2016-06-14 الساعة 02:48ص
كم تثيرني الجدلية الدائرة هذه الأيام بين نخبة الثورة اليمنية المغدورة، المشردون في منافي العالم، حول من الأخطر صالح أم الحوثي، وكم تذكرني هذه الجدلية بالجدلية البيزنطية الشهيرة عن من الأول، البيضة أم الدجاجة، جدلية تثير الكثير من الشفقة على ما وصلنا إليه من تفكير لا طائل منه، حينما يدور في حلقة شبه مفرغة، ولن تنتج شيء ذي قيمة عملية يبنى عليها شيء في ظل كل هذا الوضوح في قضيتنا وكارثتنا الراهنة بفعل عودة غول الإمامة التاريخي بعد غيابه القسري لنصف قرن مضى.
قد يختلف معي البعض هنا فيما سأقول، وهذا من حقهم، مادام الاختلاف لا يفسد للود قضية، لكني في ذات الوقت، أتمنى أن لا نذهب بعيداً في نقاش هذه الجدلية وننسى ما نحن فيه من مأزق، يتطلب حشد كل الجهود للبحث عن مخرج عوضاً عن هذا التيه المفضي إلى لا شيء، سوى هدر الجهود والأوقات والطاقات فيما لا طائل منه في ظل حالة تتطلب منا أبسط الجهود لتعزيز روح الرفض والمقاومة لهذا المشروع الكهنوتي السلالي البغيض، الذي عاد ليجثم على صدور اليمنيين بعد خمسين عاماً من الغياب القسري الذي حكم عليه به اليمنيون ليلة الـ26 سبتمبر 1962م .
فخلا اليومين الماضين لاحظت ناشطاً فيسبوكياً، كان قد بدأ أصحابه على استحياء في حديثهم عن إمكانية مصالحة وطنية بين حزبي الإصلاح والمؤتمر، وكان حتى هذه اللحظة نشاط ومطلب طبيعيين ويمضيان في طريقهما الصحيح، ثم زاد هؤلاء الناشطون في تفاؤلهم في هذه المهمة وإذا بهم يتحدثون بوضوح عن أهمية عودة الرئيس المخلوع والمتمرد علي عبد الله صالح ليقود معركة الخلاص من الحوثيين، في صورة ساذجة وتسطيحيه، تصور علي عبد الله صالح كالسوبر مان أو مارد الفانوس السحري الذي ينفذ كل الأمنيات التي تلقى إليه في غمضة عين .
مثل هذا الطرح التسطيحي، باعتقادي لا يقدم حلاً بقدر ما يزيد الأمر سوءاً، كونه أمر مبني على التمني المولد للعجز والاستكانة والهزيمة النفسية، والتسليم للواقع الراهن، وتقديم النصائح المجانية، لمن يبحثون عن خارطة طريق لهم للخروج مما يعتبرونه مأزقاً لهم في الحالية اليمنية، أو كما يراد أن يصوره لهم البعض.
ما أريد قوله هنا، إن الدعوة إلى مصالحة وطنية في مواجهة المشروع الكهنوتي التاريخي الذي يتربص بحياة اليمنيين، هي دعوة وطنية مخلصة وشجاعة، ومنطقية في مثل هذا الوضع، لكن الذهاب لتمرير مشروع عودة المخلوع صالح تحت هذه اللفتة شيء ليس بريء وليس بمنطقي البتة، لأسباب عدة.
أولها، إذا كان الرئيس صالح، هو حصان طروادة الذي عادت من خلاله الإمامة، فيستحيل مطلقاً استخدام نفس الحصان لمهمة معاكسة للأولى تماماً، وهي القضاء على الإمامة التي كان صالح خادمها المطيع طوال مشواره السياسي على سدة الحكم في يمن ما بعد يونيو 1978م، وحتى هذه اللحظة.
ثانياً، كان صالح هو الحصان الرابح للمشروع الإمامي الذي راهنوا عليه طويلاً، حتى سلم لهم مفاتيح كل شيء، ظناً منه أنه يستخدم الإماميين ككرت سياسي في يده كما فعل بسابقيهم، لكنه هذا الأمرة لم يحسبها جيداً، فسريعاً ما تم تطويقه وتجريده من كل شيء من قبل الإماميين وأياديهم الخفية والظاهرة في كل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والمدنية التي عملت بصمت طوال خمسين عاماً استعداداً لمثل هذا للحظة، فإذا بصالح يتحول إلى مجرد حاوي ثعابين ملدوغ لا يقدر على شيء.
فقط نظرة بسيطة، لسلسة القرارات الأخيرة التي صدرت على امتداد الشهرين الماضيين، لتدركوا حجم صالح في اللعبة كلها، فقد تم خلال الشهرين الماضيين، تجريد صالح وشبكة مصالحه وتجريفهم من كافة المؤسسات والهيئات والمعسكرات والإدارات المختلفة في كل أجهزة ما تسمى دولة مجازاً، واستبدالهم بقوائم كلها تنتمي لسلالة واحدة، فيما لم ينبس صالح وحلفائه وأدواته ببنت شفه تجاه ما يتعرضون له من إقصاء وتهمش وتجريف وإذلال.
قد يتسائل البعض، إذا كان الحوثيون بكل هذه القوة فلماذا إذن لا يتخلصون من صالح، ولهؤلاء أقول، صالح لا زال يمثل ورقة مهمة في يد المشروع الإمامي، فهو حتى اللحظة الديكور الذي من خلاله يحوثنون ما تبقى من مؤسسات السلطة، ويتستخدون صالح في هذه المهمة كغطاء، ولا يعني هذا أنهم لن يتخلصوا منه، سيخلصون منه ولكن في الوقت المناسب، لانهم يدركون قيمته الحقيقة التي عبروا من خلالها إلى التهام الدولة ولذا لا تزال مهمة صالح لم تنتهي بعد، لكنهم حتماً سيبيعونه في صفقة كبيرة إقليمياً ودولياً.
وقبل هذا كله، الذي يدير كل هذا التعقيد في المشهد الراهن، ليس جماعة الحوثي البدائية الديماغوجية، وإنما يدار المشهد الراهن، من قبل خبراء إيرانيون كبار، وهم الذين يرسمون كل خيوط هذا المشهد وتقاطعاته بعناية، وحينما ينتهي دور أي طرف حتماً ستخلصون منه مثلما تخلصوا من كثير من الأوراق في العراق وسوريا ولبنان.
ختماً، مثلما أقول وأكرر دائماً، أن ثورة الـ26 سبتمبر 1962م، كان بمثابة ثورة الألف عام وثورة المتن اليمني، الذي ظل حبيس تهميشات السلاليين لأكثر من ألف عام، فكانت سبتمبر ثورة إعادة هذا المتن لأهله وسادته اليمنيين، فإن ثورة 11 فبراير2011م، لم تكن سوى ثورة الهامش على متن الثورة الأم، 26 سبتمبر، ومن هنا، ثورة سبتمبر كانت ضد العدو التاريخي الأكبر لليمنيين، وثورة 11 فبراير كانت ضد فساد وتوريث النظام العائلي لصالح، الذي حكم قرابة 33 عاماً، وهي فترة بسيطة أمام استبداد 1200 عام للأسر الهاشمية لليمنيين في شمال الشمال، وبتالي يتنسى لي القول هنا أن صالح ليس سوى هامش على متن الحوثية الطبعة الأخيرة من الهاشمية السياسية الزيدية، وسيئة من سيئاتها.