أهم الأخبار
خليل العمري

خليل العمري

الطريق الى ميدي

2016-12-11 الساعة 12:47ص

٣٠٠ يوم قضيتها في ميدي-الطوال، مرّت الأيام قصيرة مثل ضربات قلب ،ما تزال الثلاثة الأيام الاولى بارزة في ذهني مثل قطع خشبية طافية على بحر ميدي .

طريق طويلة سلكناها من حضرموت وحتى ميدي بحجة، دورة كاملة من الشرق الى الغرب ، في الطريق قالو لي انت المسؤول الإعلامي ، كان الباص يحوي مجندين تغمرهم الشجاعة وأقارب لشهداء ، كانت اليمن تظللنا كسحابة صيف ، تبخرت الكلمات في حضرت من قدّٓموا فذات أكبادهم وآخرون يسابقون الريح للحاق بالمعركة .

تمالكتُ نفسي واستعنت بما تختزنه ذاكرة الهاتف النقال، مجموعة من الزوامل وأناشيد أيوب الوطنية ، دوت في الإرجاء "يا سماوات بلادي باركينا وهبينا كل رشد ودعينا ، نجعل الحق على الارض مكينا"، عقب انتهائها قام والد الشهيد محمد الهمداني وتقدم نحو مقعد السائق ، كان وجهه يتلألأ مثل قطعة قمر ممسوحة بشيء من الحزن ، تناول الميك بيديه وقبضه وكأنه بندقية مقاتل، قال بصوت شاحب وقوي :"انتوا عيالي كلكم لو سار محمد ، محمد كان ذكي وسافر برضاه للقتال بعد ما طروه الحوثة وقالوا انه داعشي "، كان لوقع كلماته القليلة على مسامعنا اثر كبير، شعرت ان حركة الباص تزداد وحرارة المكان ترتفع .

في لحظات التعارف ، كانت المفاجأة ، شباب من خريجي كلية الهندسة بجامعتي صنعاء وعدن ومن جامعة تعز قرروا الالتحاق بالجيش ، اما انا فكنت بجوار قريب لصحفي من حجة استشهد في غارة خاطئة للتحالف بصنعاء ، كان ذلك الصحفي من أنبل الزملاء غادرنا وترك فراغاً قتيلاً ، اما قريبه الطبيب فقد كان والده من حزب صالح، تركه واختار ان يسير في طريق معالجة جرحى الجيش الوطني ، سألتقيه بعد اشهر وقد صار مسؤولاً لوحدة صحية في ميدي .

قمت بتقسيم الباص الى مجموعات تحمل اسماء الشهداء ، بدأت بالقاء الأسئلة عن احداث هامة ، تواريخ الانقلاب وتحرير عدن ومعارك مارب وتعيين الشدادي وقائد المنطقة الرابعة الذي استشهد في عدن ، كانت الأحداث منقوشة في ذاكرتهم مثل حروف سبئية على جدران عرش بلقيس ، يقولون الشعر ايضا وكانهم يشربون الماء ، كنت اعتقد انني في ندوة وليس مع شباب محتشدين للمواجهة .

حينما وصلنا الى ميدي ، وقف الجنود لاستقبالنا مثل ضيوف الشرف الذين يصطفون في المطار لاستقبال الزعماء ، ظلوا يطلقون النار في الهواء قرابة ربع ساعة مع صوت أيوب طارش ، الفنان الوطني الذي لا يفارقهم مهما كانت الظروف ، يقولون انه يمدهم بالإلهام ويجعل البلاد تسير في عروقهم مثل قطار سريع .

كان في انتظاري هشام الشبيلي ، وهو صديق يسبق عمره الأكاديمي بسنوات ، اقلنا الى غرفتين يطلق عليهن مجازا مركز اعلامي ، كان الشباب يتراصون فيها مثل محجوزين في زنزانة ، قبل ان انتقل الى غرفة ضابط في الرئاسة برتبة نقيب ويدعى حسين السلمي ، كان قد استضاف هو الاخر ٣ من الاعلاميين في غرفته الصغيرة ، من بينهم الصحفي البارز احمد ابو سالم .

ان تكون صحفياً في منطقة مواجهات معناه انه ينبغي عليك ان تتخلى عن مشاعرك الوردية التي اكتسبتها وترتدي بزة مقاتل سلاحه الكاميرا والشجاعة في معركة غير متكافئة ، قد تكون فيها ضحية لقذيفة طائشة وانت تحاول ان تنقل الصورة الحقيقية للتضحيات التي يسطرها الأبطال في سبيل استعادة بلادهم .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص