2017-05-16 الساعة 02:25م
لم تكف اليمنيين الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في مختلف مناطقهم منذ أكثر من عامين، فدخلت عليهم خلال الأسابيع القليلة الماضية حرباً أخرى صارت تفتك بهم مع مرور كل يوم.
إنها الكوليرا، الوباء القاتل الذي يحصد كل يوم المئات من الناس من دون تمييز لجنس أو لسن، فالأطفال وكبار السن، نساء ورجال يموتون جراء تفشي الوباء، وخاصة في العاصمة صنعاء، لدرجة أنه تم إعلان المدينة عاصمة منكوبة بالوباء، بعد أن وجدت «سلطات الأمر الواقع» صعوبة في السيطرة عليه، وراحت تزيد من معاناة المواطنين بانقطاع الخدمات الصحية التي كانت تتوفر في فترات سابقة، وإن بحدودها الدنيا، وسخرت الإمكانات الشحيحة التي تبسط يدها عليها لجبهات القتال المفتوحة في كل مدينة.
أقامت منظمة الصحة العالمية بالتنسيق مع سلطات الأمر الواقع في صنعاء خياماً لاستقبال الحالات المتزايدة جراء الإصابة بالوباء، بعد أن اكتظت المستشفيات والمراكز الصحية بالمرضى، حيث وجد الناس صعوبة في توفير الأدوية، خصوصاً في ظل انعدام الرواتب عن موظفي الدولة لفترة تزيد على ثمانية أشهر.
ولم يقتصر الخطر الناجم عن تفشي الوباء على العاصمة صنعاء، بل امتد ليسجل بعض الحالات في محافظات ومدن عدة، من بينها مدينة عدن، ساهم في ذلك غياب الكثير من الخدمات عن السكان، حيث تتراكم النفايات في الشوارع، بسبب إضراب عمال النظافة عن العمل لعدم صرف رواتبهم، ما استدعى ناشطين سياسيين إلى تنفيذ حملة نظافة شملت مناطق ومدناً مختلفة من البلاد.
في الحروب التقليدية، حيث يتواجه المسلحون وجهاً لوجه، وتستخدم مختلف أنواع الأسلحة، يموت أبرياء لا ذنب لهم، وفي حروب الأوبئة يسقط أضعافهم ضحايا ضعف الخدمات وانهيار المؤسسات الاقتصادية، ومنها الصحية.
الخوف الأكبر اليوم أن هناك انهياراً شاملاً للدولة في اليمن، فأبسط مظاهر الدولة لم تعد موجودة، وهناك مخاوف أن ينهار النظام الصحي بالكامل وتصبح القدرة على المساعدة في إنقاذ الضحايا متأخرة، وقد أطلقت المنظمات الصحية التابعة للأمم المتحدة نداءات استغاثة لإنقاذ الأرواح في البلاد من الفناء، ورأت أن التأخير في التحرك لانتشال الأوضاع المتردية في مختلف مناطق اليمن سيتسبب في كوارث عدة.
يحدث هذا فيما لا تزال أيادي المتحاربين على الزناد، فالحروب تتسع بشكل مخيف في كل مكان في البلاد، وتجنيد الأطفال والزج بهم في المعارك يسير على قدم وساق، والأوضاع تتجه إلى مزيد من التعقيد، والمتاح اليوم لن يكون متاحاً غداً، وعدم الإسراع في نجدة الناس سيدخلهم في دوامة جديدة يصبح فيه الوضع خارجاً عن السيطرة.
السياسيون مطالبون بالعودة عن المقامرة التي هم عليها اليوم، من خلال الإصرار على مواصلة الحرب العبثية التي تدور رحاها في كل مكان، والكف عن تدمير ما تبقى من هياكل الدولة الضعيفة أصلاً، والالتفات إلى معاناة الناس التي تتزايد مع مرور كل يوم، فالحرب لم تعد بالأسلحة فقط، بل اتسعت رقعتها لتشمل كل مناحي الحياة، ولن يدفع ثمنها إلا المواطن المبتلى بالحرب والجوع والمرض معاً.