2017-09-27 الساعة 02:26م
ظهر المخلوع صالح على غير عادته، منكسراً ومحبطاً ومرتعشاً ويقرأ خاطبه بعيد أعياد الثورة اليمنية 26 سبتمبر، مكتوباً بخط اليد في زمن الحواسيب والطابعات.
أطل من قبو سري، لا يبدو أنه يتوارى فيه خوفاً من طائرات التحالف بل من شركائه في الانقلاب، الذين خطفوا ثورة 26 سبتمبر وثبتوا بدلاً منها "ثورتهم" الخاصة، التي يعيدون عبرها الإمامة، عمامةً عمامةْ.
ابتلع صالح في داخله مئات الكلمات التي كان يتقيأها سنوياً في مثل هذه المناسبة لإظهار أنه الثائر الأول والجمهوري الأول. إذ لم يتحدث عن الإمامة المقبورة بصفتها نظاماً كهنوتياً، لكنه أطلق هذا الوصف على النظام الملكي في السعودية، واكتفى بالإشارة إلى " الظلم" وهي إشارة مبهمة لولا أن الشعب اليمني يعرف جيداً أن النظام الإمامي الكهنوتي كان من أشد الأنظمة ظلماً، بل أن الظلم كان أحد الصور السيئة التي تشكل ملامحه الكاملة.
لم أكن أتصور أن صالح سيضطر إلى أن يوعز لمن تبقى من المحيطين به أن يعدوا له خطاباً بهذه الطريقة المرتبكة وبخط اليد، ويقيني أن بث الخطاب عبر قناته (اليمن اليوم) أحيط بقدر مناسب من السرية، ومع ذلك نجحت الرقابة الذاتية في اجتزاء مقاطع من خطابه، وبما يتفق مع المحاذير والمحددات المفروضة من جانب الحوثيين.
أملى عليه حكام صنعاء الأقوياء أن يتحدث عن "21سبتمبر" بصفتها ثورة، ولم يزد عن ذلك إلا أنه أراح نفسه بالقول إنها أطاحت بالرئيس هادي قبل ثلاث سنوات، وهو الذي نفى بلسانه في أحد الحوارات التلفزيونية وصفها بالثورة لأنها لم تفعل أكثر من أنها أطاحت بـ"اللواء علي محسن".
وحتى يبدو ثائراً بشكل لائق أعاد المخلوع صالح التأكيد على رفضه قرار مجلس الأمن رقم (2216)، لأنه اعتبره قرار حرب، علماً بأن الحرب هو الذي أشعلها وشركاؤه الحوثيين، وتدخل التحالف جاء بعد أقل من شهر على صدور هذا القرار، ورفض كذلك مخرجات الحوار الوطني، ورفض المبادرة الخليجية التي وقع عليها في الرياض وليس في أي مكان آخر.
حجة هذا المخلوع أن مخرجات الحوار الوطني أقرت الصيغة الاتحادية للدولة، ويريد أن يقنعنا أن كل هذه الدماء التي تسبب في إراقتها، تعتبر تضحية مناسبة لتبقى الدولة كما هي اليوم ولا تذهب إلى الصيغة الاتحادية.
كان عليه وهو يترحم على شهداء ثورتي سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، أن يضيف إليهم قتلى "21 سبتمبر"، التي أطاحت بالثورة اليمنية بكل محمولاتها السياسية بما فيها النظام الجمهوري والدولة الاتحادية.
هو يعلم جيداً أن هذه المناسبة لا تستهدف الجمهورية فقط بل تستهدفه هو شخصياً، وأن القتلى من جماعته وجماعة الحوثي الذي سقطوا وهم يخوضون معارك إسقاط الجهورية، إنما سقطوا على مذبح الإمامة، لأنه حين فرط بأدوات الجمهورية ومؤسساتها وسلمها ناجزة للإماميين الجدد، فإن المعركة لن تحسم لصالحه ولن يكون بوسعه أن يلعب بالأوراق ويراهن على التناقضات كما كان يفعل إبان حكمه.
فخلف منافسيه في صنعاء من الحوثيين، دولٌ وتنظيماتٌ ومؤسساتٌ وأذرعٌ ناعمة كلها تخطط وتنفذ وتُحكم الطوق حوله وحول غيره، إلى حد لم يعد بإمكانه التخلص من المصير السيء الذي يتجه إليه حالياً.
أطل صالح بصورة تؤشر بقوة إلى النهاية المخزية التي يعيشها ذليلاً في أقبية صنعاء بلا أسلحة ولا إرادة ولا خيارات.