2021/10/13
  • جميلة.. قصة مأساة خلفها لغم حوثي جعل الموت أمنية عزيزة
  • لم تكن "جميلة" تدرك حين خرجت من بيتها بمدينة تعز تسوق غنمها ذات صباح إلى المرعى، اسهاما مع زوجها في إعالة أسرتهما وتعليم أبنائهما، أنها ستكون في مهمتها "الراجلة" الأخيرة.. خرجت تمشي، لكنها عادت محمولة على الأكتاف بعدما فقدت كلتا رجليها بلغم زرعته ميليشيا الحوثي انفجر مخلفاً مأساةً بشخص هذه المرأة كحال مئات المنكوبين بوسيلة القتل الحوثية "المُجرّمة" التي تقتل دون تمييز.

    تُعايش "جميلة" (40 عاماً) إعاقتها ، متمسكة بالحياة بدون قدمين منذو أن سرق اللغم قدميها في منتصف عام 2016 هناك في بقالة صغيرة خلف جامعة تعز التقتها المحررة، لتسرد لـ"المصدر أونلاين" تفاصيل المأساة، التي تشترك فيها مع مئات اليمنيين بفعل قاتل يباغتك من موطئ قدمك.

     

    أولى لحظات المأساة..

    تقول جميلة "كنت في طريقي لرعي الغنم في الجبل مثل كل يوم ولا أدري أن هناك ألغاماً مزروعة تحت الأرض.. وفجأة بينما كنت أمشي، "دعست" لغماً دفعني مسافة كبيرة.. وحينها لم أشعر بأي وجع، لكني وجدت نفسي غير قادرة على الوقوف".

    تضيف "كنت أنادي العسكر هناك ليساعدوني ويرفعوني من المكان، ولكن كنت اراهم يبتعدون ولا أدري لماذا؟ ولا أعرف عن شيء اسمه لغم.. وبعد قليل دوخت ولم أحس بنفسي إلا وأنا داخل سيارة، وإلى جواري جنود عسكريين قاموا باسعافي إلى المستشفى"..

    كان التعب قد تملك المرأة، وبدأت تصيح، "رجعوني بيتي أشتي عيالي.. وين غنمي".. إلى لحظتئذٍ؛ لم تكن قد استوعبت بعد، أو أدركت ماذا جرى لها.

    كانت جميلة تسرد حكايتها، وتستعيد لحظاتٍ موجعة، احتفظت بدموعها، محاولةً عدم اظهار أي ضعف، وانها ما تزال تلك المرأة القوية، ولكن عيناها كانت كفيلة بقول ما لا يُقال.

     

    الزوج وخبر المأساة..

    وحين كانت تصمت وتغلبها الذكريات، كان زوجها "إبراهيم" يواصل سرد المأساة كما عايشها هو، وكيف وصله خبر إصابة شريكة حياته "جميلة".

    "كنت جالسا قدام البيت وسمعت صياح الناس مسرعين باتجاهي (يا إبراهيم يا إبراهيم) ليخبروني بما حدث.. وقتها ما حسيت بشي وكنت افكر أنها ربما تكون إصابة خفيفة" قال الزوج الذي كان يغالب المأساة لكأنه يعيشها هو ذاته أيضاً..

    يضيف" ذهبت إلى المستشفى.. فأخبروني أنها تتحضر للعملية، وأن إصابتها خطيرة.. وطلبوا مني التوقيع على ورقة الموافقة على بتر رجليها.. ورغم أني لم اكن مستوعباً ذلك الكلام، ولشدة خوفي عليها وقعت بلا شعور وكان الشي المهم إن جميلة تخرج لي بالسلامة ولم أكن أنتظر شيئاً أكثر من ذلك".

    وبعد ساعات انتظار طويلة، خرج الدكتور حاملاً أرجل "جميلة" وطلب منه أن يذهب لدفنها.. "شعرت بوجع كبير جداً.. ما قدرت أوقف من القهر.. كنت مصدوم من الموقف، واتكلم بلا شعور.. زوجتي خرجت لترعي الغنم لنكسب فلوس نسير بها حالنا وترجع لي بلا أرجل"..

    صدمة..

    دفن ابراهيم رجلي زوجته بيديه "كنت أحس أني كلي أوجاع وكسور لا تجبر.. كان هذا أصعب موقف في حياتي منذ ولادتي وحتى اليوم"..

    عاد إلى المستشفى ليكون إلى جوار زوجته بعد افاقتها من التخدير، محدثاً نفسه أن يكون قوياً ليساعدها على التماسك..

    وبعد أن أفاقت، حاولت جميلة أن تقوم لتنزل من السرير، ولم تكن إلى حينئذ، قد أدركت أن أرجلها مبتورة..

    "وهنا حصلت لها الصدمة وكانت تبكي وأنا ابكي بجانبها واتحسر عليها واتمنى لو أنني منعتها من الخروج ذلك اليوم".

     

    سفرية جميلة التي لم تجد نفعاً

    حصلت جميلة على سفرية إلى تركيا لتتعالج.. وباعت نصيبها من ورث والدها لتلبية احتياجات سفرها وزوجها.. وهناك أمضت نحو 8 أشهر..

    "كان خير اللجنة علينا قليل، وبنفس الوقت احنا ناس مش فاهمين ايش يتكلموا.. كنت امرض واحتاج حبة مهدئ ولا احصل عليها لأنهم ما يصرفوش علاج إلا بوصفة طبية"..

    لم تستطع جميلة التكيف مع الأقدام الصناعية ولم تتوفق فيها كما تقول.. "كان جسمي يسمن أحيانا ويضعف أحياناً وما لقيت حل مناسب.. كان الجلوس في تركيا صعب علينا واحنا ما نعرف نتكيف معاهم ولا نفهم لغتهم.. قررنا نرجع بلادنا وما لقينا من سفرنا أي فائدة".

     

    مواجهة الإعاقة بالقوة والصبر.. والأمل

    تمتلك جميلة أسرة من 6 أفراد (2 أولاد وزوجاتهم و4 بنات) إضافة إلى زوجها.. وبتبرع فاعلي خير تمكنت جميلة من فتح بقالة صغيرة يعيش عليها جميع هؤلاء.. تحصل أحيانا على مساعدات غير منتظمة من فاعلي الخير..

    ورغم ذلك ما يزال الكفاح هو أول ما تقوم به جميلة، المرأة الصبورة، التي لا يهزمها موقف أو ظرف من ظروف الحياة، لتكمل بقية مسيرتها..

    تقول جميلة إنها تتردد على مركز الاطراف الصناعية في مستشفى الثورة لاكمال بقية التقارير والفحوصات على أمل ، علّها تعيد لها حياة سُلبت بلغم حوثي..الحصول على أقدرام مناسبة ولكن بلا جدوى، وتعتقد أنه ينقصها "الفلوس و الوسيط" لمساعدتها في الحصول على أطراف صناعية

    هي تتمنى أن تعود كما كانت أو "حتى بنصف ما كانت عليه

    " أني راضي ولا اجلس كذا بالأرض ولا اقدر أخرج حتى إلى أمام بيتي".

     

    حين يغدو الموت أمنية..

    ورغم مقاومتها الشديدة للإعاقة، إلا أنها لا تخفي حسرتها التي تتذكرها مع كل حركة تتمنى أن تقوم بها..

    تتحدث، فتنسى قوتها، وتتساقط الدموع من عينيها " كنت قوية بما فيه الكفاية، والان ابكي أمام ضعفي.. كنت اخرج وادخل بنعمة.. اروح ارعي الاغنام وارجع البيت اعمل غداء واجهز الأكل لأولادي عشان يوصلوا من مدارسهم والأكل جاهز"..

    "اتمني أن اخرج أمام البيت واجلس مع الناس مثلما كنت زمان اخرج واروح عند الكل.. لكن هذا قدر الله، قدّر وأخذ مني اقدامي وياليت أنه أخذ روحي، فالحياة بلا اقدام تعب.. ورغم مرور سنوات، إلا أني مش قادر اتكيف.. وكل يوم يمر بصعوبة اكثر من الايام السابقة".

    هذه المعاناة، لا تقتصر على جميلة بل يشترك معها آلاف ضحايا الألغام التي تزرعها ميليشيات الحوثي في طريق حياة الناس ومستقبلهم، دونما رحمة أو اعتباره لأبناء اليمن الذين بترت أطرافهم بألغامها بهدف السيطرة والقتل والتنكيل والبطش بممتلكات الناس وأرواحهم..

    "ليتني فقدت حياتي ولا أصبت بلغم وبقيت على قيد الحياة".. أمنية قاسية تختزل وجع الدنيا الذي يعتلج في نفسها ولم تستطع نسيانه أو تجاهله..

    قصة جميلة تحكي صورة من المستقبل الذي تقدمه ميليشيات الحوثي لليمنيين دون تمييز بين مقاتل أو طفل أو راعية غنم، حتى يغدو الموت أمنية أغلى من الحياة.

    ولن يلغي تلك الأمنية إلا أن تجد جميلة من يساعدها على تجاوز إعاقتها، بتركيب أطراف صناعية ملائمة تساعدها على الحركة والحياة مجددا.. وبدونها سيبقى الموت أمنية تراودها كل يوم.

     

     

    تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط الخبر: http://yemensky.com/news36969.html