2016-06-19 الساعة 06:41م
الجميع تقريبًا ينتظر اللحظة التي يُعلن فيها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، رؤية المنظمة الدولية للحل السياسي في اليمن، هذا إن كان لا يزال يمتلك الشجاعة للإقدام على هذه الخطوة.
وهذه الرؤية لن تكون مجرد خارطة طريق يمضي على ضوئها اليمنيون لكي يصلوا إلى الحل، بل هي الحل في شكله النهائي، حيث يجري التخطيط لتجاوز كل التصورات السابقة للحل، بل وحتى المرجعيات، والمشروعيات التي ظلت حاضرة في كل تفاعلات الأزمة اليمنية خلال المرحلة الماضية.
احتاجت الأمم المتحدة ستين يومًا من المشاورات التي لا معنى لها لكي تبدأ الحديث عن رؤية خاصة بها للحل، وعن نيتها فرض هذه الرؤية على أطراف الأزمة اليمنية.
هناك تسريبات رشحت عن مضمون الرؤية الأممية، كشفت عن مقاربتها لمضمون قرار مجلس الأمن رقم 2216، وليس استيعابه بشكل كامل كما كان يطمح وفد الحكومة الشرعية، ما يعني أننا قد نرى التفافاً من نوع ما على هذا القرار، أو محاولة تطويعه ليتوافق مع ما يجري هندسته من حل جديد لأزمة يمنية تتعرض للمزيد من التعقيد بتواطؤ فاضح من قبل بعض الأطراف الدولية والإقليمية.
لقد أثبتت أحداث الفترة الماضية، أن الأمم المتحدة ومن خلفها القوى الغربية لم يكونوا متحمسين بل لا يرغبون أصلاً في تنفيذ القرار الأممي بالقوة، وإلا لما مارسوا كل هذه الضغوط على التحالف العربي الذي تحمل عناء تنفيذه ووفر كل مصادر القوة اللازمة لذلك، ليتضح لاحقاً أن القوى الغربية لا تريد تنفيذ هذا القرار حتى بالوسائل السلمية.
من المتوقع أن تأتي الرؤية الأممية -إن رأت النور- في شكل إطار جديد للحل، لكن الثابت أن هذا الإطار لن يتأسس على مبادئ العدالة الانتقالية، ولن يأخذ بعين الاعتبار آلاف الضحايا الذين سقطوا جراء الحرب التي أشعلها الانقلابيون، بل سيعمل على تصفير عداد المسئولية السياسية والقانونية والأخلاقية عن هذه الحرب، وسيضع الانقلابيين على قدم المساواة والشراكة مع الحكومة ومع الطيف الوطني الواسع الذي يدعمها.
أوثق التسريبات تشير إلى أن مساعي الأمريكيين والأوروبيين تدفع باتجاه استيعاب السلطة الشرعية في إطار سلطة الأمر الواقع التي فرضها الانقلابيون، وليس العكس، وهي أسوأ هزيمة سياسية يمكن أن يتلقاها طرفٌ بيده أن ينتصر بسهولة، وقد كان بالفعل على وشك تحقيق انتصار عسكري كاسح، وهذا الطرف هو الشرعية ومن خلفها التحالف العربي ومعظم مكونات الشعب اليمني.
أكثر المواقف إثارة للإحباط هي تلك التي تصدر عن بعض أطراف التحالف، التي لا تكف عن السعي نحو إنتاج نظام سياسي بلا ملامح في اليمن، رغم صعوبة هذه المهمة.
فالإمارات على سبيل المثال ترى أن اليمن سيكون أفضل بدون التجمع اليمني للإصلاح الذي لا تزال تدعم عمليات سرية لاعتقال أعضائه والتنكيل بهم في المناطق المحررة، ولا يوفر مسؤولوها أية فرصة لتشويه سمعة هذا الحزب ووصمه بالإرهاب ومساواته بتنظيمي القاعدة و"داعش"، واتهامه بـ"الجبن" لأنه لم يسقط في فخ المواجهة المسلحة الأولى مع الحوثيين عندما كانوا يقتحمون صنعاء بدعم من الرئيس والجيش وأطراف إقليمية ودولية.
وربما تشاركت دول التحالف- وإن بمستويات معينة- التصور ذاته بشأن مستقبل النظام السياسي في اليمن الذي يعتقدون أن بالإمكان إنتاجه عبر عملية إعادة تدوير للعصابة التي سيطرت على الحكم في صنعاء، وعبر إقصاء وتهميش المقاومة والقوى السياسية الداعمة لها.
وهنا يجدر التنبيه إلى أن هذا الأمر ليس من السهل تحقيقه، لأن المشروع السياسي للحوثيين غير قابل للترويض عبر عمليات سياسية من نوع مشاورات الكويت، فهو مشروع عقائدي علاقته بالاستيلاء على السلطة استيلاء كاملاً غير منقوص، علاقةٌ وجودية، فالسلطة هي الهدف المُلح والنهائي، بنظر الإمامة الهاشمية للمذهب الزيدي، التي ترى الإمامة، بما هي سلطة دينية وسياسية استحقاقاً إلهياً خالصاً لها من دون الناس، ولهذا اُعتبرت الإمامة أحدَ الأسس الهامة للبنيان العقائدي للمذهب الزيدي الذي يعتنقه الحوثيون.
وفوق هذا وذاك سيظل الخطر الإيراني ماثلاً وحاضراً ومؤثراً بقوة ما دامت أدواته حاضرة بقوة في المشهد السياسي اليمني. وبالحسابات المنطقية، فإن الإصرار على تهميش بل وإقصاء القوى السياسية المناهضة للحوثيين، هو شكل من أشكال العمى السياسي، إن لم يكن ارتهانا لا يمكن الخلاص منه للأجندات الغربية.