2016-05-27 الساعة 08:27م
على طاولة مشاورات الكويت بين الأطراف اليمنية يجلس طرفان نقيضان، في كل شيء، طرف يريد أن يستعيد الدولة الشرعية وطرف يريد أن يشرعن ميليشياته، طرف يحمل السلام وطرف يحمل السلاح، طرف قدم رؤية من أجل استيعاب كل اليمنيين تحت سقف الدولة وطرف قدم رؤية من أجل احتواء الدولة تحت عباءته.. طرف يوافق على كل قرارات الشرعية الدولية وطرف يقول لا اعترف بشرعية لأحد من مجلس الأمن إلى الرئيس هادي، وما بين الطرفين يقف رجل أممي قليل الخبرة وضعيف الأداء.
كان السلوك السياسي لوفد الانقلابين يشير بوضح منذ بدء المشاورات إلى غياب النوايا الحسنة في إيقاف حمام الدم المتدفق في كل اليمن، ليس لأنهم ممثلون لأصحاب القرار –وليسوا أصحاب القرار الفعلي- بل لأنهم يدركون حجم جريمتهم منذ انقلاب 21 أيلول/ سبتمر 2014، ويدركون أن أي اتفاق أو تسوية سياسية لن تستثني تسليم سلاحهم الثقيل والمتوسط إلى الدولة والخروج من كافة مؤسسات الدولة التي يسيطرون عليها والانسحاب من المحافظات، وهي نقاط منصوص عليها في القرار الأممي 2216، غير أن "ميليشيا الحوثي" تدرك يقينا أنه لا حاضنة لها خارج السلاح ولا يمكن للمجتمع اليمني تقبلها بغير رهبة القوة والسلاح، وأن تجريدهم من السلاح سيدفع كل يمني إلى الأخذ بثأره منهم، بعد أن أدخلوا الموت إلى كل بيت والحزن إلى كل قلب.
وهذا ما دفع ممثل الجماعة الحوثية في مشاورات الكويت محمد عبدالسلام إلى القول أكثر من مرة إن "تسليم السلاح يعني تسليم رقابنا لكم"، ويقول أيضا: "لم نسلم السلاح تحت قوة طيران التحالف فكيف نسلمه بالحوار؟"، ويتساوق مع وجهة النظر الحوثية صوت أمريكي مؤثر هو سفير واشنطن بصنعاء "ماثيو تولر" الذي يرى أن "عملية تسليم السلاح قد تحتاج إلى سنوات"!!
المسألة ليست معقدة؛ لكن هناك من يسعى لتعقيدها وهو الطرف الذي زرع الجماعة الحوثية في البوابة الجنوبية للجزيرة العربية من أجل تسليمها لإيران بعد أن أسقط البوابة الشمالية "العراق" وسلمها لإيران أيضا، ودول الخليج صحت على فاجعة واستوعبت درس إهمال اليمن لأكثر من خمسة عقود، وأدركت أنها تقف على عتبات معركة مصيرية بل معركة الألف سنة القادمة.
حتى هذه اللحظة ليس هناك ما يشير إلى انفراجة في مسار المشاورات، غير ضمانات قدمها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للجانب الحكومي الذي علق مشاركته بعد تعنت جاوز مداه من الجانب الانقلابي، غير أن ضمانات كي مون المكتوبة والتي قدمها في الدوحة عشية 21 أيار/ مايو الجاري لم يفصح عن مضمونها أحد، ولا أظنها ستخلو من طمأنة الجانب الحكومي بعدم إصدار قرار أممي جديد من شأنه تعطيل القرار الأممي السابق 2216 الذي صدر تحت الفصل السابع ومثّل ركيزة أساسية لمشاورات الكويت، وهو نفسه القرار الذي منح الحوثيين اعترافا بدورهم السياسي المستقبلي في حال ألقوا السلاح وانسحبوا من المحافظات وخرجوا من المؤسسات الحكومية وأطلقوا المختطفين والأسرى.
وحتى اللحظة أيضا لا شيء في الأفق غير سديم إيران المتعنت، فحلفاؤها الحوثيون لم يوقعوا على جدول الأعمال المتفق عليه بين الجانبين منذ مشاورات "جنيف2" في ديسمبر الماضي، ولم يوقعوا على الإطار العام للمباحثات ولا وافقوا على تشكيل اللجان الثلاث التي أقرها وحدد مهامها المبعوث الأممي ولد الشيخ، ولا وافقوا على تثبيت المرجعيات الثلاث الخاصة بالمشاورات وهي القرار 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، وزاد فوق ذلك أن قالوا للمبعوث الأممي لا نعترف بشرعية الأمم المتحدة ولا بقراراتها!!
هذه المقدمات تؤكد أن من يجلس على طاولة المشاورات من الانقلابين يسعى باتجاه إفشال المشاورات ودفع الطرف الآخر للانسحاب، وبالتالي سيكون الخيار العسكري هو الوريث الشرعي لفشل السلام، وسيترك للسلاح حق تقرير مصير اليمنيين... ومصير جيراهم أيضا.