2015-12-23 الساعة 06:34م
حين قرر الملك الفاطمي اختراع فكرة الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في مصر كان يحتفل به عاما في الثامن من ربيع الاول والعام التالي في الثاني عشر من الشهر وكان ذلك ابتكار بعد قرون من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ..
اي انه لم يهتدي لتاريخ محدد لمولد خاتم الانبياء وعظيم المصلحين فالعرب لم تكن تهتم بتدوين مثل هذه المناسبات فلجأ إلى التخمين ...
ولد محمد بن عبدالله في مكة يتيما فقيرا وكانت حياته الشخصية مليئة بالمرارة والعصامية والتدرج في مراتب الكمال الانساني.
على احد جبال مكة وقف رسول الله في بداية دعوته معلنا : يا بني هاشم .. يا بني عبد مناف .. يا فاطمة بنت محمد .. يا صفية .. لا اغني عنكم من الله شيئا ...
لم يتبعه غالبية اقاربه وعشيرته الا بعد ان استتب له الامر ودانت له العرب والعجم ..
وبعد تلك السنين التي قال لهم في بدايتها ما معناه "كل واحد يخارج نفسه" جاء اقاربه ليقولون ان محبتهم توصل الناس الى الجنة وأنهم سفينة من ركبهم نجا.
النبي الذي رفض استغلال مكانته ﻷن يمنح ابنته خادمة تعينها في منزلها جاء من يزعمون انهم احفادها ليقولون ان النبي "ص" منحهم حكم البشرية من بعده !!
لم يكن رسول الله من اعلى بيوت العرب او قريش مرتبة ولم يكن اعظمهم مكانة وكثيرا ما كان يردد حين بلغ مجده الافاق "أنما انا ابن امرأة كانت تأكل القديد".
اي : ليس لي من ميزة او اختصاص يميزني عن البشرية .. فقط انا حامل رسالة وانتم ملزمون باتباعها.
ليس هناك من امتياز او تمييز منحه النبي صلى الله عليه وسلم ﻻقاربه .. ولم يطلب من احد ان يميزهم او يتقرب اليه بمحبة اقاربه.
يقول البعض ان المصطفى كان يحب ابنته وابناءها لكنه يتعسف استخدام الفكرة وتفسيرها !!.
نعم كان يحب فاطمة وبنيها لأنه بشر مثلكم ويلزمكم ان تتبعوه بمحبة بناتكم انتم وليس بناته وابناءهن ايها العرب الذين شاع فيكم وأد الاناث وكراهية ابناءهن.
في تراثنا الاسلامي كثير من النصوص والتفسيرات التي هي بحاجة للمراجعة ...
يجتهد البعض في رص النصوص التي توحي ان النبي حث على محبة ابنته فاطمة رضي الله عنها وبنيها بينما لا يوردون اي نص مقابل يحض على محبة بقية بنات النبي وهن كثيرات وهذا ليس عدلا ولا منطقا !!.
هل كان رسول الله يميز بين اولاده وبناته مع انهم جميعا الا واحدا من ذرية ام المؤمنين خديجة رضي الله عنها ؟؟؟.
اليوم .. تتباهى دساتير وقوانين الدنيا الراقية بوضع النصوص التي تحد من استخدام السلطة والنفوذ لمصالح شخصية أو عائلية !!
كان رسول الله قد بادر إلى هذا المبدأ العظيم فحرم على اقاربه بني هاشم الاقتراب من ايرادات الزكاة منعا لاستغلالهم لنفوذ القرب منه.. ورفض ان يعطي ابنته خادمة من المال العام للدولة .. وحين امتنع عمه العباس عن اداء زكاته ذات مرة التزم بتسليمها عنه لأن لا احد فوق القانون.
جاء بعده ابو بكر وعمر ووضعوا على اقاربهم قيودا تحد من ممارستهم السياسة والاستثماؤ لكونهم اقارب الحاكم.
وحين جاء عثمان وعلي رضي الله عنهما ربما حادوا قليلا عن هذا المسلك فقرب عثمان بني أميه منه وقرب علي بنيه وبني هاشم ولم يقيدوها فكان ذلك بداية المأزق السياسي في الاسلام.
الصلاحيات غير المشروعة واستغلال القرابة خارج القانون هي التي جاءت بالحسن بن علي ويزيد بن معاوية خلفاء لاباءهم.
المؤكد في سياق هذا التطور او الانحدار السياسي في الدولة الاسلامية ان عليا وعثمان ومعاوية وابو العباس السفاح لم يقولوا للمسلمين ان الله يلزمهم بالتسليم لبنيهم بل كانوا يمارسون السياسة وفقا لاجتهادهم.
كان عبدالله بن الزبير أكفأ وأجدر من الحسن بن علي كما كان عمرو بن العاص أكفأ وأجدر من يزيد بن معاوية لكنها صراعات السياسة فقط ولكل مجتهد نصيب.
بعد سنين وربما عقود طوال من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جاء من يقول ان النبي منح الحكم من بعده لقريش وحصرها البعض في بني هاشم واخرون في ابناء فاطمة واخرون في ذرية الحسين..
قريش هذه هي اكثر قبائل العرب صدا لدين الله ومحاربة لحامل الرسالة رغم علمهم بصلاحه ونزاهته .. فهل كان ما يزعمون مكافأة لقبح قريش ؟
.
في العام 2012 دعيت الصحافة اليمنية لحضور حفل المولد النبوي الذي نظمه الحوثي في صعده !!
وفي الشارع الرئيسي للمدينة لافتة كبيرة تقول : مرحبا بكم في مدينة ابن رسول الله !!
وفي كلمته بمناسبة المولد كان ابن رسول الله عبدالملك الحوثي القى خطابا طويلا هاجم فيه القوى السياسية اليمنية التي يختلف معها بقوة وكأنه اعلن من منبره ذاك خطته التي وصلت إلى ما نراه اليوم.
لست متأكدا ما إذا كانت اللافتة الكبيرة تعني بابن رسول الله صاحب المدينة عبدالملك الحوثي ام غيره فأبناء النبي الذين تعاقبوا على صعده كثيرون ابتداءا من يحيى الرسي وابراهيم الجزار ومن يعرف صعده يدرك ان ما تركه ابناء النبي لها هو عشرات المقابر العملاقة التي لا نظير لها في اليمن.
دعونا نكن اكثر وضوحا .. ليس هناك نص ديني يدعو للاحتفال بالمولد بل ليس هناك وثيقة ثابتة تحدد تاريخ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم .. لكن يأتي نفر يقولون انهم احفاده يقدمون المناسبة كتذكير بقرابتهم منه ليطالبونا بالتنازل عن ادارة حياتنا لهم.
حين انقلب بني أمية على الأمة ونصبوا انفسهم حكاما عليها انطلقوا من شطارتهم والدهاء واستغلالهم للقرب من مركز القرار السياسي، وحين قرر بنو هاشم منافسة اخوتهم بني أمية انطلقوا من استغلال علاقة القرابة من النبي ربما لافتقادهم بني دهاء أمية.
أنجز الهاشميون انقلابهم ووصل العباسيون للحكم فبدأوا فورا بتصفية العلويين وقالوا بان قرابة العباس وأبي طالب من رسول الله واحدة وأن جدهم أسلم وأبي طالب لم يسلم فهم أحق وزادوا القول أن ابناء البنت لا يدخلون في الميراث فيما اتجه العلويون للاستعداد لانقلاب جديد !!.
وبسبب صراعات قريش - بني هاشم خصوصا - على السلطة اتجهت اعظم امبراطورية في الدنيا للانحسار والفساد والاستبداد والحروب الداخلية والتخلف الفكري وانصرفت طاقات الامة لاختراع قضايا خرافية وكارثية.
يقول الهادوية في فقههم بقاعدة العرض على القرآن فلا يقبلون من الحديث والسيرة الا ما توافق مع تفسيرهم للقرآن .. لكنهم حين يستدلون على خرافة ال البيت ووراثة الحكم بالكساء والغدير ويقولون انهم ابناء النبي يتناسون قول الله تعالى "ماكان محمدا أبا احد من رجالكم".
ربما كان قبل سنوات من السخف ان نناقش هذه القضايا التي يفترض انه عفا عليها الزمن لكن الكارثة التي صنعتها الامامة الحوثية اعادت هذه القضية للذاكرة.
في عام 1999 حين ترشح علي عبدالله صالح لرئاسة الجمهورية أصدر علماء الزيدية فتوى شهيرة تدعو للمشاركة الفاعلة في الانتخابات الرئاسية واعتبار الامامة فكرة ملغية اصبح الحديث عنها او التفكير بها خطأ ديني !!.
وفي عام 2004 حين خاض علي عبدالله صالح اولى حروب صعده صدر عن علماء الزيدية أيضا فتوى تدين ما أسمته تمرد حسين الحوثي وتتهمه بالخروج عن الزيدية ومنحت السلطة الشرعية الدينية والمذهبية لمواجهته وصولا إلى قتله في سبتمبر 2004م.
علماء الزيدية ذاتهم في 2012 تداعوا لتوقيع وصياغة ما أسموه الوثيقة الفكرية منحت عبدالملك الحوثي - الذي كان قد اسقط كل صعده يومها - صفة الامام المجاهد المجتهد وقالت بأن الحكم في آل البيت ابناء فاطمة وصولا إلى فروعهم في اليمن ذرية يحيى الرسي المقبور في صعده وقاسم العياني صاحب حرف سفيان.
حين قامت ثورة سبتمبر المجيدة عرف اليمنيون الاسلام والحرية ورأوا العالم وتعلموا وتنافسوا في الاحتفال باليمن الجديد وقرأنا شهادات ومؤلفات لمفكرين وساسة ومثقفين هاشميين تنصف ثورة سبتمبر وفضلها على اليمنيين.
من أجمل القصائد والملاحم والأغنيات التي احتفلت بيمن وثورة وجمهورية سبتمبر ما كتبها وانشدها طوال عقود الشاعر الكبير حسن عبدالله الشرفي.
لكني صعقت قبل أيام وأنا أقرأ قصيدة للشاعر الرومانسي والجميل حسن عبدالله الشرفي ذاته يصف فيها الخمسين العام التي مضت من حكم اليمن بالكارثية وعصر الظلام وهي حتما عمر الثورة التي تغنى بها عقود !!
لسنا بحاجة لتأكيد القول أن هناك مشكلة عميقة بين الهاشميين واليمنيين سياسية واجتماعية وفكرية .. لكن السؤال هو كيف تمكنوا طيلة هذه السنوات من اخفاء حقدهم ونزعتهم العرقية المتطرفة تجاه اليمنيين.
وكيف تمكنوا في هذا الوقت القياسي من كشف هذا الكم الهائل من القبح والاجرام.
راجعوا - على سبيل المثال - الفرق بين الخطاب المتبادل بين الهاشميين الذين يمثلهم الحوثيون والحراك الجنوبي والحزب الاشتراكي بداية ايام حوار موفنبيك وبعد اجتياحهم عدن!!.
اكثر من الف عام منذ زرع الهادي الرسي مشروعه في اليمن وما زال الهاشميون يقدمون انفسهم كهاشميين لا يمنيين.
كان بأمكان بني هاشم أن تكون قبيلة كبني مطر وبني حشيش وغيرها لكنها لم تتحول إلى قبيلة يمنية رغم ان اليمن اندمج فيها الاحباش والفرس والاتراك والمغاربة وكل البشر الذين تتالت موجات هجرتهم إلى اليمن.
اليوم .. نحن بحاجة ماسة لفتح هذا الملف للمرة الاخيرة قبل اهالة التراب عليه للأبد.
وللانصاف : فقد وفرت الحركة الحوثية خلال الاربع السنوات الاخيرة لليمن مالم ينجزه اليمنيون دولا متعاقبة ومؤسسات ومفكرين طيلة قرون إذ كشفت لكل اليمنيين وللعالم ايضا قبح الامامة وفكر السلالة الذي ظل قرونا يسقي اليمنيين السم الزعاف.
.
اليوم ومن جديد يحتفل الهاشميون بميلاد مزعوم لجدهم الذي يرونه مؤسس حكمهم وحارس مصالحهم الانتهازية بينما يعتقد اتباعه في كل أقطار الدنيا أنه حامل رسالة المساواة والحرية إلى العالمين.