2016-08-27 الساعة 04:32م
وأنت تحط رحالك في صحراء مأرب ستجد أن هذه الصحراء ليست قاحلة كما تبدو لك.. إنها ذهبية التربة والأصل، أهلها تماماً يُشبهونها...
إحدى المرات قال لي أبي انه وأثناء مروره من مأرب صادف قطاع طرق وتم وضع السلاح في رأسه، في إحدى رحلاته التجارية من هناك.. جاءتني نشوة انتقام إبن لأبيه.. كنت حينها اسكن تلك الجبال الخضراء صاحبة الطبيعة الهادئة بريمة.. لم اعرف بعد كيف أُمسك العصا التي كنت نادرا ما اخرج بها مع رعاة الاغنام الذين تمنيت مرافقتهم على مدى الأيام لكنني فشلت في اقناع والدتي في ذلكم الوادي على شراء عدد من الاغنام..
الإعلام كان له ايضا دور في تعزيز نظرتي الأولى عن مأرب.. واستطاع الاعلام أن يقنع الكثيرين بأن أهل مارب مجرد بدو ومخربين كمااان.. كنا نتماشى مع هذا الحديث، ونؤمن به، سيما وانه تطابق مع حديث أبي لنا..
مرت الأيام ولا تزال النظرة لمأرب كما هي لم تتغير، بل زاد خوفي اذا ما ساقتني الاقدار لأن اذهب الى مأرب.. أخاف من ما حدثني به أبي، حتى بعد ما أصبحت شابا أحمل السلاح في قريتي وأتزعم اجادة استخدامه في الصيد...
في أول رحلة لي من القرية الى صنعاء، كنت مندهشا مما حولي كطبيعة قروي لا يعرف الكهرباء ولا الأسفلت ولا حتى يُجيد لبس الشميز على البنطال وربط الحزام..
في المساء وانا اشاهد التلفاز في منزل عمتي وبينما كنت منهمكا في مشاهد المسلسل الكرتوني "النمر المقنع" انطفأت الكهرباء، وفجأة يخرج عمي من غرفته معصوب الرأس وأشعل شمعة وشتم أهل مأرب/ لانهم ضربوا ابراج الكهرباء كما قال..
زدت يقينا بأن من يسكن هذه المحافظة ليسو بشر او على الاقل وحوش على هيئة بشر..
أيام مضت في صنعاء اصبحت فيها اقطع الشارع بدون ولد عمي، وأُجيد لبس البنطال مع الشميز بل وأُجيد ايضا التطقيم فيما بينهم، بل وأصبحت شجاعا "كالنمر المقنع" المسلسل الذي ادمنت مشاهدته آنذاك، ومع هذا حين تنطفأ الكهرباء من مارب ليلاً اعود الى خوفي الأول واُصبح كنظير "النمر المقنع" الذي كان دائما يظهر بمظهر الخائف الضعيف..
كبرنا وكبرت معنا افكارنا واحلامنا والتقيت بعدد من ابناء مأرب لأول مرة في الجامعة وبعدها في ساحة التغيير بصنعاء وبدأت نظرتي التي تعمقت عن مأرب تتلاشى شيئاً فشيء بل أصبحت صديقا لأحدهم، الذي حدثني كثيراً عن مأرب، وبدأت انسى حديث أبي واتجاهل حديث الاعلام، وأدركت ان الذين كنت أريد ان اقتص منهم لابي هم اتباع المخرب الكبير الذي دمر البيت اليمني على ساكنيه، ولا يمثلون مأرب الحضارة والإنسان...
مأرب ضربت أروع الأمثلة في سبيل العزة والصمود... توحد أبنائها بمختلف مكوناتهم ضد المليشيات المارقة على الدولة والشعب، واليوم يتوحدون أيضا من جديد ضد بقايا المخربين في معركة لا تقل أهمية عن سابقتها..
اختفى المخربون الكثُرْ من مأرب "بعد فشل زعيمهم بدخولها" واختفت معهم تلك الصورة القاتمة على قبائلها، وظهرت للجميع الصورة الحقيقية التي ترونها أمامكم، حيث أصبح الرجل الذي كان يخشى الذهاب الى مأرب كما حدثه أباه ذات يوم والاعلام.. ها هو اليوم يعانق الصحراء الذهبية ويُحدث هذا الجمل...!
*الصورة مع من له دور بارز في ازاحة الصورة القاتمة عن مارب وقبائلها اعلاميا....
مع الاستاذ عبدالواحد دهمش رئيس الدائرة الاعلامية باصلاح مأرب..
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك