أهم الأخبار
د. محمد الرميحي

د. محمد الرميحي

قمة الفرص الضيقة

2016-07-16 الساعة 07:54م

بعد أسبوع من الآن تقريبًا سوف تُعقد القمة العربية في نواكشوط، موريتانيا. تغيير المكان وتأخير موعد القمة الدورية يشي بأن الوضع العربي المتردي (الذي لا أجد له اصطلاحًا يصفه إلا أنه) «حَرِج»، وحرج للغاية. فالحروب الأهلية تأكل ما تبقى من توازن العرب الاستراتيجي، ووضعهم الاقتصادي لم يعد كما كان، ومرشح للتدهور، كما أن تحالفاتهم التقليدية بدأت تهتز من جذورها، فالقمة العربية المقبلة هي قمة محاولة وقف الاستنزاف! فهل هناك قماشة قيادية في كثير من الدول العربية تعي هذا المأزق التاريخي؟ أم أن اللقاءات في القمة سوف تكون روتينية وربما مملة، يحضرها قليل من القادة وكثير من نوابهم؟ يوقعون على توصيات، هم أكثر الناس خبرة بأنها سوف تبقى على الورق فقط؟ المتابع لا يستطيع أن يتفاءل بأن القمة سوف تخرج بحدود دنيا توقف التدهور!

 

التحالفات العالمية تتغير، فهناك الآن ما يمكن أن يُسمى استراتيجيًا «ما بعد مرحلة العراق» ولعل التقرير البريطاني الذي كُتب عنه كثيرًا واستغرق البحث فيه سبع سنوات، لدراسة الملابسات التي واكبت حرب العراق، وكتب في أكثر من مليوني كلمة (تقرير تشيلكوت) إحدى توصياته بين السطور وجوب الفراق في المستقبل بين سياسات الولايات المتحدة وسياسات بريطانيا في الشؤون الدولية، كما حدث كثيرًا في تاريخهما الحديث! ربما لم يحدد تقرير تشيلكوت الطلاق حتى الآن، ولكنه تحذير بالغ الأهمية تدعو إليه المؤسسة السياسية البريطانية بقوة، خصوصًا بعد طلاقها من الاتحاد الأوروبي، الذي يشكل مسارًا جديدًا ومختلفًا لدور بريطانيا في الساحة الدولية.

 

التقرير نفسه أطلق زوبعة ما يمكن أن يُسمى «قَنص الساحرات» في البيئة السياسية البريطانية، كُل يبحث عن كبش فداء للتدهور الاقتصادي والسياسي الذي يواجه بريطانيا، فيعزيه إلى عامل خارجي؛ إما الحرب الخطأ أو الهجرة الأجنبية! ولكن النتيجة فوضى عارمة في الساحة السياسية البريطانية سوف تستمر في حالة اللايقين.

 

الولايات المتحدة تشهد تغيرًا في سياستها يذكّرنا بالتغير الذي حدث بعد حرب فيتنام، فقد كانت تلك الحرب هي الخط الفاصل بين توجه سياسي وآخر مناقض له، وقتها انفتحت الولايات المتحدة، من أجل التوازن مع الاتحاد السوفياتي على الصين الشعبية، وتركت حليفتها الصين الوطنية تلعق جراحها، بل أجبرتها على ترك مقعدها في مجلس الأمن، وتسليمه لورثة ماو تسي تونغ. سياسة ما بعد فيتنام تذكّرنا بسياسة «شرق السويس» التي خرجت بريطانيا بموجبها من الوجود العسكري في كل منطقة شرق السويس، بما فيها منطقة الخليج، التي تحولت إلى حد ما تحت المظلة الأميركية، التي تنحسر أو في طريقها إلى الانحسار اليوم.

 

الولايات المتحدة وبريطانيا تتوجهان إلى ما يمكن أن يسمى بسياسة «ما بعد العراق»، حيث من يقرأ ما يُكتَب من دراسات يقتنع بتشكل تلك الاستراتيجية. في قاع تلك الاستراتيجية (ما بعد العراق) التخلي عن التدخل المباشر في مشكلات المنطقة، والانفتاح على إيران لصون المصالح الأميركية والغربية الاقتصادية. تضخيم المخاوف من «إرهاب الإسلام السنّي» يقع في مسار التمهيد لقبول تلك السياسة لدى الجمهور الغربي، من يقرأ الهجمة على «الإسلام السُني» بأنها مؤقتة أو جزئية أو لا تحمل مضامين غير المعلن عنها، هو مذنب بتهمة السذاجة، فهذا الهجوم الذي يُعمم خطايا القلة المتشددة والشاذة على جمهور الإسلام السني، جزء من استراتيجية الشيطنة في سبيل التخلي عن الوعود ونفض اليد.

 

تضخيم التخويف من الآخر المعادي، وشيطنته، وتعميم هذه الصورة للحصول على تأييد شعبي أو توجه سياسي هي إحدى «قواعد اللعبة السياسية الغربية» أو هي «سُنة العلاقة بين صناديق الانتخاب والمصالح الاقتصادية» من أجل حمل الجمهور على تأييد سياسات بعينها.

 

في تاريخ الديمقراطيات الغربية الحديثة كثير من حملات «التخويف» ليس آخرها ما جاء في تقرير تشيلكوت، بل هي طريقة مُعتمدة ومتعَمدة، خذ مثلاً موقف رئيس الولايات المتحدة إبان الحرب العظمى الثانية، فرانكلين روزفلت، محاولاً تجنيد الرأي العام الأميركي للاشتراك في الحرب العالمية الثانية من أجل مصالح أميركا اقتصادية، يخاطب مواطنيه من خلال الراديو بقوله: «المرتبات وساعات العمل سوف يحددها لكم هتلر، بينما المزارع الأميركي سوف يحصل على دخله من مزرعته بالضبط كما يحدد هتلر»!! ليس أعظم من هذا التضخيم الذي هو لعبة السياسيين الغربيين، غير تضخيم «خطر الإسلام السني» وتضخيم «النواقص في طرق الحكم»، التي يكررها السيد أوباما، هذا التضخيم منتشر اليوم في الفضاء الغربي لشيطنة الجزء الواقف على رجليه من العرب.

 

 كما يتخذ ذريعة لتبرير تغيير التحالفات. تبرز مسارات تغيير التحالفات جلية في قمة حلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي، حيث قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند: روسيا الاتحادية ليست عدوًا، ولا تشكل خطرًا على أوروبا! ولكن التغيير الأكبر في التحالفات واقع في منطقتنا، إذ إن شعوبًا عربية تكاد تباد (سوريا) من قبل قوات دولية (روسيا) بمباركة دول كبرى أو في الحد الأدنى دون أن يحتج أحد! كما يحدث تدخل سافر من قوة إقليمية هي إيران في العراق ولبنان واليمن، دون كثير من الضجيج الدولي ولا حتى «القلق»، بل إن الحروب يمكن أن تنداح بسهولة إلى دول الجوار العربي المتاخمة لمناطق الاضطراب!

 

في هذه المرحلة من التطور الجيوسياسي، وهي مرحلة انسحاب القوى الغربية من المشهد الإقليمي، ومرحلة وقوع كثير من الدول العربية في خانة «الدولة الفاشلة» تصبح المنطقة أكثر قربًا إلى الفوضى الشاملة، كما تنمو جيوب من التطرف تسهل رسم صورة رمادية للعرب، فأوروبا التي تعاني من مشكلاتها الاقتصادية، والولايات المتحدة تنكفئ عن مبادئها المثالية لتعظم مصالحها، يبقى العرب في هذا المرحلة في مكان التصويب عليهم، معرضين لتوسع نفوذ إقليمي مفتوح الشهية، وليس مُعارَضًا من أية قوة، العرب اليوم «ليس لهم إلا أنفسهم»؛ فهل هم قادرون على التوافق على الحد الأدنى في القمة المقبلة؟! المؤسف أن حكومات بعض الدول العربية لا يمنعها الحياء ولا مصالح شعبها من السير وراء أو التخندق خلف إيران، كما أن بعض الدول العربية الأخرى هي في وسط حروب أهلية مستعرة وبالغة القسوة ومنشطرة على نفسها وفاقدة لاستقلالها، هناك القليل من الدول العربية اليوم الذي ظل متماسكًا ويستطيع أن يقدم رؤية معقولة لتشخيص الوضع القائم، ومن ثم رسم خريطة طريق لعبور المنعطف التاريخي الخطر.

 

الوقت ليس وقت مجاملات ولا وقتًا للغة دبلوماسية منغمسة في عدم الوعي بالقضايا المصيرية التي تنتظرنا، من هنا فإن الواجب أن يسعى القادرون من القادة العرب أصحاب القماشة التاريخية، أن يأخذوا الجامعة العربية إلى توافق القادرين والراغبين، لا العودة إلى منطقة «اللاقرار» المزمن، لأنه لا الوقت ولا الظرف يسمحان بذلك.

 

آخر الكلام:

في السياسة حتى تعرف إن كنتَ على خطأ أو صواب في قراراتك، انظر ما يقوله العدو عنها، فإن رحّب بها فتأكد أنها خاطئة!

 

نقلا عن الشرق الاوسط

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص