2016-12-10 الساعة 11:30م
على ما يبدو أن الإرهاب لم يعد مؤخرا فقط عملية عنيفة تضرب هنا أو هناك وفقا لتعريفات الإرهاب القديمة وما يتبادر إلى الأذهان عند سماع هذه الكلمة.
الإرهاب اليوم اتسع بشكل أكبر بحيث بات مهددا لاستقرار الجميع أو الأغلب من الناس، وأصبح الإرهاب بالكلمة والتحريض هو مقدمة للإرهاب بالسلاح ومصادرة إرادة الآخر وحشره في زاوية مظلمة ومنعه من ممارسة حقه في القول وحقه في التفكير بصوت عالي وحتى حقه في إبداء الرأي والتعبير عن موقفه من القضايا العامة أو الخاصة التي يؤثر أو يتأثر بها.
إن كثير من الحسابات -الوهمية منها والمعلومة- هي تتبع مطابخ وإدارات وشبكات استخباراتية أو منظمات هدفها زرع الفتنة والشقاق بين أبناء المجتمع.
إن الجهل المركب الذي تعيشه مجتمعاتنا جراء عقود الاستبداد والصوت الواحد جعلها تسير في اتجاه خطير للغاية وطريق موحش يتمثل في تجريم الآخر وشيطنته عند أول مواجهة وفي أبسط موقف أو تعارض للآراء والقناعات. واليوم لم تعد السوشيال ميديا وسيلة للتواصل الاجتماعي وإنما حواضن للإرهاب والترهيب وأداة لهدم الآخر وتجريمه وبندقية للأحكام المسبقة.
فانعدام ثقافة البحث والتقصي وعدم القدرة على تقبل الآخر وضيق أفق أغلبية مرتادي هذه الحقول التكنولوجية جعل أغلبيتهم ينساقون وراء الحملات المنظمة أو غير المنظمة دون وعي وإدراك لأسبابها ودوافعها وأهدافها، ولا لمن يقف خلفها ويوجهها للنيل من الخصوم سياسيا وفكريا ومجتمعيا أو حتى من أجل البقاء في الصدارة ومحاربة أي شخص من الممكن أن تؤهله قدراته للوصول إلى مركز ما أو موقع وظيفي أو اجتماعي أو حتى لمجرد هدم مشهور على هذه المواقع.
كنت شاهدا على الكثير من هذه الحملات وتابعت الكثير ممن ينساقون ورائها دون وعي وبينة ومنهم يواصل حتى النهاية، وقليل من يعتذر لاحقا أو يحذف ما نشره. فقط لأن فلانا تطرق لهذا الموضوع فالكثير يسير بعده ويكتب ويتفلسف بدون فلسفة وهو لم يعرف كُنه القضية، ولم يطلع عليها لا من قريب ولا من بعيد، كما أنه في أحيانا كثيرة لم يعرف موقف الشخص أو التيار المستهدف ولا يدري عنه شيء.
وكثير من هؤلاء يبهت عند أول مواجهة أو سؤال: هل تعرف هذا الشخص؟ هل تعرف موقفه من هذه القضية؟ هل أنت متأكد أنه قال ذلك؟ هل استفسرت عن الأمر منه أو بحثت؟ هل فكرت بهذا الموضوع هل هو صحيح أو خطأ؟ هل شكيت ولو واحد بالمائة أن هذا الأمر غير صحيح أو أن هذه الحملة مدفوعة بأسباب أخرى وأهداف غير معلومة؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير تكون إجابتها في المعتاد "لا".
إذن لماذا كل هذا التهور، لماذا تقحم نفسك في أمور تتحمل وزرها وتظلم فيها الآخر دون وعي، لماذا تكون مطية للأمراض وتحقق أغراضهم الدنيئة في سحق خصومهم ومخالفيهم ومنافسيهم دون افساح المجال لعقلك! ثم هل أنت عزيزي وعزيزتي عضو وناشط هذه المواقع والبرامج تقبل أن تتحول إلى قذيفة في مدافع الآخرين يصوبونك نحو الأبرياء ويقصفون بك الضعفاء، لماذا تكون جنديا غبيا في معارك الفاسدين أو الجشعين أو الخونة؟!
هناك من تعرضوا للإقصاء من وظائفهم نتاج كلمة عابرة أو مزحة رصدتها العدسات ولم يرحمهم أحد ليتم الحكم عليهم بمغادرة الحياة العامة والعمل العام
إن كثير من الحسابات -الوهمية منها والمعلومة- هي تتبع مطابخ وإدارات وشبكات استخباراتية أو منظمات هدفها زرع الفتنة والشقاق بين أبناء المجتمع وبين التيارات السياسية وبين المذاهب والتوجهات وبين الدول. ستجد الكثير من هذه الحسابات تنشط في مهاجمة منطقة جغرافية معينة متقمصة دور أبناء المنطقة المقابلة.. فلِما تساعدها على عزفها غير الشريف! ولِما تضع خنجرك في يدها لتمزيق مجتمعك! ستجد حسابات أخرى لزرع بذور الفتنة الطائفية والسياسية، فلِما تنساق معها وخلفها وتعرض وطنك للخطر وتدمر نسيجه الاجتماعي ونظامه السياسي.
إن عدم إعمال العقل والتفكير الإيجابي والقبول بالآخر قنابل موقوتة أشد خطر من تلك القنابل التي يوقتها الإرهابيون في الأسواق ودور العبادة والشوارع العامة. إن ما تحصده اليوم وسائل التواصل الاجتماعي من أرواح الآخرين أكثر مما تحصده الحوادث الإرهابية والمرورية والحروب من الأجساد ولا مبالغة في ذلك.
فكم من أشخاص قطعوا صلتهم بالحياة وقضايا الناس بسبب ما طالهم من إرهاب فكري، وكم من أحزاب وتيارات تعرضت للضيم والاقصاء وكانت هذه الحملات سببا لسحقها وسحلها وإراقة دمائها في الشوارع بسبب القطيع الذي خونها وسلب منها وطنيتها واتهمها بكل ما ليس بها والشواهد كثيرة حولنا داخليا واقليميا ودوليا!
لم يعد الكثيرين اليوم بمقدورهم التعبير عن مواقفهم صراحة وإن كانت صائبة خشية مثل هذه الحملات، فيما آخرين تعرضوا للإقصاء من وظائفهم نتاج كلمة عابرة أو مزحة رصدتها العدسات ولم يرحمهم أحد ليتم الحكم عليهم بمغادرة الحياة العامة والعمل العام. اليوم نحتاج إلى مراجعات شاملة لمواقفنا وكتاباتنا وقبل ذلك نحتاج إلى أن نوسع عقلنا وأن نستوعب الرأي الآخر من أجل أن ننجوا جميعا.
*نقلاً عن مدونات الجزيرة