2019/03/12
  • جذور الأخطبوط الأمامي ومشروع المصالحة الجمهوري..!
  •  
    رغم الشتات الذي تعيشه البيئة السياسية اليمنية وحالة التيه والصراع المحتدم بين مختلف التيارات الوطنية بكل توجهاتها، إلا أن هناك إجماع شبه كامل بين الفرقاء على فكرتين أساسيتين، الأولى: أهمية مشروع الجمهورية كفكرة محورية وتأسيسية لا جدال عليها ولا اختلاف حول مركزيتها كإطار ناظم لهوية أي نظام سياسي، والفكرة الثانية : خطر الإماميين الجدد. (الحوثيين) على مشروع الجمهورية، بوصفهم حركة سلالية ذات طابع إحيائي تحاول إستعادة مشروع الإمامة بكل الطرق المتاحة. 
     
    في هذا الموضوع سنحاول الحديث عن الفكرتين بالتوازي، مع توضيح سريع لنقاط الإشتباك التأريخي بينهما وجذور العداء الإمامي للجمهورية وخطرها وملابسات صعود النفوذ الإمامي وارتباكات الصف الجمهوري وضرورة استعادة فاعليته، وفرص المصالحة الممكنة بين تياراتيه والنتائج المرجوة من هكذا دعوات. وتجنبًا للإطالة يمكننا حالما توسيع التقرير إضافة حلقة ثالثة لاستكمال الحديث عن بقية العناوين لتتضح الصورة أكثر.
     
    جذور الحقد الإمامي على فكرة الجمهورية 
     
    لعل أخطر فكرة وأكبر عقبة كانت تشكل كابوسًا يعيق التطور الحضاري للشعب اليمني هي فكرة "الإمامة" وأما سبب خطورتها فبسيط ومعروف للجميع وذلك بكونها تصادر حق الشعب في الوصول للحكم وتحصره في سلالة واحدة للأبد. بالمقابل يرى الإمامين أن أخطر فكرة نسفت مشروعهم الإحكتاري للسلطة هي فكرة : الجمهورية تلك التي قوضت حقهم التأريخي المزعوم وأعادت الإعتبار لإرادة الشعب بكونه مصدر السلطة ومالكها، وهي فكرة شكلت ضربة للمشروع الإمامي ومثلت إنجازًا تأريخيًا غير قواعد اللعبة بكاملها ومهد لانتقال حضاري؛ جعل الشعب متناغمًا مع حالة التطور التأريخي للشعوب المتمثل في أسس الحكم وانبثاقه من الإرادة الشعبية وليس حكرًا على فئة بعينها. من هذا المنطلق_ وباختصار شديد_ يكمن العداء التأريخي الإمامي تجاه فكرة الجمهورية. 


     
    محاولات الإماميين العلنية تقويض الجمهورية 
     
    منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 لم تكف محاولات الإماميين استعادة "حقهم المسلوب" في الحكم كما يزعمون، حيث استمرت محاولاتهم العلنية لخمس سنوات تقريبًا، لجأوا فيها لحشد صفوفهم من جديد وإغراء القبائل بالمال وشراء الولاءات وتوزيع السلاح، وخوض مناوشات مسلحة مع الجمهوريين بشكل متقطع سنوات طويلة. ثم بعد شعورهم بالعجز عن استرداد دولة الإمامة بشكلها الكامل وبمسمياتها العلنية، حاولوا الرضوخ لحوار سياسي مع خصومهم الجمهورين. وكان أول لقاء هو ما سُمي ب: "مؤتمر حرض"  في هذا المؤتمر طرح وفد الإماميين فكرة الدولة الإسلامية، وإلغاء مسمى "الجمهورية العربية " وهذا الطلب مثبت في الوثائق التأريخية ويمكن الرجوع إليه، وهو بالطبع مقترح تم رفضه تمامًا من قبل وفد الجمهورية آنذاك؛ لكنه يكشف عداءهم الأصيل مع مشروع الجمهورية وشعورهم الدفين بخطورتها على حلمهم، الأمر الذي جعلهم يلحون بشكل متكرر على إلغاءه. 


    صورة نادرة من حصار السبعين


     
    طبعًا، مرت الأيام وتزايدت قناعة الإماميين بصعوبة استعادة مشروعهم السلالي في الحكم لجانب أن الجمهورية أصبحت حالة راسخة يصعب تجاوزها؛ لكنهم استمروا في حربهم عليها وصولا: لحصار السبعين يومًا عام 67، وهي أخر محاولة ملكية وعلنية للقضاء على الجمهورية؛ لكنها بالطبع فشلت، الأمر الذي اضطروا فيه للخضوع لمصالحة تحت مشروع الجمهورية وهو اضطرار تقاطع مع ظروف إقليمية تأريخية أسهمت في إرباك الجمهورين وقبولهم المضاد بالمصالحة. 
     
    الظرف التأريخي ومصالحة الجمهوريين مع الملكيين 
     
    على الرغم من انتصار الجمهوريين على المحليين وتمكنهن من تثبيت مشروع الجمهورية أكثر، إلا أن الصف الجمهوري تعرض لحالة تشقق وضعف_ جراء نكسة"1967" التي حدثت لمصر ودفعتها لسحب قواتها من اليمن، إضافة لتصاعد الخلاف بينها وبين الجمهوريين_ ما اضطر الجمهوريون لعقد مصالحة مع الملكيين، وقد حدث ذلك برعاية السعودية، حيث تشكل مجلس قيادة برئاسة القاضي : عبدالرحمن الإرياني وشغل "الإمامي العتيد" يحيى المتوكل منصب عضو مجلس الرئاسة و وزيراً للداخلية، وهذا الشخص هو عراب ما يسمى ب"الهاشمية السياسية" والأخطبوط الأول الذي أسهم في تمكين السلالة الإمامية من تغلغلها في مفاصل الدولة على كل المستويات. 
     
    الأخطبوط الإمامي قديم ومتجدد
     
    كان من نتائج المصالحة، استيعاب الهاشميين في أجهزة الدولة ومؤسساتها و منحهم بعض الوزارات الهامة، حيث شكلت المرحلة ما بين ١٩٦٧_ ١٩٧٤ أهم مراحل ترتيب البيت الهاشمي، وفيها تم تأسيس ( التنظيم السري ) أو ما يسمى مجلس حكماء آل البيت الذي شارك في تأسيسه أهم الرموز والقيادات الهاشمية في الداخل والخارج. هذا التنظيم الذي كان بمثابة الإطار الناظم للأخطبوط الإمامي وانطلاقًا من أهدافه واصل الإماميون مشروعهم لنخر الجمهورية من الداخل، وأجادوا التستر حتى أصبح منهجًا لهم حتى يومنًا هذا؛ لتأتي الحركة الحوثية وتواصل استئناف الدور ذاته في إسقاطها الجمهورية وفي نفس الوقت العمل تحت غطاءها. 
     
    فمن المعروف أن الحركة الحوثية الانقلابية بوصفها : الحامل الجديد لمشروع الإمامة لم تجرؤ على إعلان أهدافها الإرتدادية على الجمهورية بشكل صريحة؛ لكن سلوكها العملي يفصح عن مشروعها الكامن في اللاوعي، حيث تسعى لتجسيد مشروعها بشكل ملتوي عبر الإبقاء على شعار الجمهورية كواجهة شكلية وفي نفس الوقت، العمل على إستكمال تفريغ مفهوم الجمهورية كليًا من مضامينه السياسية والإجتماعية، الأمر الذي لم يعد يخفى على أحد وبهذا لم يبق أمام الجمهوريين شيئًا سوى الشروع بتنظيم حالة سياسية جامعة تقوم بمهمة حشد الجهود وتوحيدها للذود عن أعظم منجز تأريخي للأمة اليمنية: مشروع الجمهورية الكبير . 
     
    جمهوريون بلا فعل جمهوري
     
    أمام هذا الواقع الخطير الذي تعيشه الجمهورية ويدركه كل الجمهوريون، إذًا، وكما أسلفنا، يتوجب أن يتشكل حزام جمهوري مضاد لهذه النزوعات الإمامية الخطيرة، وهذه ليست ضرورة طارئة الآن، بل هو ما كان يجب أن يكون منذ البداية؛ لكن وبالرغم من توفر كل شروط التشكل لهذا الحزام السياسي القائم على فكرة الدفاع عن مشروع الجمهورية؛ إلا أنه حتى اللحظة لم نرَ أي "ائتلاف سياسي" ناظم يتجسد عمليًّا كحالة واقعية ويقوم على أرضية موحدة هدفها توحيد الجهود للدفاع عن مشروع الجمهورية، والتصدي لمحاولات "الأماميين الجدد" العبث بالجمهورية وتدميرها بهذا الشكل الفاضح.


    [ الشهيد محمد محمود الزبيري وإلى جواره المشير السلال ]


     
    لا شك أن الجميع يدرك أن ما جرى لمشروع الجمهورية يشكل نكسة تأريخية تلتهم كل مكتسبات النضال اليمني طيلة عقود خلت؛ لكن ظروف وملابسات الإنقلاب التأريخي على الجمهورية تمت في أجواء استقطاب وصراع؛ مكّن الإماميين من تمرير مشروعهم عبر استغلال الشروخات القائمة بين التيارات الوطنية الجمهورية، الأمر الذي أسهم في تحييد بعض التيارات؛ لتمر الخديعة دون أي فعل مقاوم لها، وبالرغم من استيقاظ الجميع بعد أن اكتملت الفضيحة، واتخاذهم مواقف فردية موحدة ضد الإنقلاب الإمامي؛ إلا أنهم (أي النخبة السياسية الجمهورية )ظلوا يمضون للأمام مكبلين بتمزقاتهم الداخلية وعاجزين عن تجاوز شقاقاتهم الصغيرة؛ لصالح المهمة الوطنية الجامعة المتمثلة في تشكيل جبهة تأريخية موحدة للدفاع عن مشروع الجمهورية كونها إطار سياسي شامل لا خلاف عليه ولا مناص منه لمواجهة النكسة التي حلت بنا جميعًا.


    [ القاضي عبدالسلام صبرة مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ]
     


    وفي الحلقة القادمة سيكون حديثنا متمحورًا بشكل مباشر حول فكرة المصالحة الوطنية على قاعدة الجمهورية، ومع أن هذه الحلقة هي التي كان من المفترض أن تتناول الفكرة حسب ما نوهنا في التقرير السابق؛ لكن رأينا ضرورة تمهيد الحديث عن المصالحة الجمهورية بتوضيع الخطر الداعي لذلك، كي تكون الصورة أكثر اكتمالًا ومتسقة مع دوافع هذه الدعوة وسياقها التأريخي الذي يفرضها كضرورة تأريخية لا بدّ منها.
     
    تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط الخبر: http://yemensky.com/news27683.html