2018-04-03 الساعة 01:47م
لم يكن أبو الطيب المتنبي شاعراً عظيماً فحسب، بل كان حكيماً عظيماً أيضاً يستقطر تجارب الحياة الإنسانية في بيت أو في نصف بيت من الشعر في حكمة خالدة تظل تتوهج على مر العصور.
والحكمة التي أهديها باسمه إلى قادة العرب الأفاضل في هذه اللحظة الفارقة والخطيرة من تاريخ الأمة العربية هي: «ولم أر في عيوب الناس عيباً.. كنقص القادرين على التمام». وإذا كان أبو الطيب قد أهدى هذه الحكمة الخالدة إلى معاصريه من حكام وغيرهم فإنه قد تركها في ذمة الأجيال المتلاحقة من أبناء أمته الذين كانوا ولا يزالون يجيدون إبداع البدايات ولكنهم لا يحسنون النهايات، أو بعبارة أوضح لا يحرصون على إكمال ما بدأوه وذلك ما رآه عيباً لا يجوز السكوت عنه أو تجاهل الأخطار التي تترتب عليه أو تصدر عن الأثر الذي يتركه في واقع الحياة، وفي حركة التطور التي تقوم على مجموعة التراكمات الكاملة والتامة.
وما من شك في أن القادة العرب الذين يحكمون الأمّة في هذا الظرف الصعب قادرون على أن يجعلوا من الصعب سهلاً وأن يستكملوا المشروعات الناقصة أو المؤجلة منطلقين من هذا المكان العربي السخي بأهم الإمكانات المادية والروحية، وما ينقص البعض منهم سوى الإرادة والثقة بالنفس وبالشعب الذين هم قادته فلا يترددون وهم يطرحون مشاريعهم الكبيرة للتنفيذ من تدخلات الآخر وتآمره المستمر على كل خطوة صحيحة يتخذها هؤلاء القادة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى القومي.إن الإرادة هي المفتاح السحري لتنفيذ كل عمل غير مكتمل ومنقوص، وهي التي تتقدم كل رغبة أو أمنية في التحديث والتطوير والتغيير، وما أكثر المشاريع النائمة في الأدراج والمشاريع الناقصة الباحثة عن الاستكمال والتي تبقى عيباً يشوه المسار ويوحي بالعجز والقصور عن المتابعة والإضافة.
إن مواجهة الخصوم لا تكون بالقوة وحدها ورفع ما يسمى بجاهزية الاستعداد لخوض المعركة، وإنما تكون كذلك باستكمال مشاريع النهوض ورفع جاهزية الاستغناء عن كل ما يجعلنا نحتاج إليه من الآخر. وإذا كان قادة العرب الراحلون قد اكتشفوا على طريق التضامن القومي فكرة المؤتمرات الموصوفة بالقمة فإنها كانت في البداية قد وضعت أسساً واضحة وسليمة سواء في مجال الوحدة الاقتصادية أو في مجال الدفاع المشترك وغيرهما من القرارات والأسس التي تتناول السياسة الخارجية والتعليم والثقافة ولكنها كلها ظلت ناقصة ثم أدركها الإهمال، وإن كانت الإشارة إليها تتكرر وتتناسخ صياغتها في أحدث المؤتمرات وأقربها انعقاداً، ومعنى ذلك أن حكمة أبي الطيب المتنبي عن نقص القادرين عن التمام هي حقيقة لا تقبل النقض أو التشكيك.
ويبدو أننا الآن أحوج ما نكون للعودة إلى موروثنا الأدبي لنكتشف في صفحاته رسائل تخصنا نحن في هذا العصر وتخاطبنا جميعاً قادة ومثقفين وساسة وأفراداً عاديين، ولكي ندرك أبعاد الفجوة التي تفصلنا عن الآخرين الذين نعترف بأنهم كانوا ولا يزالون أعرف منا بما يشكله «نقص القادرين عن التمام» من آثار سلبية تجعل من المستحيل تجاوز الواقع المتردي والخروج من دائرة التخلف المريع.