظى أشجار الباوباب المعمرة باهتمام العالم لمعرفة سر بقائها الغامض.
لا يقاس عمر الأشجار الكبيرة بشكلها ومحيط جذعها وإن كان الشكل مدخلاً الاختبار، الأشجار تشبه الكائنات البشرية ـ قد تجد إنساناً طويلاً عريضاً بعمر أصغر من إنسان آخر أكبر منه سناً ولكنه أنحف، لتجاوز هذا الاحتمال، يعتمد الباحثون على إخضاع الشجرة المعمرة لاختبار بالكربون المشع.
سنة 2005، طلب فريق من الباحثين من جامعة بابيش-بولياي الرومانية، بقيادة الكيميائي النووي المهتم بالأشجار المعمرة أدريان باتروت، طلب من السكان الافريقيين تحديد أكبر الأشجار من حيث محيط الجذع وبدأ الفريق بدراسة أكبر 60 شجرة باوباب معمرة موجودة في عدد من الدول الافريقية، وقد وجد الباحثون أن 24 شجرة ذات عمر استثنائي.
طبقاً للبحث، فإن أقدم شجرة باوباب في افريقيا، هي الشجرة المسماة غلينكو، والتي توجد في مقاطعة ليمبوبو بجنوب افريقيا، يبلغ محيط الشجرة قرابة 47 متراً، وهي الشجرة التي كان يقع بداخل تجويفها بار مشهور عالمياً، يتسع لـ 15 شخصاً، وبخلاف التقارير والتخمينات التي تردد بأن عمر الشجرة " يبلغ 6000 سنة، حدد المسح الذي أجراه باتروت، أن عمر الشجرة المعروفة أيضاً باسم "صن لاند": 1835 سنة.
وفق باتروت فإن هذه الشجرة، هي أقدم من شجرة الباوباب المعروفة باسم جروتبوم، والموجودة في ناميبيا، والتي قدر الكربون المشع عمرها بـ 1275 سنة وفق البحث.
هذه التفاصيل المبنية على دراسات علمية بتحديد أعمار الأشجار، مثيرة للدهشة حين تقارنها بالتفاصيل الموجودة حول شجرة الغريب، والتي يجعلها ضمن أكبر وأقدم أشجار الباوباب في العالم، ودون دراسات أو إخضاع للكربون المشع.
يبلغ محيط شجرة الغريب قرابة 32.50 متراً، ولا يفوقها في هذه المساحة غير ثلاث أو أربع أشجار باوباب معمرة فقط. أما عمر شجرة الغريب، وبدون كربون مشع، فهو أكثر من 1000 عام بكثير. ما يؤكد ذلك هو تتبع وفاة مؤلف كتاب صفة جزيرة العرب الذي وصف شجرة الكلهمه/، في هامش المقدمة التي كتبها القاضي محمد بن علي الأكوع الحميري، يرجح الأكوع أن الهمداني عاش إلى سنة 360 للهجرة بالكثير، وهو ما يقابلها بالسنة الميلادية تقريباً: 970، ونحن الآن سنة 2025، أي أن تاريخ الممتد منذ وفاة الهمداني وحتى اليوم قرابة 1055 سنة، مع الحسبان أن الهمداني حين وصف شجرة الغريب الـ "كلهما/كلهمة" بدا من وصفها أنها كانت معمرة في ذلك الوقت فهي "تظل مائة رجل ولا تزال موجودة إلى اليوم" وتعبير "ولاتزال موجودة إلى اليوم"، يوحي بتعجبهم قبل 1055 سنة من ضخامة الشجرة.
تاريخ الاحتضار:
في 13 إبريل 2017، تفاجأ المهتمون والباحثون وعشاق السياحة بخبر انهيار أشهر أشجار الباوباب المعمرة في العالم، وهي شجرة صن لاند، والتي يقع بداخل تجويفها البار، وأعلن موقع حساب الشجرة على فيسبوك: يؤسفنا أن نعلن أن شجرتنا المقلوبة قد سقطت هذا الصباح في الساعة 4 صباحاً.
وألقى أصحاب الحانة اللوم على الأمطار وأقاموا حفلة شواء تكريماً لرحيلها، وبعد عشرة أيام كتبت صحيفة صنداي تايمز تقريراً عن الشجرة التي تصدرت ذات يوم "الصفحة الأولى من صحيفة وول ستريت جورنال، وظهرت في برنامج "ريبلي صدق أو لا تصدق". حالياً، تدخل موقع شجرة البار على فيس بوك وتجد اعتذارا عن إغلاق البار وتأجير المزرعة.
لم يكن هذا الخبر المحير للعلماء هو الخبر الأول عن انهيار أقدم أشجار الباوباب، كانت أشجار معمرة شهيرة قد تعبت من الوقوف وبدأت بإنزال حمولتها من الجذوع: شجرة جروتبوم في ناميبيا، بدأت بالانهيار سنة 2004، وفي 2011 ماتت أقدم شجرة باوباب في زيمبابوي، كانت تدعى بانكي، بينما بدأت شجرة تشابمانز في بوتسوانا بالانهيار سنة 2016.
إجمالاً، انهارت تسع من أقدم 13 شجرة معمرة من أشجار الباوباب، بنات عم شجرة الغريب في العالم، وانهارت جزئياً ست من أكبر أشجار هذه الفصيلة بين عام 2005 وحتى 2021. ويبدو أن انهيار شجرة الغريب في تعز اليمنية، الاثنين الماضي 21 نيسان/إبريل الجاري، يأتي امتدادا لهذا الانهيار الغامض.
أسباب غامضة
إلى الآن، لا يوجد أي سبب واضح حول انهيار أقدم أشجار الباوباب خلال العشرين السنة الأخيرة، وتسود حالة من القلق في صفوف الباحثين وعلماء النباتات، قال باتروت الذي أجرى المسح بالكربون المشع تعليقاً على انهيار تسع من أقدم 13 شجرة باوباب معمرة تضمنها البحث الذي أجراه: «إنه شعور غريب، فهذه أشجار قد تعيش ألفي عام أو أكثر، ونرى أنها تموت واحدة تلو الأخرى خلال حياتنا" وأضاف إن "هذه الأشجار تعاني من ضغوط بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف». وقد اتفقت الخبيرة في علم بيئة السافانا بجامعة ييل كارلا ستافير مع ادريان باتروت وأعربت عن قلقها من انقراض أشجار الباوباب على المدى الطويل.
لكن دراسة نشرتها مجلة نيتشر بلانتس، في 2018، استبعدت تأثر هذه الأشجار بالمناخ، ذلك أن الأبحاث أكدت صمودها في أقسى الظروف المناخية جفافاً وحرارة، وعلقت الكاتبة العلمية إليزابيث بينيسي في تقرير نشر على مجلة سينز الشهيرة للعلوم: أشجار أفريقيا أغرب مما كنا نعتقد - وهي تموت في ظروف غامضة، وأشارت إلى الدراسة المعنونة بـ الباوباب كرمز للمرونة، وفحواها:
أن معدلات نفوق أشجار الباوباب لا تزال منخفضة للغاية، إذ لم تمت، كلياً كما يبدو، سوى شجرة واحدة خلال السنوات السبع عشرة الماضية، بينما بدأت تنمو جذوع جديدة من الأشجار التي انهارت. وبحسب الدراسة فإن أشجار الباوباب المعمرة التي تموت، لا بسبب تغير المناخ وإنما تموت بسبب عوامل أخرى، ومع ذلك لم تبين الدراسة العوامل التي أسفرت عن انهيار هذه الأشجار.
سنة 2021 كشفت الباحثة سارة فنتر، وهي أكاديمية حاصلة على الدكتوراه في علم بيئة أشجار الباوباب، عن: "أربعة أشجار فقط ماتت بالفعل. الأشجار الأخرى انهارت وهذا أمر طبيعي - فهي قادرة على الاستمرار في النمو لمئات السنين" وأضافت بأن الأشجار قد تتغلب على هذا الوضع: "عندما تكون الظروف مواتية - ربما بعد هطول أمطار غزيرة أو عند انخفاض عدد الزوار، كما هو الحال بعد تفشي الجمرة الخبيثة - ستتواصل الأشجار مع بعضها البعض لتخبرها أن الوقت مناسب للنمو. يُعرف هذا باسم التجنيد الدوري.
وقالت فنتر بأنه لا داعي للقلق بشأن الأشجار المعمرة، كبيرة السن. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو غياب جيل الشباب.
في نوفمبر 2024، كشف رينيه دي كليرك، ضمن منشورات فك شيفرة العلوم، عن نمو وبقاء 116 شجرة بالغة في محمية موسينا الطبيعية في جنوب أفريقيا، بين عامي 1998 و2023، لم تمت أي شجرة بالغة على الرغم من موجات الجفاف المتكررة في المنطقة. كما أن العديد من الأشجار التي انهارت سيقانها من قبل أظهرت علامات على إعادة النمو، وهذه مؤشرات مطمئنة حول مستقبل أشجار الباوباب، لكنها لا تعطي إجابات قطعية حول أسباب الانهيار.
وإذا كانت أسباب الانهيار غامضة إلى هذا الحد، يمكن لنا أن نسلخ سبباً من أخطر الأساطير الشعبية على هذه الأشجار: فلا نستبعد أن يكون من يبحث عن الكنوز سبباً في الانهيار، ربما توجد قصة، سر، عصابة واحدة بدأت بالتحرك في مواقع وجود الشجرة، جنوب افريقيا، زامبيا، مدغشقر، اليمن، وربما الكائن الغريب صاحب الشجرة قد عاد ليأخذ كنزه، بعد أن نسى بأي شجرة مجوفة وضعه قبل أكثر من 2000 سنة كما تقول الأسطورة.
الأساطير
تدور الكثير من الأساطير والشائعات والحكايا الشعبية حول الأشجار الضخمة: نشأة الشجرة، الكنز الذي تركه الكائن الغريب لأحفاده في تجويف الشجرة، الأرواح التي تسكن الشجرة وتمنع أي كائن بشري من الاقتراب من الثمرة، تتشابه التفاصيل في المخيال الشعبي بغرابة، بين مجموعات من الناس قد لا يكون بينهما قواسم مشتركة غير الأشجار الخالدة وما تركته من تفاصيل في الثقافة الشعبية!.
في جنوب افريقيا، هناك أسطورة حول شكل أشجار الباوباب، تقول الأسطورة بأن أقدم شجرة كانت مغرورة بحجمها الهائل، فعاقبتها الآلهة باقتلاعها وإعادة زراعتها بشكل مقلوب.
تعد أسطورة الكنز المختبئ في تجاويف الأشجار المعمرة، أخطر الأساطير التي تهدد هذه الأشجار من الباحثين عن الكنوز. من اللافت أن شائعة الكنز المخبوء حاضرة بأي محل حل به الناس ووجدوا الشجرة قبلهم، سواء في اليمن أو في أفريقيا.
واحدة من المعتقدات التي كان يرددها السكان المحيطون بشجرة الغريب في اليمن، أن ثمرة الشجرة تظهر مرة واحدة في السنة، يظهر كائن غريب يقطفها ويمشي، وإذا ما اقترب منها أحد سيجد نفسه ميتاً. في 2004 حكت الحجة نور، لصحيفة إيلاف السعودية: أن هناك رجل صمم في شبابه أن يراقب تلك الثمرة ليعرف من يأخذها، صعد إلى شجرة الغريب، فجاءه كائن أبيض رفسه فسقط الرجل ومات، وبعدها لم يجرؤ احد على التفكير بمراقبة ثمرة شجرة الغريب.
تشبه هذه الشائعة، شائعة أخرى أحاطت بشجرة في ناميبيا إذ يعتقد السكان أن أي شخص يقطف زهور الشجرة ستمزقه الأسود، لأن في الثمرة أرواح.
أعتقد ان هذه شائعة أطلقها الأشخاص الذين يريدون قطف الثمرة، فتطورت مع الزمن وصارت معتقداً أو ظلت حيلة للانفراد بالثمرة.
عندما زرت شجرة الغريب سنة 2021 استفسرت الرجل القائم عليها حول الثمرة، قال بأن الكائن لم يعد يأتي، وأن الثمرة تؤكل، وقال لي معلومة تنبت الأمل والأسف في آن، وهو أن شجرة الغريب صار لديها ثلاث بنات، إحداها بعمر 14 سنوات، واحدة من الثلاث توجد في حوش شجرة الغريب/ الأم. المؤسف: لماذا لم تهتم الجهات المختصة، منذ القرون الأولى، على تكاثر أكثر الأشجار المعمرة صموداً في أصعب الظروف المناخية على الإطلاق.
لغز شجرة الغريب
لم يهتم أحد بشجرة الغريب، ويبحث عن أسرارها ويجيب عن الأسئلة حول نشأتها، مقارنة بنظيراتها من الأشجار المعمرة في العالم، الآن وقد تعبت يمكن تقديم معروف للشجرة من قبل الجهات المعنية في الدولة، بالتواصل مع المهتمين العالميين لاختبار عينة من جذع شجرة الغريب بالكربون المشع. إن الخروج بنتائج تتصادم مع نتائج اختبار الأشجار المعمرة من قبل، كفيل بإحداث ثورة في صفوف خبراء البيئة وقلب الدراسات السابقة، وإن موافقة النتيجة للعمر التقريبي، كفيل بوضع حد لحالة الجدل بشأن دقة تحديد الأعمار بالكربون المشع.
بلا شك، فإن شجرة الغريب من أكبر وأقدم أشجار الباوباب المعمرة في العالم، أعتقد أن مساحة محيطها يضعها في قائمة أكبر خمس أشجار موجودة في العالم، واستناداً لتأريخ الهمداني، فإن عمرها يضعها في قائمة أقدم خمس أشجار باوباب موجودة في العالم..
ولأن شجرة الغريب، أنثى، ومن طبع الإناث الغمغمة عند السؤال عن العمر، فمن المرجح أن يكون عمرها 1500 سنة تماماً، وذلك وفق تحليل بسيط، ربما يبين أيضاً كيف وصلت الشجرة إلى اليمن: إذا كانت أفريقيا هي موطن الباوباب، التي تنتمي إليها شجرة الغريب ـ الشجرة الوحيدة في العالم المؤرخة في كتاب الهمداني ـ فمن المحتمل أن يكون الأحباش قد جلبوا ثمرتها أثناء غزو اليمن سنة 525 ميلادية، إن السنوات الممتدة منذ 525 ميلادية إلى عامنا هذا 2025، هو 1500 سنة كاملة، والسنوات الممتدة بين غزو الأحباش إلى وفاة الهمداني الذي وصف شجرة الغريب هو: 445 سنة. هل يمكن لشجرة باوباب بهذا العمر أن تظل مائة رجل. إذا لم تظل الشجرة اليافعة التي تبلغ من العمر قرابة 14 سنة، والموجودة جوار شجرة الغريب الأم، مائة رجلاً بعد 431 سنة من الآن، أي سنة 2456م المقبلة، فمعنى ذلك أن شجرة الغريب جاءت قبل الأحباش، وإن ثبت أن عمرها 1500 سنة، فإن هذا الاحتمال يفتح باباً للغز آخر: من هو الشخص الذي كان يحمل الثمرة، مستحيل أن يكون عادياً، نظراً لما يحيط بالثمرة من غموض وأسرار. وتلك قصة أخرى تحيلنا إلى التاريخ.
*المصدر اونلاين