2016-06-02 الساعة 08:05ص
كتب المرحوم محمد المتوكل مقالا عني بعنوان " "محامي الشيطان" بسبب مداخلة شفوية في ندوة أقامها المشترك عن حروب صعدة في بداية 2009 .. صدفة وجدت الدكتور ياسين سعيد نعمان في موفنبيك، وتحدثت معه عن مقال الدكتور المتوكل الذي كنت عاتبته عليه للتو، بمفرده، وقال المتوكل : بإمكانك الرد، وأدبر صامتا يرحمه الله .. علق أحدهم وكان إلى جانب الدكتور ياسين : مشكلتكم في البيضاء قديمة مع الجماعة .. !
فرد الدكتور ياسين : نحن في الجنوب ليس لدينا هذه المشكلة ونظرتنا مختلفة، يقصد طبيعية وإيجابية إزاء جميع أهل اليمن .. ويعني ليس فيها عقد من قبيل زيود وشوافع، وقحطانيين وعدنانيين ( أدعي بأن ليس لدي مشكلة من هذا النوع ايضا..).
كان الدكتور ياسين محقا تماماً حيث كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تستنكف أن تُدعَى جنوب اليمن، أو اليمن الجنوبي، وألغى الثوار هناك إسم الجنوب من الإسم الرسمي للدولة باعتبار دولتهم تلك هي اليمن وهي ما يمثل جوهر اليمن وحقيقته وتطلعاته ، أما الشمال فكان ينظر إليه بأن الثورة انتكست فيه وأنه عاد رجعيا ، ولا بد من إستعادته وتحريره بطريقة أو بأخرى.
كانت هناك محاولة اجتياح من الجنوب للشمال في 1979، وكان هناك محاولات قام بها ثوار يساريون مدعومون من حكومة عدن، وعمت كثيرا من مناطق الشمال خاصة المناطق الوسطى.
كانت تسمى وسطى كونها بين الشمال والجنوب.. ولم تسمَّ حدودية.. وكانت هناك محاولة أخيرة تمثلت في مظاهرات شهدتها صنعاء وتعز في 1992، لكنها قُمعت.
ولو كان المد اليساري لا يزال في عز قوته لتطورت الأمور التي بدأت في تلك المظاهرات ، ولحسم الأمر في اليمن كلها لصالح الحزب الإشتراكي ، مثلما حسم في الجنوب في الستينات.
قبيل حرب 1994 كنت في الطريق مع زميل برلماني إلى منزل الشيخ عبد الله لحضور إجتماع مشترك من كل الكتل البرلمانية ، حضره أيضاً نائب رئيس المجلس علي صلاح عُبَّاد مقبل، السياسي الصلب النزيه ، وقال الزميل البرلماني الذي صار بعد ذلك نائب رئيس ورزاء، الوضع خطير يا علي، وإخواننا يشعرون أن الشراكة تزعزعت، وأن تهميشهم جار على قدم وساق..!
وأضاف ، كنت أنا والدكتور ياسين خارج البلد، وكان لا يزال رئيساً لمجلس النواب، وصارحني ياسين بأن غياب الشراكة الحقيقية يعني ضرورة عودة كل أحد حيث كان ..وكما كان.. قلت : نعم الشراكة أساسية وهي غائبة حتى في الشمال ، ويجب أن تقدم نخبة الشمال المسيطرة كل تنازل من أجل الحفاظ على الوحدة .
ربما لم أقل للزميل : لا يدري الدكتور ياسين أيش إحنا صابرين عليه من زمان ..! عندما عاد الدكتور ياسين من أبوظبي زرته إلى الفندق مُرَّحِبا، ولم التقيه مباشرة من قبل.. وحضرت ندوة سياسية بعد ذلك وقلت : هناك حاجة لعقد إجتماعي جديد .. وصفق الدكتور ياسين بحماس شديد وأيد ذلك بقوة .
ملخص المشكلة في اليمن أو جذرها أو أصلها ليست شمال وجنوب، ولا زيود وشوافع ، ولا عدنانيين وقحطانيين وإنما هي مشكلة السطلة.. كيف تكون الشراكة، وكيف تكون النزاهة وكيف يكون الإلتزام وتكون المساءلة، وكيف يرسخ العدل ، هنا تكمن المشكلة وهنا أصلها وفصلها وجذرها.. ؟ وهي في حقيقتها مشكلة قيادة قوية محترمة ملمهة على مسافة واحدة من الجميع .
عندما كانت صنعاء محاصرة من قبل الحوثيين ، قرأت تصريحا للدكتور ياسين فهمت منه التنديد بالحصار ورفض أي نية لإجتياح العاصمة، وقلت حينها : لا قلق ما زال رسول حمزاتوف يتنفس في المدينة ..!
قصدت ياسين بالطبع، وكان حمزاتوف الشاعر الداغستاني الكبير ، الشيوعي الملتزم، رمز داغستان العظيم وروحها الملهمة المحترمة .
كثيرا ما كنت أتواصل مع الدكتور ياسين سعيد نعمان، بداية عملي في وزارة الإعلام.. كان ملهما على مستوى الأفكار والقيادة ودماثة الخلق..وكانت جاذبية الدكتور ياسين بلا حدود وهو يدير أول مجلس نواب بعد الوحدة.
عندما ظهر السفير الدكتور ياسين مع زوجته الكريمة، بملابس تمثل كل اليمن في حفل أقامه في السفارة ، في لندن، كتبت على صفحتي : كبير دائماً ..! علق أحد شباب البيضاء منددا بي وبالدكتور ياسين، وذكرني ببيان أمين الحزب الإشتراكي الذي أثنى على إنقلاب 21 سبتمبر 2014، ولا شك بأن ذلك اليوم، وذلك التاريخ المشؤوم، لا سواه، هو يوم النكبة الوطنية التاريخية .
من حق الدكتور ياسين بل من واجبه التحوط لدفع التهميش والظلم عّن الجنوب، وغير الجنوب، لكن من حق اليمنيين أن يتطلعوا إلى وجود قادة يقفون على مسافة واحدة من كل الفئات والجهات..
ويحدث التعبير عن خيية الأمل في الكبار بطرق مختلفة ، وقد تكون متعجلة وغير عادلة ، لكن الواجب تفهمها دائماً..
في حق الدكتور ياسين، هناك من إعتبروه سياسيا مثاليا، ورمزا وطنيا، وقد يرونه الآن يتحيز لجهة، أو يتوارى، خاصة بعد أن طالت النكبة الوطنية، التي تحالف حزبه مع الفصيل التي تسبب فيها، كل الفئات والجهات وكل الجبال والسهول والأعماق .
قرأت مقال الدكتور ياسين في الشرق الأوسط ، قبل أسابيع ، وأستمتعت به كثيرا كالعادة ، حتى اقتربت من النهاية، فتبددت أشياء كثيرة.. ربما لم يكن يتوقع كثيرون أن يروا الدكتور ياسين مجرد شخص آخر يمثل جهة، أو بالأصح يتحيز لتطرف جهة كانت رافعة شعار تحرير كل الجهات الأربع في كل اليمن.
من حق ياسين سعيد نعمان أن ينافح عن الجنوب عندما كان يتعرض لظلم نوعي ، أما الآن فهناك ما يمكن تسميته ووصفه : اليمن ذلك المظلوم .. ومع كل ذلك، الإحترام باق ولا يزال الأمل معقودا على إدراك ما هو أصل المشكلة وما هو جذرها وما هو جوهرها، وما حلها في بلد بسيط غالبيته الساحقة من سلالة جد واحد، ودين واحد، ولا تصح فيه دعاوى مثل تقرير المصير.
لكن الإدراك وحده لا يكفي ، لا بد من الصدع بالحق وكبح جماح المتطرفين بعيدا عن مجارات الصخب والنزق والسكوت عن الظلم ومنه التهجير القسري الذي سيظل وصمة عار دائمة .
من صفحة الكاتب في موقع فيس بوك