2017-03-22 الساعة 07:08م
مرت علينا قبل أيام ذكرى "جمعة الكرامة" التي لم تندمل جراحها بعد، لقد أعادت إلينا هذه الذكرى كثيراً من الذكريات والمشاهد والمواقف التي خلدتها الأيام ودوّنها التاريخ في سِفر نضالات اليمنيين ورجالاته الأوفياء، ففي يوم الحادي والعشرين من مارس وعلى خلفية مجزرة الكرامة أعلن الفريق علي محسن الأحمر انضمامه للثورة وتأييده لمطالب شبابها حيث مثّل ذلك الموقف منعطفاً جديداً في تاريخ الثورة من حيث توافر الحامي القوي للحراك السلمي ما دفع بأهداف الثورة نحو النجاز والذي تحقق منها الهدف الأول المتمثل في (إسقاط النظام) بينما تعثّر الهدف الثاني (بناء يمن جديد) والذي ما زال رجالات اليمن وشباب الثورة وكل أنصار الجمهورية ينحتونه اليوم على الصخر في جبال نهم والجوف والبيضاء، ويخطّونه على رمال ميدي والبقع، وسواحل اليمن في شماله وجنوبه، لتزهر تلك الدماء والتضحيات بإذن الله ربيعاً من ورود الحرية والكرامة والعدالة والتنمية.
لكنني أجد نفسي بدافع من ضمير وقد وقفت على مآثر العظماء وتضحيات الشجعان أن أعود للوراء قليلاً للوقوف على جملة من الأحداث لم يكن ليصل حلم التغيير وفكرة بناء الدولة العادلة إلى الحراك السلمي والشعبي في 2011م لولا وجود عدد منها كمقدمات ومهيئات موضوعية انبرى لها الشجعان الأوفياء من ذوي السبق في التضحية والإقدام والذي حاولت ماكنة الفساد والاستبداد تشويه أدوارهم حنقاً وحقداً لدورهم في تدوير العجلة من خلال شجاعتهم وصراحتهم في زمن الإحجام والمجاملة، ولعل من أوائل أولئك الشجعان الأوفياء الشيخ حميد الأحمر الذي حذر من على قناة الجزيرة في أشجع خطاب تاريخي حتى تلك اللحظة من ثورة الجياع والدعوة الصريحة لمحاكمة عفاش محاكمة عسكرية بتهمة الخيانة العظمى..!
وقبل الاستطراد في تتبّع تلك الأدوار والمواقف ودراسة تأثيراتها النفسية على الوعي الجمعي للشعب وانعكاساتها على الحراك السلمي دعوني أشير إلى أن كثيراً من شباب الثورة ورجال المقاومة ومعظم الوطنيين الأوفياء من مختلف التيارات والمكونات قد أصابهم كيد المستبدين أعداء التغيير الذين حرصوا على توظيف إمكاناتهم المادية والبشرية والإعلامية في رسم صورة مشوهة عن رموز اليمن ورعاة تطلعات أبنائه نحو دولة العدالة والديمقراطية، حيث أصبح كثير من ضحايا ذلك الكيد رغم صلاحهم وإصلاحهم يشعرون بالخجل من كتابة الحقيقة عن رموز التغيير وقاداته ويتحرجون من ذكر مناقب أولئك الرموز تحت دعاوى عدم تقديس الأفراد حيناً وعبر مغالطات شتى في أحايين أخرى، بل بعضهم انطلت عليهم الخدعة وراحوا يتذكرون بعض النقاط السوداء عن الرموز الوطنية ويتناسون كامل الثوب الأبيض التي وقعت عليه تلك البقعة الصغيرة، وهم بإحجامهم عن كتابة وتدوين الحقائق يدفنون تاريخاً يجب أن يوثّق للأجيال القادمة، بل ويحققون للأعداء هدفاً رسموه في التقليل من ذكر تضحيات ومواقف الشرفاء من أبناء اليمن على حساب خطاب الزيف والتضليل والتطبيل لرموز الكهنوت والاستبداد والظلم دون حرج أو حياء.
يكفي الشيخ حميد الأحمر مزية لا يتجاهلها إلا حاقد أو أعمى البصيرة وهي شهادة تكفيه عما سواها فمتى ما رأيتم رمح عفاش ورمح الحوثي قد اجتمع على شخص فاعلموا أنه شريف وطني لأن أحد الرماح يدافع عن استبداده والآخر يدافع عن كهنوته.
إنه وبمجرد الكتابة عن الشيخ حميد الأحمر فإن مستوى الحنق والغيض يرتفع لدى تحالف الاستبداد والكهنوت وأذيالهم الحمقى من أنصاف الكتاب وأرباع الصحفيين وأعشار المثقفين وكفى بها من غاية، لأن أدوار الشيخ حميد الأحمر كفاعل سياسي بالإضافة إلى مجموع رموز التغيير وقياداته وعلى رأسهم قيادة التجمع اليمني للإصلاح أصعب من أن يغطيها غربال مثقوب، وبغضّ النظر عن التاريخ النضالي لأسرة آل الأحمر وتضحياتهم مع ثورة سبتمبر والنظام الجمهوري فإن الشيخ حميد وهو الذي كان بوسعه العيش في بحبوحة من الامتيازات السياسية والتجارية وفي سعة من التسهيلات الرسمية كان أول صوت هادر ارتفع في وجه المستبد عفاش وحذر من ثورة شعبية، ودعا لمحاكمة صالح بتهمة الخيانة العظمى، وعرى عور عفاش وأبدى عواره، كما أنه تولى أمانة أول مؤتمر حوار وطني جمع أطياف المجتمع ومكوناته في إطار وطني جامع لكل المخلصين والشرفاء من أبناء اليمن في شماله وجنوبه وكان ذلك خياراً وطنياً في مواجهة مشاريع التوريث والاستبداد والتلاعب بالقوانين وبالانتخابات وبالديمقراطية وتوظيفها لخدمة الاستبداد، لقد شعر صالح بأن البساط بدأ يُسحب من تحت قدميه فعلياً وهو يرى قيادات المجتمع ورموزه الوطنية تتداعى إلى قاعة أبوللو في ملتقيات التشاور وتجمعات النضال السلمي.
لقد مثلت تلك والتصريحات والفعاليات والأحداث حاضناً من الوعي والإدراك لدى جماهير اليمن بحقوقهم السياسية والاجتماعية والتي تفجرت في 2011م ثورة شعبية عارمة أقضّت مضاجع الظلمة والمستبدين، ومثلما كان الشيخ حميد وفياً لتطلعات الشعب قبل الثورة كان وفياً لنضالاته أثناء الثورة بوجاهته وعلاقاته وأمواله
قد يقول قائل: لقد كان للرجل طموح سياسي في حكم اليمن..! وكأن الطموح السياسي حكراً على عفاش وفاسديه ومعيب على من سواهم.. ما لكم كيف تحكمون؟! وبرغم هذا فإن أصحاب هذا الرأي يتعامون عن جملة من الوقائع والتصريحات التي ظل الرجل يصرح بها منذ أيام الثورة بأنه لن يقبل بتولي منصب رسمي، كما صرح الشيخ صادق الأحمر في أوج الثورة بأنه يتعهد بأنه لن يتولى اي منصب رسمي لا هو ولا أحداً من اخوانه، فأي إجحاف في التقييم والتوصيف تهذي به بعض الألسن وتلوكه بعض الأقلام بحق هذه الأسرة؟
وقد يقول آخر: بأنه لن يتولي منصب رسمي لكنه يطمح للحكم من وراء الستار!! وأصحاب هذا القول هم المصابون بمرض فوبيا آل الأحمر الذي يحملونه نيابة عن عفاش وزبانيته والذين استطاعوا أن يوصلوا شبابنا إلى قناعة بأن مجرد التفكير في الحكم أو المشاركة فيه من قبل الرموز الوطنية جريمة وطنية، لأن شؤون الحكم محصورة دينياً في البطنيين ومحصورة مرحلياً في أسرة عفاش ومقربيه، وهي نفس "التهمة"/ المسخرة التي كانت توجه لحزب الإصلاح وللجماعات الدينية السياسية بأنها تسعى للوصول للحكم، لكن بينما تجاوز التاريخ هذا المنطق الأهوج ما زال بعضنا يحمل هذه السذاجة، ويا للعجب كم نحن بحاجة لبرامج إعادة الثقة في أنفسنا وفي قياداتنا ورموزنا الوطنية حتى نجهر بكلمة الحق وتقرير الحقيقة وإغاضة الأعداء وتفتيت مؤامراتهم وإبطال سحرهم؛ وإنني أنتهزها فرصة لأدعو الشيخ حميد وكافة الرموز الوطنية بأن تبادر للاضطلاع بأدوارها الوطنية من خلال العمل الرسمي والعمل العام للإسهام في معركة استعادة الدولة وبنائها على مستوى طموحات وتطلعات شباب اليمن، وليخسأ الحاقدون..