2016-09-22 الساعة 04:32م
في مثل هذا اليوم البائس كانت رحلة النزوح الداخلية الأولى حين اجتاحت المليشيات عاصمتنا ومدينتنا التي ارتبطت بها على مدى عقدين من الزمن.
هو يوم مشؤوم لم يفرح به سوى أذناب المليشيات، والسلاليون الذين ظنوه يومهم الموعود لاستعادة الهيمنة على اليمنيين أو من عميت بصائرهم من السياسيين والنشطاء الذين كانوا ينتظرون الفرصة للنكاية بخصومهم السياسيين غير مدركين أنها الطامة التي شملت الجميع.
حين تسقط الدولة وتسود المليشيات يصبح الجميع في العراء، وتصبح الأخطار محدقة من كل جانب وتغدو الحياة مستحيلة في ظل مثل هذا الوضع.
كنا ندرك أن اتفاق السلم والشراكة لم يكن سوى تسليم الدولة للمليشيات، وتحصيل حاصل للاجتياح المسلح الذي صفق له الكثيرون وتخلت الدولة عن مسؤوليتها ووقفت موقف المتفرج، وظل وزير الدفاع التافه يردد جوقة "الجيش المحايد" مع مجموعة من مساعديه الذين باعوا الدولة وباعوا اليمن لعصابات إيران.
كان عفاش بما لديه من قوات يفتح أبواب العاصمة لجحافل الإماميين ويقول لهم "هيت لكم"، هو اليوم الذي بلغ فيه أدنى قعر من السفالة والإنحطاط.
لم يفهم المسخ صالح، أو فلنقل أعماه حقده ورغبته في الإنتقام عن أن يفهم أنه لولا الجمهورية لما أصبح رئيساً ولما حلم حتى بأن يكون أكثر من عكفي يحظى بثقة سيده حتى لو تعرض للصفع، لست مبالغاً في ذلك، لكنها حقيقة النظام الإمامي الذي كان ينظر إلى الفلاح الفقير الجاهل القادم من الضواحي الجنوبية لمدينة صنعاء بقدر هائل من الإحتقار والدونية، وكان أعلى مكان وصله صالح قبل اندثار الإمامة أنه كان عكفياً في فوج الإمام البدر.
بدت صنعاء يتيمة حزينة منكسرة في مثل هذا اليوم من العام ٢٠١٤، أغرقها الشعور بالخذلان وهي ترى جيش الجمهورية ينكص ويسلم كل شيء للمليشيات ويتحول جزء كبير منه إلى مليشيات بعد أن خلع بزته العسكرية وارتدى زي المليشيات.
كنا ندرك أن صنعاء لن تعود كما كانت، ولن يسعها أمام هذا الحقد الطائفي السلالي أن تستوعب كل اليمنيين كما فعلت من قبل.
كيف لها أن تستوعب أحداً وقد أغرقت بشعارات الموت وخطاب التحريض والكراهية وقد صار كل من يرفض الخضوع لهذه المليشيات المتخلفة ملاحقاً بأوصاف "عميل، منافق، داعشي، مرتزق، تكفيري"!!
كيف يمكن لها أن تصبح بيئة للحياة والإنتاج وقد صارت المليشيات هي صاحبة الكلمة العليا فيها، والسلاح المنفلت هو المعلم الأبرز، وقد حولتها المليشيات الغازية إلى مزرعة للفيد والتكسب غير المشروع، فنهبت ممتلكات الخصوم وفتحت باب الجباية واسعاً تحت مسميات عدة، وفي مناسبات متكررة تعني السلالة والطائفة ولا علاقة لها بالمواطن اليمني.
كانت مؤسسات الدولة تنطمر أمام سيل التسميات المليشياوية التي تداهمها من لجنة ثورية إلى إعلان دستوري إلى لجنة رقابية إلى لجان ومشرفين في كل مؤسسة، بعد أن جمعوا لذلك حثالة المجتمع من السلاليين المتحفزين لسرقة المال العام، واللصوص وقطاع الطرق ومنتفعي الدكاكين لحزبية الذين اعتبروها فرصتهم، ووزعوا هذا العفش في كل مكان ابتداءاً من نقاط الإهانات والتفتيش في الشوارع إلى قصر الرئاسة والوزارات المختلفة.
أسماها القائد المحنك محمد قحطان بالإنتفاشة وقال إنها في طريقها إلى الزوال، وتأكد لنا صدق مقولته حين رأينا العصابة وهي تعجز عن التعامل مع الدولة بآلياتها المعروفة عالمياً، وظهر هوسها بالتعامل بطريقة العصابات، وتبدى ذلك واضحاً حين تدحرج هذا الطوفان نحو المحافظات ومضى في تعطيل الحكومة التي ساهمت هذه الجماعة في تشكيلها ووضعت الجميع (الرئيس والحكومة) تحت الإٍقامة الجبرية مطلقة لجنونها العنان.
كانت تلك البداية.. أما النهاية فسيرسمها الشعب وفق خياله وقدرته على رسم المستقبل، لأن العصابات لا مستقبل لها، وإن قالت نحن أبناء النبي وأحباؤه، فأفعالهم أثبتت أنهم لقطاء لا جذور لهم، ولا يعني الشعب أن يكونوا أبناء من، وإنما يعنيه أن يعيش حراً كريماً سيداً على نفسه، يختار حكامه بكامل إرادته ويحاسبهم وفقاً لما يمليه العقد الموقع بين الحاكم والمحكوم (الدستور)، بعيداً عن أفكار الظلام والكهنوت.
"سبتمبر لا يقتل نفسه" أيها الأفاكون، فثقتنا أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر التي صنعها آباؤنا العظماء لا يمكنها أن تنطفئ أمام محاولاتكم البائسة ورهاناتكم على أن من أتوا بعد هذه الثورة العظيمة خذلوها، وإن توهمتم ذلك.
ثورة سبتمبر كانت هي الميلاد الجديد لليمن وستبقى، ولن يتأتى لكم الإنقضاض عليها مهما حاولتم التعمية على الشعب، أو ادعاء حماية مصالحه، فقد خاض معكم تجربة كذبة إسقاط الجرعة، فأسقطتم لقمة المواطن من يده، وأسقطتم الدولة التي تحميه، وأسقطتم البلد في وحل الصراع والحرب، وتوشكون على إسقاط اليمن من خارطة العالم.
سنستعيد صنعاء لتظل عاصمة لكل اليمنيين، ولن نسمح لكم أن تجرونا إلى صراع طائفي مهما غرقتم في الطائفية وارتبطتم بجذرها ومنبتها الرئيسي، فقضيتنا معكم واضحة، وهي الدولة التي تريدون اختطافها والحرية التي تبغون مصادرتها، حرية لكل الناس بما فيهم أنتم لتتحرروا أولاً من أوهامكم، وتتخلصوا من الجنون الذي جعلكم "طايحين في الجبال" بعد أن كنتم مواطنين كاملي المواطنة.
وأنا أسرد هذه الذكريات الأليمة مع يوم ٢١ سبتمبر أشعر أن ٢٦ سبتمبر يجتذبني إليه ويشد على عضدي ويصرخ بصوت يبعث فيني الحياة "كن قوياً و تطلع نحو أشعة شمس يوم من الدهر حاكه الآباء بدمائهم وأحلامهم".
ستبقى اليمن وستبقى الجمهورية وستتبدد كل الأوهام والنزعات العصبية المريضة.