2019-02-13 الساعة 05:31م
قليلون هم أولئك الرجال الذين يغرسون مكانتهم في القلوب والعقول ، كما تنحت أزامير الحديد أعمق الصور وأجمل النقوش على صلاص الاحجار ، وقوالب الصخور ! منهم الفقيد الراحل إلى جنات الخلد -بإذن رب العالمين - المجاهد العابد ،التقي، النقي، الشيخ / غالب بن علي المسوري، أحد أقطاب الحركة الوطنية الإسلامية، من جيل التأسيس -الصادق الزاهد- لمنظومة الخير بكل فروعه وأشكاله وألوانه ، إنه الرجل الصلب الذي تمتع بكل صفات الرجولة والاباء ، وحمل عن قناعة كل مفردات القيم الراقية ، ومعاني المثل العظيمة ، يحاول اليراع هنا أن يكتب عن الرجل بمنهجية المؤرخ؛ وإن كان وجدان الكاتب يشده إلى مربع المُعزي والمُعزىَ معاً ، فقد كان الراحل بمثابة الأب الصديق لكاتب الأحرف، كما هو كذلك للكثيرين ، فالمصاب به عظيم، والخسارة بفقده فادحة ! ربما لخصوصية العلاقة الحميمية التي جمعتني به ، الإيثار الزائد ، والعطف الشديد الذي كان يسبغه علي، أو حتى لطبيعة الامتداد الزمني لتلك العلاقة المتوارثة والتي ابتدأت بصداقة نضالية حميمية ، وأخوة ودية تعاونية مع الوالد -رحمة الله عليهما معا - لكن اليراع يتغلب في موقف العظماء ؛ ليقف على مفردات تاريخ الرجل الوضاءة ، ويشد انتباه المتلقي عند سيرته المترعة بالعطاء ، المليئة بالإنجاز، التي جمعت بين شرف الدنيا ومجد التاريخ وثواب الأخرة .
بدأ حياته البسيطة والعميقة - في آن واحد- بنفس نزاعة للحرية ، مقاومة للظلم بكل معانية، والعاشقة للسمو في أجمل صوره
فانتصر لقيم الثورة السبتمبرية الخالدة ، ونذر حياتة لتحقيق اسمى أهدافها، المتمثل بالحرية والعدالة والمساواة ، من حيث يدري أن تلك القيم هي جوهر الثورة، وأسمى أمانيها، أو من حيث إيمانه المجسد لفطرته السليمة إن غابت عنه مفردات الوعي الثوري ، في بواكير سنين شبابه الأولى، أو حضرت في وعيه المبكر تلك القيم الوطنية السامقة؛ التي هي جوهر الدين، وديدن الشرع، ومحور العلاقات الإنسانية السوية والراقية .
الشيء المؤكد أنه كان خلاصة الصدق الوطني، والعاطفة الدينية المشعة ألق وعزة في ذلك الجيل الكريم .
لم يقف عطاؤه عند حد النضال على الموروث الإجتماعي المرتبط بثقافة الإمامة الظالمة، ومخرجاتها الصدئة، من الجهل والفقر والمرض ، فنهج منهج نشر العلم، ومحاربة الأمية، وبذل جهودا جبارة في إتاحة المنظومة المعرفية، لكل من يستطيع من أجيال الثورة المتعاقبة، فنذر حياته لنشر المعرفة ، وبناء محاضن العلم، وصفوف التربية .
كان احد أهم شخصيات الوطن ، التي أسست احد أهم المؤسسات التربوية والتعليمية في اليمن، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، والمتمثلة في المعاهد العلمية، التي رسخت قواعد المعرفة ،وأصلت لمنظومة القيم الجمعية ، وحققت أعلى قدر من التوافق المجتمعي، والانسجام المعرفي ؛ في كل ربوع الوطن، وأخرجت اليمن من مربع الانقسام الطائفي، إلى فضاءات الإتحاد المجتمعي، والثقافي، والفلسفي، والإنصهار في مفاهيم الوسطية والإعتدال .
كان -رحمة الله عليه- حسب تعبير أحد أصدق قيادات البلد -في تعليقه على فداحة الخسارة الوطنية لرحيل هذا العلم الوطني الشامخ - ثالث ثلاثة، هم عمالقة التأسيس ( القاضي الفسيل، والشيخ عمر أحمد سيف، والشيخ غالب المسوري ) نذروا أنفسهم، وأموالهم وأوقاتهم بإخلاص وتفاني، لنشر العلم الديني المتسامح، والواعي ،والاصيل ، مع ثلة مباركة من أبناء ذلك الجيل المؤسس .
ما يميز الشيخ غالب المسوري -رحمة الله عليه- أنه كان يدور مع الحق حيث دار، ويتوقف عند فضيلة الحقيقة أنى وقفت...! لا تقيده المصالح ، ولاتفتنه الأهواء، ولا تأخذه العزة بالإثم. ..! استعصى على كل صنوف الترغيب، وجابه كل أنواع الترهيب ..!
ليقف صامدا في وجه كل تلك المغريات والمخاطر، وليكون مع الحق والحق فقط وفقا لما يؤمن ويعتقد ...!!
لم يغب المسوري عن أي واجب وطني طوال سنين عمره الطويلة، كان بنفسه، وماله وأهله، وقبيلته في مقدمة المدافعين عن الخيارات الوطنية .
حضر بفعالية واقتدار في كل مناحي العطاء الوطني ،والإنساني، والخيري، وساهم في شتى صنوف المسؤؤلية الإجتماعية، والواجبات الإنسانية .
ألا إن أهم وأعظم وأكرم وأفضل ما يميز الرجل ؛ أنه عاش للقرآن، وبالقرآن، ومع القرآن -عملا وتلاوة، ايمانا وفعلا، رسالة واعتقادا، جهدا وجهادا- حتى توافه الله- تبارك وتعالى- على تراتيل آيات الذكر الحكيم !!!
ربما أن مد الله لنا بالعمر أن نتعبده تعالى بكتابة سيرة هذا المجاهد بدماء قلوبنا لا بحبر أقلامنا ....!! لأننا عندما نعجز أن نكون مثل هولاء العظماء؛ فلا أقل من أن ننقل للأجيال تلك الصفحات المشرقة، من سيرة صحابة العصر وأتقياء الزمن المعاصر.
رحم الله الشيخ، الحافظ ،الورع، غالب المسوري ،وأسكنه فسيح جناته .
وحفظ الله اليمن من كل سوء ، ،،