2022/05/13
  • يخشون الوصول لمرحلة الوجبة الواحدة في اليوم.. السكان في عدن يعانون لتأمين المواد الغذائية الرئيسية وسط ارتفاع الأسعار
  • غادر "أحمد عبدالله حسن" مكتب بريد مديرية الشيخ عثمان شمالي مدينة عدن وفي يده اليمنى مرتبه الشهري، والتصقت بيده الأخرى ورقة مبللة بالعرق، كان مكتوباً فيها قائمة بالمواد الرئيسية التي دونتها زوجته في الورقة، في الوقت الذي تتصاعد فيه أسعار المواد الغذائية الرئيسية رغم التحسن النسبي في سعر العملة المحلية.

    وفي الواقع لا يغطي مرتب حسن الذي يقدر بـ40 ألف ريال يمني ( 45 دولار أمريكي) كلفة المواد التي تنتظرها عائلته المكونة من 7 أفراد، والآن يجاهد الرجل وسط درجة الحرارة المرتفعة في المدينة الساحلية للعودة بربع ما كان مدون في الورقة.

    كان حسن موظفاً في مصنع البسكويت قبل إغلاقه بعد حرب صيف العام 1994، وهو واحد من ضمن الآلاف من المتقاعدين المدنيين والعسكريين الذين يتقاضون أجورا متدنية تتراوح ما بين 30 - 50 ألف ريال رغم خدمتهم الطويلة ودرجاتهم الوظيفية ورتبهم العسكرية المتقدمة.

    صراع على التوفير

    قبض "أحمد حسن" بيديه على مرتبه الشهري وعندما اقترح عليه أحد جيرانه أن يشتريا الراشن (حاجات البيت) معًا من متجر المواد الغذائية في الحي الذي يقطنان فيه، رفض الأول وأشار إلى أنه سيذهب صوب منطقة السيلة وهي مركز رئيسي يحتضن كبرى متاجر المواد الغذائية في عدن أملًا في ان يتحصل على فارق نسبي في السعر.

    كان "حسن" يأمل في أن ينعكس التحسن النسبي لسعر صرف العملة المحلية على أسعار المواد الغذائية الرئيسية مثل الدقيق والأرز والسكر وزيت الطبخ، لكن رياح الأسعار في السوق لم تأت بما يشتهي حسن.

    وعقب إعلان الرئيس السابق "عبدربه منصور هادي" تنحيه عن السلطة ونقل صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي المكون من 8 أعضاء بقيادة رشاد العليمي، شهدت أسواق الصرف تعافيا نسبيًا للريال اليمني.

    وفي جولة خاطفة في متاجر المواد الغذائية بحي السيلة الواقع في مدينة الشيخ عثمان كبرى مديريات العاصمة اليمنية المؤقتة من حيث السكان، تبين إن أسعار الدقيق توقفت عند أرقامها السابقة إبان هبوط سعر العملة المحلية، وفيما بلغ سعر الكيس الدقيق " سنابل" حجم 50 كيلو 40 ألف ريال، بلغ سعر الكيس الدقيق حجم 25 كيلو 20 ألف ريال وقدرت أسعار الدقيق 10 و5 كيلو بـ8 ألف و4 ألف على التوالي بمقدار 800 ريال للكيلو الواحد.

    ووفقاً لمصادر في مكتب التجارة والصناعة وأخرى محلية سعى عدد من تجار المواد الغذائية ووكلاء بيع دقيق السنابل إلى استثمار شهر رمضان وموسم إخراج الزكاة لرفع أسعار الدقيق التي تمثل في الغالب السلعة والمنتج الأكثر طلبًا من قبل المواطنين لإخراج زكاة الفطر، نتيجة لسعره الذي يبدو منخفضًا بالمقارنة مع الأرز والسكر، إلى جانب توفيره للكمية والمال في ظل ارتفاع سعر ( الروتي) بالتوازي مع صغر حجمه.

    وترواحت أسعار الأرز حجم 20 كيلو بسمتي نوعي ( شاهين، المهرجان) بـ30 ألف ريال للأول و29 ألف ريال ومائتين ريال، وتتراوح أسعار باقي أنواع الأرز البسمتي 20 كيلو ما بين 28 ألف ريال إلى 34 ألف ريال، فيما تقدر أسعار الأرز الفيتنامي 20 كيلو بـ20 ألف ريال وتنخفض الأسعار بشكل نسبي وترتفع كذلك بحسب النوع.

    وفي مدينة عدن تلجأ العائلات ذات الكثافة العددية إلى شراء الكيس الدقيق والأرز حجم 20 كيلو في مسعى منها لسد حاجاتها طيلة الشهر الواحد، خصوصا الدقيق الذي يعد وجبة رئيسية تتكرر بشكل يومي مرتين على الأقل في منازل الأسر التي تجد صعوبة في تأمين خبز القوالب "الروتي" بشكل يومي.

    والآن أصبح الأرز البسمتي الذي كان في السابق الأكثر طلبًا من قبل السكان قبل حوالي 5 أعوام، عملة صعبة في مدينة عدن مع ارتفاع أسعاره بشكل تصاعدي إلى الأعلى، وهو ما دفع السكان إلى البحث عن أنواع الأرز الأخرى مثل الفيتنامي والأمريكي اللذان يتوفران بأسعار مناسبة تتفاوت بين 15–17 ألف ريال.

    ويتراوح سعر الكيس السكر حجم 20 كيلو ما بين 20-19 ألف ريال ويباع السكر حجم 10 كيلو بأكثر من 8 ألف ريال، بينما بلغ سعر عبوة زيت الطبخ 4 لتر بـ9 ألف ريال.

    غير ان هذه الأسعار لا تشكل فارقًا مريحا للكثير من متقاعدي الجهاز المدني والعسكري الذين يتقاضون أجورًا متدنية ولا يستلمون مرتباتهم بانتظام رغم درجاتهم الوظيفية ورتبهم العسكرية المتقدمة.

    وأثرت سنوات ما بعد الحرب على المتقاعدين المدنيين بشكل كبير نتيجة ضعف مرتباتهم وعدم تغطيتها لحاجة الأسر التي يعيلونها رغم استمراريتها بسبب هبوط سعر صرف العملة المحلية ووصولها إلى مستويات قياسية وارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية، وبالمقابل تضرر المتقاعدين العسكريين وأفراد المؤسستين العسكرية والأمنية بشكل أكبر، إذ إن آخر مرتب شهري تقاضوه يعود إلى يونيو من العام 2021.

    وعمليًا يساوي مرتب المتقاعد المدني متدني الأجر (30–40 ألف) قيمة كيس دقيق حجم 20 كيلو وكيس رز 5 كيلو وعبوة زيت 3 لتر، ويوازي مرتب المتقاعدين العسكريين والقائمين على العمل ( 50-80 ألف) قيمة كيس دقيق 20 كيلو وكيس رز 20 كيلو، ودبة زيت، لكن عدم انتظام صرف المرتبات وانقطاعها أدخل هؤلاء المتقاعدين والعسكريين في حسابات وديون نتيجة الحاجة لتوفير الطعام لعائلاتهم.

    ويشكل ذوو الدرجات المدنية و الرتب العسكرية الذي يتقاضون رواتبهم بحسب الدرجات والرتب الممنوحة لهم الفئة الأقل تضرراً نسبيًا مقارنة بفئات المتقاعدين المدنيين والعسكريين الذين سرحوا من أعمالهم ولم تشملهم قرارات رفع المرتبات ولم تعالج مشاكلهم رغم خدمتهم وخبراتهم الطويلة.

    وحمل ضابط برتبة عقيد طلب عدم الإفصاح عن أسمه مسمارًا وحفر به الأرض قليلا قبل ان يكتب بذات المسار الرقم (40 ألف) في إشارة إلى إنه يتقاضى هذا المبلغ رغم رتبته العسكرية وخبرته، إضافة إلى عمله السابق مدرسا في الكلية العسكرية بعدن في ثمانينات القرن الماضي.

    ومع أن الضابط السابق يعيش وحيدًا بعد أن توفيت زوجته، في منزل صغير في خورمكسر، إلا أنه قال إن هذا المبلغ يصل إليه بعد ان يتجاوزه هو بما يزيد 20 ألف ريال شهريًا يستدينها من بعض أصدقائه، وفي نظرة سريعة على الأرض يبين هذا كيف أن الأمر سيكون صعبا إذا ما أسقط على العائلات كثيرة العدد.

    غياب الرقابة

    تقول مصادر في مكتب التجارة والصناعة وأخرى محلية تحدثت لـ"المصدر أونلاين" إنهُ من المفترض أن تباع أسعار الدقيق حجم 50 كيلو بـ 38 ألف ريال أو أقل من ذلك تماشيًا مع التحسن المتقدم في أسعار صرف الريال اليمني أمام الدولار الأمريكي والريال السعودي على وجه التحديد، على أن يشمل الخفض باقي أحجام الدقيق، وأصناف المواد الغذائية الأخرى مثل الأرز والسكر وزيت الطبخ.

    غياب التنسيق بين مكتب الصناعة والتجارة في عدن وفروعه في المديريات مع القوات الأمنية لفرض الرقابة على متاجر المواد الغذائية من جهة وتحقيق بعض التجار اختراقاً في حملات الرقابة عبر دفع مبالغ مالية لبعض القادة الأمنيين للتغطية على رفعها للأسعار، أدى إلى فشل إجراءات ضبط أسعار المواد الغذائية الرئيسية.

    وبالفعل قالت مصادر محلية وشهود عيان إن قوات أمنية نفذت قبل أشهر حملات نزول على بعض المتاجر التي رفعت أسعار المواد الغذائية الرئيسية برفقة مندوبين عن مكتب الصناعة والتجارة لكن التجار واصلوا بيع السلع والمنتجات التي بحوزتهم بنفس الأسعار السابقة.

    وانعكس تراجع قيمة العملة المحلية وعدم استقرارها، وتخبط الحركة التجارية، وعمليات التلاعب التي ينفذها سماسرة مصرفيين، وربط أسعار المواد الغذائية بشكل مباشر بأسعار صرف العملات الأجنبية، وعدم التزام التجار بالتعميمات الرسمية الخاصة بالأسعار، على المواد الغذائية التي ترتفع أسعارها نتيجة هذه الأسباب.

    مديرو متاجر لبيع المواد الغذائية قالوا إنهم لا يستطيعون خفض أسعار السلع وفقا للتحسن الأخير، وبحسب هؤلاء الأخيرين فإن خفض الأسعار يتطلب استقرار دائم في سعر صرف العملة المحلية حتى يتمكن التجار من البيع والشراء بأسعار ثابتة دون ان يؤثر هذا بشكل سلبي على نشاطهم التجاري، وعلى المواطنين كما قالوا.

    وقال أحد هؤلاء التجار إنه  "من غير المنطقي أشتري كيس دقيق 20 كيلو بـ20 ألف ريال اليوم وأعود لخفضه غدًا صباحًا ثم أرفع سعره مجددا"، في إشارة إلى عدم ثبات سعر صرف الريال اليمني منذ سنوات.

    وعلى الرغم من كون التجار يضعون عدم استقرار صرف العملة المحلية مبررا للبيع بالأسعار السابقة لكنهم في الوقت نفسه يرفضون خفض الأسعار حتى في فترات تحسن العملة المحلية ويقولون إنهم أشتروا هذه السلع بأسعار غالية ما يضطرهم لبيعها بأسعار مرتفعة.

    وهذه الرواية لا تبقى متماسكة أمام المصادر المحلية وعدد من المواطنين الذين قالوا إن التجار يستخرجون مكاسبهم في الحالتين من المواطنين سواء إذا كانوا اشتروا السلع بأسعار مرتفعة أو منخفضة، فيما أشارت المصادر إلى أن مخازن هؤلاء التجار تفرغ بشكل سريع وهو ما ينفي ما يقال بشأن أن غالبية السلع تم شراءها في فترات ارتفاع أسعار العملات الأجنبية أمام الريال اليمني.

    وتقول المصادر إن التجار يستندون في رفعهم للأسعار على الجبايات التي يدفعونها للنقاط الأمنية في محافظات عدن ولحج وأبين، وإلى أمن ميناء عدن والجمارك عند وصول البضائع إلى جانب قيمة الوقود الذي تستهلكه الشاحنات التي تنقل البضائع التابعة لها.

    وجبة أو وجبتين

    "رواتبنا لا تأتي بانتظام، الديون غطت على قيمة مرتبي لمدة 3 أشهر قادمة، مع النقص في المواد الرئيسية إلى جانب تكاليف الغاز والعلاج يصبح الأمر أكثر تعقيدًا، نضطر في الغالب إلى طباخة وجبتين في اليوم ونأمل أن لا نصل إلى وجبة واحدة"، هكذا تحدث لـ" المصدر أونلاين" علي هيثم سعيد، وهو ضابط متقاعد برتبة نقيب في وزارة الداخلية.

    يضيف سعيد الذي يتقاضى راتبًا زهيدا يقدر بـ40 ألف ريال وهو مبلغ يعادل أكثر من نصف راتب الجندي المستجد حديثًا أن صرف مرتبات أفراد وزارتي الدفاع والداخلية بانتظام مع صرف المرتبات المتأخرة منذ يونيو 2021 يعد معيارًا لنجاح المجلس الرئاسي من عدمه، لكنه قال إن هذه الخطوة يجب أن تسبقها خطوات اقتصادية لإعادة رفد الخزينة العامة للدولة بالإيرادات التي لم تورد إلى البنك المركزي اليمني منذ نقله إلى عدن.

    وتتطلب خطوات تحسين صرف العملة المحلية؛ تمكين الحكومة في الملف الاقتصادي عبر إعادة تصدير النفط وتشغيل منشأة بالحاف الغازية وتشغيل المنشآت النفطية المتوقفة، وتوريد الأموال إلى البنك المركزي مع فرض إجراءات عقابية على الصرافين المخالفين وتتبع الأنشطة غير القانونية وإيقاف عمليات التحويل المخفية بمساندة الأجهزة الأمنية بحسب اقتصاديين ومطلعين.

    وقبل نصف ساعة من رفع آذان المغرب بتوقيت عدن أخذ "أحمد عبدالله حسن" مقعده في مركبة أجرة  (باص هايس) في محطة السيلة للنقل صوب منزله في منطقة الممدارة، وهي كبرى أحياء الشيخ عثمان، وكانت على مقدمة الكرسي الثاني أكياس دقيق وأرز وعبوة زيت وأكياسا بلاستيكية سوداء قال حسن إنها ما استطاع الظفر به وسط موجة الغلاء الكبيرة في عدن.

    تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط الخبر: http://yemensky.com/news38550.html