2017-11-14 الساعة 12:59م
قبل مغادرتي اليمن الى قاهرة المعز، حذرني بعض الأقارب والأصدقاء من مخاطر المرور من النقاط الأمنية المنتشرة طوال الطريق الممتد من صنعاء الى سيئون عاصمة مديريات وادي وصحراء حضرموت، واحتمال اعتقالي من قبل نقاط الحوثيين بسبب كتابات ومنشورات سابقة هاجمتهم فيها، أو من قبل النقاط التابعة لحكومة هادي جراء كتاباتي المعارضة للسعودية وحلفائها، الا أني اعتبرتها مخاوف لا مبرر لها وتحذيرات مبالغ فيها خاصة مع محدودية انتقاداتي وموضوعيتها لكلا الطرفين.
-عقب مغادرتي العاصمة بمعية اسرتي (زوجتي واولادي الثلاثة واثنان من أولاد اخواني) على متن حافلة ركاب تابعة لشركة راحة للنقل البري باتجاه محافظة ذمار مررنا بكثير من النقاط الأمنية دون أية عوائق تذكر، واتجهنا بعد ذلك الى مدينة رداع بمحافظة البيضاء، وبمجرد خروجنا من المدينة بنحو كيلو متر استوقفتنا نقطة أمنية تابعة للحوثيين ذات سمعة سيئة لدى المسافرين وعامة الناس تسمى نقطة أبوهاشم نسبة لقائد النقطة السابق.
-في البداية صعد مسلح أسمر البشرة الى الحافلة مطالبا الركاب تسليمه البطائق الشخصية او جوازات السفر للتحقق من هوياتهم، وعندما سلمته الجواز القى نظرة سريعة عليه واعاده الي كما تجنب أخذ جواز زوجتي، وتكرر ذلك مع الركاب الاخرين المصطحبين لعوائلهم معهم، وعوضا عن ذلك قام بأخذ جوازات خالد(20 سنة) وحافظ(16 سنة)وتجنب أخذ جواز أبني الصغير محمد(10سنوات)،وأخذ أيضا جوازي محمد أبن اخي علي(21سنة)وعبدالرحمن ابن أخي نبيل(20 سنة)،إضافة الى أخذه جوازات ستة ركاب آخرين ،مطالبا أصحاب تلك الجوازات بالنزول من الحافلة، وبعد أن كانت المرأة لا تسافر الا برفقة محرم معها، تغير الحال واصبح الرجل في عهد الحوثيين بحاجة الى امرأة لضمان المرور من نقطة أبو هاشم.
-في البداية انتظرت نحو ربع ساعة في الحافلة محاولا تطمين زوجتي وابني الصغير بكونها إجراءات امنية طبيعية هدفها التيقن من وجهة الشباب ومتوسطي العمر من الذكور المسافرين وضمان عدم التحاقهم بجبهة القتال مع الطرف الاخر، لكن منسوب القلق ارتفع كثيرا مع انقضاء النصف الساعة الأولى لمغادرة اولادي للحافلة فقررت التوجه الى مكان التحقيق معهم للمطالبة بإخلاء سبيلهم واخذي بدلا منهم، وبمجرد نزولي من الحافلة لاحظت وجود ثلاث مركبات أخرى للنقل الجماعي وعدد من ناقلات الوقود وسيارات متفاوتة الاحجام وجميعها واقفة على جانبي الطريق ،وكان انتشار المسلحين في محيط النقطة واضحا للعيان رغم الظلام الدامس في المكان.
-مشيت نحو 200 متر باحثا عن المكان الذي يحتجزون فيه المسافرين ،ووقعت عيناي على تجمع بشري يتراوح عدده بين ال 150 وال 200شخص في مكان منخفض جوار الخط الاسفلتي من الاتجاه الاخر فذهبت الى هناك ووجدت ابن اخي محمد هناك واخبرني انهم ينتظرون سماع أسمائهم للدخول الى خيمة التحقيق، كما اخبرني بما قاله لهم المسلح الأسمر عند اصطحابهم الى امام الخيمة، حيث قال لابني حافظ ذو ال 16 عاما انت شكلك تعمل في غرفة العمليات، وقال لمحمد وانت شكلك داعشي ولابن اخي الاخر انت شكلك مسئول عن الشرائح، تخيلوا تهم كلها عقوبتها الإعدام ويتم توجيهها هكذا بكل بساطة لمراهقين.
-مضت نحو ساعة دون ان يتم النداء بأسمائهم، وفي الاثناء لاحظت وجود شخص مسلح وملثم الوجه اقترب منا وتحدث لابن اخي قائلا باللهجة العامية وبنبرة خافتة "إذا تشتي تتخارج جيب الفين ريال وانا عتكتب اسمك في رسالة هاتفية لشخص داخل الخيمة وسينادي باسمك وتدخل تستلم جوازك وترحلك".
-في البداية شككت في الرجل وقلت انه يريد النصب علينا فطلبت منه الدخول الى الخيمة لأخذ الجوازات الأربعة وتسليمها لي كشرط لتسليمه ال 8 الاف ريال مقابل ذلك لكنه رفض وقال انه بمجرد ارسال الرسالة سيتم النداء بأسماء الأولاد ،وتركناه وهو يكرر عرضه على الواقفين امام الخيمة ،ومع مرور الوقت دون أي جديد قررت القبول بعرضه كون لا خيار آخر امامي علاوة على ان المبلغ المطلوب ليس بالأمر الكبير ،وكانت المفاجئة سماع أسماء الأولاد الأربعة بمجرد ارسال الرسالة من المسلح الملثم الى المتواجدين داخل الخيمة،وما هي الا دقيقة حتى خرج الأولاد بجوازات السفر واخبروني بوجود طفل لا يتجاوز عمره ال13 سنة داخل الخيمة ماسك في يده عصاء وقارورة ماء ومهمته الإساءة واهانة المسافرين عند دخولهم وخروجهم من الخيمة ،وخلال تواجدي في النقطة شاهدت رجل في عقد الخمسينات من العمر يسقط بعنف على الأرض من سطح مركبته "نوع دينا" بعد ان غلبه النوم جراء احتجاز مركبته منذ عدة أيام في النقطة.
-المهم عدنا الى حافلة الركاب وخليط من مشاعر الفرح والغضب تجتاحني في الوقت ذاته، فرحت لان اولادي بخير ولم يمسهم أي اذى جسدي رغم الصدمة النفسية الظاهرة على قسمات وجيههم، وغضبت كثيرا بعد ادراكي ان الموضوع كان مجرد مسرحية قذرة هدفها الابتزاز ونهب المسافرين بطريقة وقحة ومثيرة للقرف، صحيح أن مبلغ الالفين قد يكون بسيطا في نظر البعض ،لكن خلال بقاءنا نحو ساعتين ونصف في النقطة الأمنية الى حين تم اخلاء سبيل بقية المحتجزين من المسافرين معنا في الحافلة تم ابتزاز نحو 300 مسافر، أي أن كل ساعتين يتم ابتزاز نحو 200 مسافر في المتوسط ما يعني 2400 مسافر في اليوم الواحد وبمبلغ اجمالي 480000ريال.
-في حين ان هناك أصحاب الشاحنات والناقلات وأخرى يتم ابتزازهم بمبالغ تتراوح بين 50و200الف وأكثر ومن يرفض يتم اعتقاله او احتجاز مركبته لأيام واسابيع الى حين تدبير المبلغ المطلوب منه، وبحسبة تقديرية حسب عدد السيارات والناقلات المحتجزة في اليوم الواحد في النقطة يتجاوز اجمالي المبلغ المصادر نحو مليون ونصف ريال تضاف الى النصف المليون المصادرة من المسافرين ليصل اجمالي الاتاوة المحصلة ما يقارب ال 2مليون ريال يوميا من نقطة أمنية واحدة.
-لا اعرف صراحة المبرر الديني لهذه الاتاوة هل تندرج ضمن ما يعرف بالخمس؟ لكن ما ينهبه الحوثيين من أموال الشعب تجاوز ال 5% الى ال 95% وتركوا الخمس لزنابيلهم ولم يبق لنا سوى راتب واحد يتم صرفه للموظفين خلال العام على دفعتين، ومن ثم لا استبعد ان يكون الامر له علاقة بالجزية المذكورة في القران، لكن معنى ذلك في هذه الحالة أن الاثنى عشرية تنظر الى اليمنيين سواء كانوا شافعية او زيدية او صوفية على انهم كفار تأويل كما يبدو.
-طبعا بعض العبيد سيسارع للدفاع عن اسياده ويقول ان هؤلاء متحوثين وليسوا حوثيين وانهم مدسوسين لتشويه أنصار الله، لكن مثل هذه المواقع الحساسة والمدرة للمال لايديرها الا قناديل مقربة من قيادة الجماعة او زنابيل تربطهم علاقة نسب او مصاهرة مع القناديل، كما ان أسم النقطة يدل على ان قائدها قنديل ابن قنديل،كما انها تجربة خضتها شخصيا ولاجدوى ممن قد يحاول التشكيك في دوافعها ومن يقف ورائها، المهم هنا ان هذه النقطة وما يحدث فيها من امتهان لكرامة اليمني ليست سوى نموذج واقعي يعكس حقيقة الحوثيين كميليشيات مسلحة لا هم لها سوى السلطة وجباية المال واستعباد اليمنيين.
-اما بالنسبة لنقطة مارب، فرغم سماعي لبعض الرويات التي تتحدث عن ترويع المسافرين واحتجازهم لنحو ساعة او اكثر ،لكن ما حدث معنا عند وصولنا الى النقطة كان أن صعد عسكري الى الحافلة وقام بأخذ بعض الجوازات بشكل عشوائي وكان جوازي وجوازات اولادي ضمن الجوازات التي اخذها معه الى خارج الحافلة ،لالا انه لم تمر سوى خمس دقائق حتى قام بإعادتها الى مساعد سائق الحافلة وغادرنا النقطة دون ان يتم التحقيق مع أي من الركاب، وتكرر الامر في نقطة خارج مدينة العبر بحضرموت ،حيث صعد عسكري من بني مطر وكان بشوش الوجه ولطيفا بكلامه ودمثا بأخلافه خلال تصفحه للجوازات وحديثه مع الركاب.
-كان أكثر ما لفت انتباهي حضور العلم اليمني بكثافة من اول نقطة بمارب وحتى داخل مدينة سيئون، أما أكثر ما اسعدني فكانت طيبة وشهامة ونخوة اهل سيئون الكرام، فلم أتوقع ان اجد أناس ينافسون بطيبتهم طيبة أهلنا في تهامة، وكم كانوا بسطاء لدرجة تلمس معها مدى سعادتهم بالحركة في مطار المدينة والفائدة العائدة منها لأصحاب الفنادق وسيارات الاجرة خصوصا وكم شعرت بالحزن للظلم والتهميش الذي عانت منه سيئون وحضرموت طيلة العقود الماضية.