2016-05-16 الساعة 02:34م
يعيش اليمن اليوم أسوأ مراحل حياته السياسية والاجتماعية والأمنية والإدارية. حكومة تعيش في المنفى، أفرادها يزورون اليمن زيارات خاطفة، كأنهم يزورون دولة أجنبية، مرة زيارة عدن وأخرى المكلا في حضرموت، حكومة بلا ميزانية معتمدة، بنود إنفاقها معروفة. البنك المركزي للدولة اليمنية تحت احتلال الباغين على الدولة (صالح والحوثي)، ولا صلاحية لرئيس الدولة الشرعي على البنك ومحتوياته، حروب في كل مدنه وأريافه وسراته. أليس هذا اليمن "التعيس"؟
(2)
تتوزع تعاسةَ اليمن أطرافٌ ثلاثة: يتحمل الأولى الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تهاون، بادئ الأمر، واضطربت قراراته السياسية، وانفرط العقد من يديه، فلم يستطع إدارة معركة استرداد السلطة، ونجح خاطفاها (صالح والحوثي) في تدويخ مندوبي ممثلي الحكومة الشرعية، في جنيف والكويت، تارة بقبول جدول الأعمال المقترح وتراتيبية تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216، الصادر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وما أدراك ما الفصل السابع، إنه إعلان الحرب على من يعترض تنفيذ القرار، وتارة برفض القرار الدولي وجدول الأعمال، والمطالبة بتشكيل حكومة جديدة على أسنة الرماح.
يجري اليوم في الكويت التحايل، والمكر السياسي للدعوة إلى اللجوء إلى مجلس الأمن مرة أخرى، لاستصدار قرارٍ جديد، يعطي للباغين على السلطة الحق في تمكينهم من القول الفصل في شأن مستقبل اليمن، من دون تجريدهم من السلاح وانسحابهم من مؤسسات الدولة والمدن والأرياف وعودة السلطة الشرعية.
الطرف الثاني في تعاسة اليمن هم الداعون إلى الانفصال عن الوحدة اليمنية (الحراك الجنوبي)، وانشغالهم بملاحقة الثنائي، بغية إخراجهم من المحافظات الجنوبية، وإعلان الانفصال عندما يتمكنون من ذلك. غاب عن هؤلاء، في تقدير الكاتب، أن الشعب اليمني، شماله وجنوبه، ثار على النظام السابق (علي عبد الله صالح)، وأسقطة سلمياً، بغية إعادة الحق إلى نصابه، بإقامة دولة يمنية موحدة قوية، تحقق العدالة والمساواه لكل اليمنيين، وتصحيح كل أخطاء النظام السابق وجرائمه بحق الشمال والجنوب. وفيما الحرب ما برحت تدور رحاها في كل البلاد، والمعركة السياسية في الكويت محتدمة، قاد مدير أمن عدن، شلال شايع، المعين من رئيس الدولة الشرعي، ترحيل مئات من المواطنين المقيمين في عدن ومحافظاتها بالقوة والإكراه، ثبت أنهم من أبناء شمال اليمن. يطلب الرئيس هادي من شلال شايع الاجتماع به، لدرس الموقف قبل أن يستفحل أمره، يرفض الأخير ويغادر عدن إلى عاصمة خليجية، بغرض طلب تأييد ما فعل. طلب الرئيس من محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، المعين أيضاً بقرار من الرئيس هادي نفسه، إصدار قرارات تلغي جميع القرارات والإجراءات التي اتخذت بحق أبناء تعز خصوصاً، وغيرها من المدن الشمالية، إلا أنه رفض، بحجة أنه قرار رئاسي سابق بمحاربة الإرهاب والإرهابيين.
الطرف الثالث: دول التحالف لم تستطع حسم الأمر لصالح السلطة الشرعية في زمن محدّد، وهي تملك كل وسائل القوة والقدرة، إلا أنها متباطئة، ويظهر في الأفق، كما تقول وسائل الإعلام الصديقة، أن هناك خلافات بين أطراف التحالف في شأن إدارة العمليات بكل أنواعها، طرف يرى أن حزب الإصلاح عدو يجب كسر ظهره وهزيمته قبل تحقيق النصر على خاطفي الدولة. ويرى طرف آخر أن المعركة مع الحلف الثنائي (صالح والحوثي)، ولا يجب فتح جبهةٍ أخرى مع نصف المجتمع اليمني، أعني أهل السنة. قوة من قوى التحالف راحت تستدعي قوات أميركية لمساعدة قواتها في تحرير حضرموت بذريعة محاربة القاعدة وداعش، واستجابة أميركا لطلب الأخير إرسال قوات خاصة من أكثر من 200 جندي، بحسب وكالات الأنباء العالمية والعربية.
الملاحظ أن الإدارة الأميركية تمارس ضغوطاً رهيبةً على المملكة العربية السعودية، بصفتها قائدة التحالف العربي في اليمن، وهما شركاء في محاربة الإرهاب، لكنها تمتنع عن تزويد الجيش اليمني والحركة الوطنية بأسلحةٍ نوعيةٍ، وتمنع بعض دول التحالف العربي من تزويد الجيش اليمني بالسلاح النوعي، وترفض تزويد قوات التحالف بقوات خاصة، بينما تفعل ذلك في حضرموت.
(3)
كنت، وما برحت، أدعو إلى تكثيف الأعمال العسكرية من التحالف العربي، بهدف تحرير تعز وبقية المحافظات التي ما زالت تحت نفوذ التحالف الثنائي قبل فوات الأوان، وكثرت الضغوط، وتغيرت قواعد اللعبة. خسرنا العراق، وخسرنا سورية بأسباب التردّد والتأني. وأخشى أن نخسر اليمن، ونكون بين فكي الكماشة من الشمال والشرق ومن الجنوب. استخدمت كل أنواع الأسلحة في حربي سورية والعراق، والمجتمع الدولي يشهد بذلك، أكثر من مليون قتيل عراقي، وأكثر من مليوني نازح ولاجئ. وفي سورية أكثر من 400 ألف قتيل وأكثر من 6 ستة ملايين لاجئ، ولم يحرك المجتمع الدولي ساكناً. لا أدعو، هنا، إلى حرب إبادة، وإنما إلى ردع القوى الأخرى بكل قوة.
(4)
نشرت صحيفة لفيغارو الفرنسية قول وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، "تنظيما داعش والقاعدة هما أول أعدائنا في الجزيرة العربية، فهم الإرهاب الحقيقي، أما الحوثيون فهم جيراننا، ونحن نتفاوض معهم في الكويت". إذا صدق هذا القول، فإنه يشكل تحولاً في الموقف السعودي. هكذا يفهم المشتغلون بالسياسة، وهكذا فهم الحوثيون في الكويت، وراحوا يتشدّدون في مواقفهم، وراح الوسيط الدولي يطرح مقترحاتٍ يصعب على الحكومة الشرعية قبولها، أهمها الدعوة إلى تشكيل حكومة يمنية جديدة، وهذا مطلب المنشقين. ومن هنا، ارتفعت معنويات المستشارين الإيرانيين المساندين للحوثي وشركائه.
آخر القول: أميركا والغرب لا يريدون للسعودية أن تحقق أي انتصار، عسكرياً كان أو تنموياً، وعليها أن تصر لتحقيق النصر، وإلا فالعواقب وخيمة.
"العربي الجديد"