2016-06-18 الساعة 04:22م
لا يجب أن تحلوا تناقضاتكم، عليكم التعايش معها.
هكذا هي، عملياً وبإختصار، نصائح الدول المهيمنة في المجتمع الدولي وإملاءاتها على الدول النامية أو بالأحرى السائرة في طريق النمو.
يدرك ممثلو الدول المهيمنة تعذر التعايش مع تلك التناقضات، ويعلمون، يقينا، إستحالة النهوض والتقدم دون حلها، ولهذا - تحديدا - يصرون على إبقائها، للإبقاء على هيمنة دولهم أساسا.
يبدو الغرب، عموما، وكأنه أمتلك الوسيلة التي تجعله في تقدم دائم وتجعل الآخرين في تخلف مستمر. لكنه، مع ذلك، لايستطيع إستخدام وسيلته " السحرية " هذه إلا حيثما يجد قابلية - داخلية/ محلية - لإستخدامها.
لنفسه، يعتمد الغرب ( الغرب بالمعنى الجغراسي " الجغرافي والسياسي" وليس الجفرافي فحسب) ديمقراطية " معيارية " صارمة، تقوم على أساس من معايير الأفضلية - الكفاءة، النزاهة، والإنجاز... - فضلا عن العدالة، المساواة، وتكافؤ الفرص، في إطار تنافسي يستند إلى مبدأ التبادل السلمي للسلطة.
وللآخرين يقترح، يوصي، ويفرض، ديمقراطية أخرى، "تشاركية" و "توافقية" و "تمثيلية، ولكن للجماعات والطوائف وليس للأفراد" وهي ديمقراطية معلبة معدة للتصدير الخارجي وتحاصصية أساسا، هدفها النهائي الحيلولة دون بلوغ الديمقراطية الحقيقية المجسدة لدولة المواطتة، للإبقاء على حيوية التناقضات، وتوظيفها ككابح يحول دون أي تقدم وتطور ونمو، بغية إدامة هيمنته على المجتمعات المستهدفة.
تستطيع أمريكا، بما لديها من وسائل ضغط وإكراه، أن تمنعك من الحكم، أو من المشاركة في الحكم لكنها، ولو معها كل العالم، لا تستطيع أن تجبرك على الحكم أو على المشاركة في حكم لاتريد المشاركة فيه.
فما الذي يدفع المكونات السياسية إلى القبول بمشاركة من انقلب على روح العقد الإجتماعي وأسس العيش المشترك واغتصب الحكم واختطف الدولة ومؤسساتها بالقوة الغاشمة العمياء؟ أهو الخوف أم الطمع أم الإثنين معاً؟!
بمنطق الدين والعلم والقانون والسياسة والأخلاق، لايكافأ المخطئ بخطئه. وليس من شأن مشاركة "الغاصب" سوى مكافأته على فعله الشائن، بتبرير فعله وشرعنته، قبولا بتقاسم المسئولية معه.
إذ هي - أي المشاركة في هذه الحالة - مشاركة في الجرم وليس في الحكم، في الغرم وليس في الغنم، " إذا ما اعتبرنا الغنم تحقيق الغايات الإنسانية الكبرى، وليس مجرد الإنتفاع بشيئ من متاع الدنيا قليل : زائف، زائل، وحقير".
المسألة هي، أن القوة الغاصبة الجرداء عارية، شوهاء، وبشعة، وتحتاج إلى ان تستر عريها تحت عناوين زائفة من الشراكة والتوافق والسلام، فيما أنها ستبقى وحدها المتحكمة بمفاصل السلطة ومفاعيل القرار.
الشراكة، بالمعنى المتداول حاليا، مفهوم مضلل وخادع، يبدو كحق يراد به باطل. ذلك أنه يعني التحاصص بين كيانات فئوية، من شاكلة : أقلية/أغلبية، طائفية/مذهبية، مناطقية/جهوية.
وعلى نحو يبقي الفرز قائما، بحيث يظل المرء معرفا لا بانتمائه الوطني، بل بانتمائه الفئوي، الطائفي المذهبي، والمناطقي الجهوي، ما يحول دون تحقق الإندماج الإجتماعي الوطني، وبالتالي دون تبلور وبروز فكرة "المصلحة العامة" التي تقوم على أساسها الدولة الحديثة، دولة المواطنة وسيادة القانون.
إذ أن التحاصص يبقي المصلحة معرفة، عمليا، بكونها، ليس المصلحة الوطنية العامة، بل بكونها مصلحة الفئة أو الطائفة أو المذهب أو الجهة أو المنطقة، ولو تدثرت بشعارات وطنية زائفة.
بتعبير آخر، مفهوم الشراكة، بهذا المعنى، مفهوم إحلالي يأتي على حساب المفهوم الأصيل، مفهوم "المشاركة السياسية" الذي يعني، ويؤكد، كفالة الحق في المشاركة السياسية، وإدارة الشأن العام، للمواطن، بما هو فرد منتمي للوطن، ككيان عام وجامع، وليس إلى كيانات مادون وطنية. وذلك في إطار دولة مواطنة تكفل العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص لكافة مواطنيها دون تمييز على أي أساس.
لاعذر أمام النخبة السياسية المعنية، فإذا لم يكن بالإمكان إستعادة الدولة ب "الفعل" الآن، فبالإمكان إستعادتها ب " الإمتناع " ولو بعد حين.
أي بعدم قبول التحاصص، وترك الغاصب المتغلب يتحمل مسئوليته، وحيداً، أمام الناس، دون غطاء يشرعن فعله العاري.
لا معنى للشراكة، هنا، إلا في كونها تمثل تقديم مساعدة، لاحقة، في جرم إغتصاب الحكم، ومصادرة الدولة، كفكرة وكمؤسسة، معا.