2016-03-06 الساعة 09:05م
لايحتاج المرء إلى كثير من الذكاء ليكتشف لماذا تتحول عدن يوما إثر آخر إلى مدينة محفوفة بالمخاطر، ولماذا تحولت بالفعل إلى مدينة للقتل اليومي العبثي، ولماذا أيضا يتوقف مطار المدينة عن العمل.
هي الحرب التي لا تزال عدن طرفا فيها رغم أنها تخلصت من الوجود المباشر لقوات المخلوع صالح والحوثي. ونود هذه المرة أن نكون صريحين في الإشارة إلى من يعبث في عدن، فهذا الطرف الانقلابي الذي تسبب في كل هذه الفوضى، لا يزال يحارب في محافظة عدن وفي غيرها من المحافظات الجنوبية، ولكن عبر أدواته القذرة المبثوثة في المحافظة، والحراك الجنوبي وأدعياء "القاعدة" و"داعش" هم الأدوات القذرة، التي تطيل أمد المعاناة وتبقي عدن ولحج وأبين في حالة حرب مستمرة.
حينما تُستهدف دار المسنين، ويقتلُ خمسة عشر موظفا ونزيلا من نزلاء الدار، فلا تسألني عن التطرف، بل عن شيء آخر أقبح منه بكثير، اسألني عن قبح الأجهزة وكيدها وقدرتها على إحداث هذا القدر من الضرر الأخلاقي والتشوه في ضمير المجتمع، في سياق سعيها الخبيث لخلط الأوراق.
هذا النوع من خلط الأوراق تكمن خطورته في أنه يجعل من الصعب الحديث عن الإجرام المليشياوي الذي يحيط بتعز من كل الجهات فيحاصرها ويقتلها كل يوم، وعن الأعمال الإجرامية من خطف وتغييب وتعذيب حتى الموت، التي تطال السياسيين والصحفيين والناشطين، دون الحديث عن إجرام مقابل يجري بعثرته على قارعة الطريق في عدن.
يتحمل ما يسمى بـ: "الحراك الجنوبي" وزر ما يحدث في عدن اليوم، فالعنف العبثي الذي يعصف بعدن، يحدث لأن طرفا واحدا هو الحراك، لا يزال يصر بأن التحالف العربي، جاء ليحقق له الانفصال الناجز.
وهذا هو اعتقاد ربما المخلصين والبسطاء من الحراكيين، لكن قادة هذا الحراك يتذرعون بالانفصال لاستدامة الفوضى ولتقديم إسناد مباشر وغير مباشر للمخلوع صالح وللحوثي، وهو خط الانتهازية الذي سلكه هؤلاء على هامش الثورة اليمنية منذ فبراير 2011، وحتى اليوم.
قد تعمدوا إحداث كل هذا التشويش في الذهنية الجنوبية، وتوجيه البوصلة نحو قضية واحدة غير ممكنة الحل في هذه الظروف وهو الانفصال، وهذا النوع من الإصرار، يقلل حتى من أهمية إسقاط نظام المخلوع صالح بل أنهم ذهبوا إلى حد الادعاء بأن الذين يتوجب إسقاطهم هم ثوار فبراير.
المسيرات التي كان يقال إنها مليونية لم تنتظم في عدن إلا عندما كان يوشك ثوار الحادي عشر من فبراير 2011 على الإطاحة بالمخلوع صالح، كان ذلك إسنادا حقيقيا للمخلوع، وقد رأينا كيف تراجعت أهمية المخلوع في لائحة هذا الحراك إلى ذيل القائمة ليتصدرها أولئك الذين خرجوا ليعطوا الحراك معناه الحقيقي، وهو إنهاء التسلط والظلم واحتكار السلطة.
تتشاطر الإمارات مع ما يسمى" الحراك الجنوبي" جزء كبيرا من المسئولية عما يحدث، فهي الدولة التي أُوكلتْ إِليهَا مهمةُ ترتيب الأوضاع الأمنية في عدن على وجه التحديد، فكان أن وضعت على رأس أولوياتها التخلص من المقاومة الشريفة التي واجهت الانقلابيين، وساندت التحالف في مهمة تحرير عدن.
أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الإمارات إلى موقف كهذا هو أنها ترى الإخوان المسلمين أخطر من القاعدة والحوثيين، حتى أن الموقف منهم كاد يصل إلى ما يمكن اعتباره استئصالا وجوديا لقوة سياسية وأيديولوجية يمكن التعاطي معها سياسيا.
حينما تراجع دور المقاومة وتم إطلاق يد الحراك الجنوبي برزت ظاهرتا القاعدة وداعش المزيفتين، لتتحول معها عدن إلى بؤرة أمنية خطيرة تكاد تعصف بالمثال الذي كنا نتطلع إلى رؤيته وعيشه في المناطق المحررة.
ومثلما وضعت الإمارات الإخوان على رأس قائمة أعدائها وضع الحراكيون أبناء تعز الذين يشكلون 80 بالمئة من سكان عدن على رأس قائمة أعدائهم.
إنها معادلة تخدم المخلوع صالح والحوثي، وتشوش كثيرا على التقدم الذي يحرزه الجيش الوطني والمقاومة في مأرب وصنعاء، حتى أن صنعاء باتت على وشك العودة إلى حضن الشرعية ربما بكلفة أقل بقليل من كلفة فرض الاستقرار في عدن المحررة.
قبل شهرين تقريبا، هاتف الرئيس أوباما ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وكان اليمن الجزء الأهم فيما تداوله الرجلان.. حينها تبادر إلى ذهني سؤال بشأن طبيعة الدور الذي تؤديه أبو ظبي في اليمن، إلى حد أن أوباما هذه المرة اختار أن يناقش الوضع في اليمن عبر أبو ظبي وليس الرياض.
الأجندة المشتركة التي تتبناها أبو ظبي وواشنطن هي مكافحة الإرهاب، والإرهاب في عدن للأسف الشديد تقوم به أدوات سياسية واستخبارية يستخدمها صالح وإيران بكفاءة عالية هذه الأيام.
ولهذا نجد أن مهمة الإمارات في عدن، والتي تتم عبر قيادات مقربة منها كالمحافظ ومدير الأمن والذي رقي قبل ثلاثة أيام إلى رتبة لواء، تكاد تتحول إلى تمكين للجماعات المتطرفة، بسبب عمى البصيرة وسوء التقدير لما يجري في هذه المحافظة وفي الجنوب عموما، وبسبب الغباء الواضح في صياغة لائحة الأعداء.