2023/01/25
  • كيف ساهم إضعاف الحكومة اليمنية في استمرار تدفق الأسلحة الإيرانية إلى اليمن؟
  • لم تتوقف مليشيا الحوثي ومن خلفها النظام الإيراني عن تهريب الأسلحة إلى اليمن، منذ بداية حربها ضد الدولة اليمنية قبل نحو عقدين وخاصة منذ ما بعد ٢٠١٤ وانقلاب المليشيا وتدخل التحالف، وفي المقابل يبدو أن الحكومة الشرعية غير قادرة على التصدي لهذا الخطر الذي أحدث تحوّلاً في معادلة القوّة وأطال عمر الحرب في البلاد.

     

    وتمتلك اليمن شريطاً ساحلياً يلغ طوله حوالي 2200 كيلو متر، ينفتح على البحرين الأحمر والعربي وعلى المحيط الهندي، ما يجعل من مهمة تأمينها أمراً بالغ الصعوبة سيما خلال سنوات الحرب منذ الانقلاب.

    وباستثناء موانئ الحديدة، تقع جميع الحدود والمنافذ اليمنية- البحرية والبرية والجوية- تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وتحت رقابة وإشراف تحالف دعم الشرعية، ومع ذلك تبدو وكأنها ممرات مفتوحة لتدفق الذخائر والأسلحة الفتّاكة، خاصة بعد إضعاف الحكومة اليمنية المركزية منذ العام ٢٠١٧ وخروج منافذ ومحافظات مهمة عن سيطرتها المطلقة لصالح كيانات مسلحة مدعومة من اطراف في التحالف، ما حال دون تقوية مركز أمني موحد تابع لسلطة تحكم كامل الجغرافيا.

     

    غياب الدور الحكومي

    أخفقت الحكومة الشرعية في إعادة بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية وتأهيلها لضبط الأمن والاستقرار ومكافحة الجريمة المنظّمة تدميرها من قبل الحوثي، وبالأخص أجهزة الاستخبارات المركزية و قوات خفر السواحل وأمن الموانئ والمنافذ البرية، والتي تعرّضت جميعها لأضرار بنيوية ومادية جسيمة جراء الانقلاب والحرب الحوثية.

    في نوفمبر 2022، أقر رئيس الوزراء معين عبدالملك، بوجود الضعف في مواجهة تهريب الأسلحة، وبغياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في المناطق المحررة. وذلك خلال لقاء عقده مع قيادة وزارة الداخلية، شدد خلاله على ضرورة مضاعفة جهود مكافحة التهريب، موجهاً بتفعيل "الدور التكاملي بين أجهزة الأمن في المحافظات مع القوات المسلحة في هذا الجانب".

    وأكد على "أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق قوات الأمن، الذين يمثلون إلى جانب إخوتهم في بقية صنوف القوات المسلحة، الدرع الحصين لأمن واستقرار المجتمع"، وفقاً لما نقلته وكالة سبأ.

    يأتي ذلك بعد سبع سنوات مما يمكن تسميته بالغياب عن مواجهة نشاط التهريب الحوثي الإيراني، والرضوخ لحالة الانقسام والضعف التي تعيشها الأجهزة الأمنية والعسكرية في المناطق المحررة، ما مكّن ميليشيا الحوثي من تمرير ما تحتاجه من الأسلحة والمعدات لتقوية موقفها العسكري والسياسي.

    ورغم الإعلان بين الحين والآخر عن اعتراض وضبط شحنات أسلحة، إلا أن الحكومة اليمنية تبدوا وكأنها غير معنية بالأمر بالشكل المطلوب، فلم تسجّل أي موقف للتحقيق في هذه الشحنات، والتعامل مع الدول والشركات والأشخاص الضالعين في إغراق اليمن بالأسلحة الفتّاكة لقتل اليمنيين وتهديد دول الجوار والمصالح الدولية في المنطقة.

    مؤخّراً، أحبطت أجهزة الأمن في منفذ شحن بمحافظة المهرة، الحدودي مع سلطنة عمان، محاولة تهريب شحنة جديدة من مكوّنات الأسلحة تضم 100 محرك طائرة مسيَّرة وأجهزة اتصالات.

    الأجهزة الأمنية في منفذ شحن بالمهرة تضبط شحنة معدات تدخل في صناعة المسيرات كانت في طريقها إلى الحوثيين

    وكالعادة تجاهلت الحكومة الحادثة حتى الان، ولم تقم بأي تحرك لتعزيز الأمن في المنافذ البرية مع سلطة عمان، وأيضاً لم تبادر للتواصل مع الجانب العماني الى مستوى تنسيق الية لإيقاف عمليات تهريب السلاح المستمرة عبر السلطنة، او على الاقل تطلع الرأي العام عن المعلومات الاولية.

    الموقف الحكومي، أثار استغراب اليمنيين، ومنهم نائب رئيس هيئة التشاور والمصالحة، ووزير الخارجية الأسبق عبدالملك المخلافي، الذي قال: 100 محرك طائرة مسيَّرة لجماعة إرهابية محظور تسليحها بقرارات أممية تحت الفصل السابع جرت محاولة تهريبها عبر منفذ بري لليمن.

    وأضاف بحسابه على تويتر: "كم يمكن أن تقتل هذه المسيَّرات من البشر؟ وكمْ ستدمر من الأعيان المدنية؟ وكمْ هُربت مثيلتها على مدى 8 سنوات؟ ألا يستوجب الأمر تحقيقاً دولياً؟".

     

     

    تعدد سلطات

    من أهم أسباب عجز مواجهة تهريب الأسلحة الإيرانية، وفق مراقبين، تعدد السلطات النافذة في المناطق المحررة، رغم مرور نحو عام على إعلان مجلس القيادة الرئاسي مطلع ابريل 2022، والذي يضم كافة القوى الوطنية المناوئة للمليشيا الحوثية المدعومة من إيران.

    وحتى الآن، لم يحدث أي شكل من التنسيق العملياتي بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في مناطق الحكومة الشرعية، خصوصاً في مكافحة تهريب الأسلحة، إذ تعمل وحدات الأمن في كل محافظة بشكل مستقل وبإمكانيات متواضعة.

    هذا هو واقع الاجهزة الامنية سواء في المهرة وحضرموت أو في شبوة وأبين ولحج، وفي العاصمة المؤقتة عدن التي تخضع لنفوذ المجلس الانتقالي، والذي يسعى لانفصال الجنوب، ويتعامل مع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين في صنعاء كما لو كان شأنًا داخليًا لدولة مجاورة.

    ولا يختلف الأمر كثيراً في سواحل المخا والسواحل الجنوبية لمحافظة الحديدة (جنوب غرب)، التي تنتشر فيها قوات المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح، عضو المجلس الرئاسي، ويتبعه أيضاً وحدات من خفر السواحل، وجميعها لا ترتبط بغرفة عمليات موحدة مع القوات الحكومية الأخرى.

    والأمر ذاته، في السواحل الشمالية الغربية لمحافظة حجة غرب اليمن، التي تتواجد فيها قوات المنطقة العسكرية الخامسة، وتعمل هي الأخرى خارج الربط الكامل مع غرفة عمليات وزارة الدفاع.

    ومثلها القوات الأمنية والعسكرية في المحافظات الداخلية، كتعز والضالع ومارب والجوف وصعدة، تعمل كجزر معزولة بلا قيادة موحّدة وسيطرة مركزية وبعيداً عن الرقابة والمتابعة.

    بينما تقوم وزارة الداخلية او الدفاع او الاجهزة الاستخباراتية المركزية بأدوار تنسيقية روتينية لرعاية حالة الشتات القائمة.

     

     

    أداء أمني ضعيف أمام زحف الموت

    غياب الدور الحكومي، وتعدد السلطات التي تتحكّم في أجزاء المناطق المحررة، شكلا مصراعي باب مفتوح لاستمرار تدفّق الأسلحة الإيرانية إلى المليشيا الحوثية طيلة السنوات الماضية.

    وكان تحقيق سابق لـ"المصدر أونلاين" مطلع العام 2022، قد كشف عن ضبط 77 شحنة أسلحة وذخائر وأجهزة ومكونات أسلحة متطوّرة أثناء تهريبها للحوثيين بين يوليو 2015 ويوليو 2021، منها 26 عملية اعتراض قبالة سواحل اليمن، و51 شحنة أثناء تهريبها براً داخل البلاد.

    الموت القادم من إيران.. تحقيق خاص لـ"المصدر أونلاين" يتتبع طرق ومسارات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين

    وتبدو الأرقام متواضعة أمام نشاط التهريب الذي جنّدت له إيران ووكلائها الحوثيين عشرات الشركات وعصابات المافيا الإيرانية الدولية المتمرّسة في التهريب وتجاوز القيود الدولية.

    وتكشف المعلومات أن معظم عمليات الضبط كانت بطرق بدائية ونتاج يقظة امنية للقائمين بالضبط أكثر من كونها عمل منظومة وطنية، ولا يمكن مقارنة حالات الضبط بما تم تهريبه إلى المليشيا بدليل هجماتها الإرهابية المستمرة بالصواريخ والطائرات المسيّرة والزوارق المسيّرة المفخخة خلال السنوات الخمس الأخيرة، خصوصاً وأن هناك مساحات جبلية وصحراوية بعيدة عن التواجد الأمني والعسكري ومنها المناطق المحاذية للحدود السعودية بدءً من المهرة وصولاً إلى الجوف وصعدة، والتي تعد خطاً مفتوحاً لشبكات التهريب الداخلية الحوثية.

    ورغم التحقيقات المتوالية التي كشفت شبكات خطوط التهريب سواء في المناطق الشرقية أو الغربية أو الجنوبية، إلا أنه لم يلحظ أي استجابة حكومية منفردة، او منَسَقة مع التحالف لمواجهة نشاط شبكة التهريب الإيرانية- الحوثية التي تعمل ليلاً ونهاراً لجعل اليمن مخزنًا لأنواع الأسلحة القاتلة.

     

     

    ضعف تدابير التفتيش الدولية

    تخضع اليمن لتدابير الحظر الشامل لاستيراد الأسلحة، بموجب قرارات مجلس الأمن الصادرة بهذا الخصوص، والتي تفرض جزاءات وعقوبات على الدول أو الشركات التي تتورط في تهريب أو تصدير الأسلحة لمليشيا الحوثي.

    وتنفذ هذه التدابير قوات بحرية مشتركة مكونة من 34 دولة، وتتولى تفتيش السفن التجارية القادمة إلى اليمن، لمنع تسرّب الأسلحة والذخائر للحوثيين عملًا بقرار الحظر الأممية.

    ورغم الدور الحاسم المفترض أن تقوم به هذه القوات نيابة عن اليمن والعالم، إلا أن عمليات ضبط شحنات الأسلحة في الطرق البرية داخل اليمن، تكشف حجم ضعف تدابير آلية التفتيش الدولية، فالشحنات المضبوطة كانت قد نجحت في تخطي منافذ التفتيش في المياه الدولية وعبرت إلى شواطئ اليمن بأمن وسلام.

    وهذا ما أكّده أيضاً إعلان البحرية الأمريكية، منتصف ابريل 2022، تشكيل قوة جديدة متعددة الجنسيات من أجل التصدي لتهريب الأسلحة في المياه المحيطة باليمن.

    وأوضح نائب الأميرال براد كوبر قائد الأسطول الأمريكي الخامس- حينها- أن القوة الجديدة ستعمل على ضمان وجود قوة وموقف ردع في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

    وهو الأمر ذاته الذي أكده فريق الخبراء المعني باليمن، في تقريره للعام 2017، فالتحقيقات التي أجراها أكّدت تمكن شبكات التهريب في تجاوز عمليات التفتيش الدولية في المياه الإقليمية، وقال إنها هذه الشبكات لا "تواجه مقاومة في الداخل اليمني".

    وأكد الفريق أن قيام الحوثيين "بنشر القذائف التسيارية القصيرة المدى المعدلة لإطالة مداها، والتي تستخدم تكنولوجيا متقدمة، يدل على أن تدابير التفتيش وإنفاذ القانون المطبقة حالياً تتسم بالضعف في مواجهة الشحنات الجيدة التخطيط التي تحتوي على أسلحة غير متفجرة أو مواد متصلة بالأسلحة".

    وكان الفريق الأممي قد أوصى- في تقريره السنوي للعام 2020- لجنة الجزاءات بزيادة الدعم لجهود بناء قدرات خفر السواحل اليمني، وقوات مراقبة الحدود في اليمن وفي غيرها من دول المنطقة، من أجل تحسين تنفيذ حظر الأسلحة المحدد الأهداف عملاً بالفقرة 14 من القرار 2216 (2015).

    وأمام هذا الضعف الواضح والخطر المتعاظم الذي يفتك باليمنيين ويهدد أمن اليمن ودول الجوار ومصالح العالم، لم تتخذ الحكومة أي تدابير- سواء بمفردها أو بالتنسيق مع التحالف العربي- لمراقبة السواحل والمنافذ البرّية مع سلطنة عُمان التي تعد أكبر منفذ لتهريب السلاح الإيراني.

    كما لم تقم بأي جهد لتعزيز أداء الأجهزة الأمنية وربطها بغرفة عمليات مشتركة، والتنسيق مع دول العالم لمواجهة النشاط الإيراني المستمر في إغراق اليمن بالأسلحة وإطالة أمد الأزمة.

     

     

    أبرز عمليات الضبط خلال 2022:

    7 يوليو 2022: أعلنت البحرية البريطانية ضبط 358 صاروخ أرض– جو، و351 محرك لصواريخ، على متن قوارب تهريب سريعة في المياه الدولية جنوب إيران كانت متجهة للحوثيين.

    12 أغسطس 2022: أعلنت القوات المشتركة في الساحل الغربي تفكيك 7 خلايا متورطة "في تهريب أسلحة من ميناء بندر عباس الإيراني إلى موانئ الحديدة بإشراف الحرس الثوري الإيراني.

    8 نوفمبر 2022: اعترضت البحرية الأمريكية سفينة قبالة سواحل عُمان تحمل 70 طناً من كلورات الأمونيوم المستخدم في صناعة وقود الصواريخ، و100 طن من سماد اليوريا المستخدم في صناعة المتفجّرات.

    15 نوفمبر2022: أعلنت خفر السواحل اليمنية تسلمها أربعة بحارة ضبطتهم البحرية الأمريكية عقب اعتراض سفينة تهريب في خليج عُمان تحمل موادا محظورة من إيران في طريقها للحوثيين.

    19 نوفمبر 2022: أعلنت مصلحة خفر السواحل اليمنية ضبط سفينة تهريب بالقرب من ميناء المخا كانت في طريقها إلى الحوثيين.

    3 ديسمبر 2022: أعلن البحرية الأمريكية اعتراض سفينة صيد في خليج عمان تحمل أكثر من 50 طن من الذخيرة والصمامات والوقود الدافع للصواريخ.

    تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط الخبر: http://yemensky.com/news39866.html