2017-06-01 الساعة 02:00م
هذه ليست عاصمتنا ، كان لدينا صنعاء بدأت تتحدث الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكنا مثقفين بفنائل نصف كم ومقرات صحف ومراكز دراسات، وكانت أغاني فيروز في قلقنا المسائي مثل نغمات لإيقاع خطوات من وجدوا ذواتهم الرومانسية المنحازة لكلما هو ضعيف ويتيم وجميل أيضاً.
يمنحك صديقك موعداً في مقر حزب وتضمران معاً إحراج الأمين العام صباحاً في الندوة..
علي عبد الله صالح في الستين والديمقراطية تتبرم في القاعات وأعمدة الصحف بمزاج مهمش منحوه وظيفة عادية، لكنها كانت مثل كل الأشياء الجيدة لا تكتفي، وتنشد الكمال، أمناء العموم يودون لو ننحاز إليهم، والرئيس من قصره يشتري كفايته من الإنحيازات، بينما تحاول العاصمة استلهام هذا كله لتتأنق بحداثة مرتبكة وديمقراطية ناقصة لكنها كانت كافية للمضي في حلم أن نكون دولة جديرة بالإحترام.
الآن يحدق حسين الحوثي من الجدران فيما يشبه التهديد والإذلال، ذلك أنه لا أكثر قهراً للإنسان من إجباره على رمز وطني لا يشبهه، ربما بدون حرب وانقلاب كان حسين ليحظى بقبولنا له بوصفه رمزاً لجماعته دون اتخاذ موقف عدائي من ملامحه، لكنهم وضعوه على حافة ما يشبه جداراً أقيم بين زمنين داخل عاصمة تخضع لعملية غسيل دماغ.
كانت صنعاء عاصمة دولة فأمست الآن قلعة آمنة محصنة لجماعة، كانت مدينة مكتظة بالمقرات المدنية التي تفصح عن حمى حقوق وحريات وتعددية وادعاءات ليبرالية وحقائق تحديث، وكان عليك كلما تخاطرت مع السياسة التفكير بعبد الوهاب الانسي والدكتور المتوكل وياسين سعيد نعمان، وكلما تبادر إلى ذهنك سطوة الحكم فكرت في الرئيس القبيلي الذي يبذل مجهوداً هائلاً لابتلاع فكرة الشراكة ولو بالحد الأدنى.
وهي الآن متراس كلما خطرت لك في مسائها السياسة فكرت في السجن وبلا أسماء. وكلما نطق ذهنك كلمة حكم، داهمك وجل من غموض تسلط لا يكلف نفسه حتى عناء مغالطتك وإطلاق وعد كاذب حتى بفكرة المشاركة.
لقد اسقطنا هيبة النضال المدني بأثر رجعي إذ اعتبرناه شكلاً من الضعف، قبلنا مضطرين دور البندقية فامتلكت مصيرنا جماعات البنادق التي بسطت أكبرها على العاصمة مخطوطة لاهوتية وعطلت كل ميثاق دستوري ووثيقة حقوق وفي الاطراف والمدن الأخرى راحت الجماعات تطهر المدن من كل حلم إنساني مدني لتجعلها نسخة من العاصمة، العاصمة التي عندما سقطت أسقطت معها المدن.
نمضيها في صنعاء، لا يوجد حاكم نعارضه وإنما تهديدات نتحاشاها، والأيام التي كانت منذ التسعينات تحولت لذكرى وغصة في الحلق على إيقاع ذهول مع كل شربة ماء.
انتقلنا فجأة لزمن ازدراء مفردات الحقوق والحريات، جميعنا فعل ذلك وكأننا نعاقب زمناً كنا فيه في أفضل أيامنا، لم يعد أحد يتحدث تلك اللهجة.
هرب أمناء العموم واتكأ المقاتلون في مقرات الصحف والأحزاب، وانسحبت أمام المليشيا كل تكوينات دنيا سياسية كانت لائقة ببلد محترم مثل اليمن ولو كمحاولة، دفعت المليشيا الباب فسقط ومعه تساقطت تفاصيل ما يشبه ديكوراً نخرته السوس فحول المدينة من مكان لممارسة الأحلام الناقصة إلى شوارع يتجول فيها كابوس مكتمل .
* من صفحة الكاتب على الفيس بوك