2017-08-12 الساعة 05:04م
اتهمت الحكومة الأمريكية كثيراً من المواطنين اليمنيين بالإرهاب وأدرجتهم على قوائمها التي تنتقيها بعناية لإرهاب كل من تشعر أن نشاطه وحركته في وسط المجتمع يتعارض مع مصالحها ومخططاتها.
اغتالت أمريكا عبر عملائها وعبر طائرات الدرونز كثيراً من تلك الشخصيات في اليمن ودول المنطقة ولا تزال توسع قائمتها التي تبنى في الغالب على معلومات من وكلاء الأمريكان في المنطقة حكام وأجهزة مخابرات توظف هذا الملف للنيل من خصوم الحاكم.
كان من ضمن هؤلاء الأشخاص المدرجين في قائمة الإرهابيين الخطرين الشيخ محمد المؤيد (داعية، ووجاهة إجتماعية، وقيادي في حزب الإصلاح)، ينتمي المؤيد إلى بني بهلول التابعة إدارياً لمديرية سنحان، جنوب صنعاء، التي ينتمي إليها الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونافس فيها في انتخابات ١٩٩٧ على المقعد البرلماني في الدائرة.
كان للمؤيد حضور قوي كخطيب مؤثر وداعية يستطيع أن يتحدث إلي قبائل شمال اليمن بلهجتهم ويوصل الفكرة بلهجته الدارجة مع طرفة خفيفة ترسم البسمة على شفاه الحاضرين.
أجريت مقابلة مع الشيخ محمد المؤيد وزرت مركزه وبيته في العام 2002 بعد أن أدرجته الحكومة الأمريكية على قائمة المتهمين بالإرهاب، وقبل أشهر من قصة اعتقاله في ألمانيا.
ينتمي المؤيد إلى واحدة من العائلات الهاشمية المعروفة، لكن رفضه أيضاً لفكرة "السلالة" وما تحمله من استحقاقات "الولاية، والإمامة" جعله محل عداء قطاع واسع من تلك العائلات التي ترفض أن تهاجَم الفكرة من أحد أبناء السلالة وينظرون إلى من ينتهج هذا السلوك أشد خطراً من "النواصب" بحسب تعريفات كتب المذهب.
كان المؤيد رحمة الله عليه يصنف من قبل علماء الزيدية بأنه وهابي خطير، شكل خروجاً على المذهب والسلالة وتجاوز عصبية القبيلة والجغرافيا.
كل تلك العوامل جعلته في دائرة المغضوب عليهم لدى الحاكم وأجهزة المخابرات المعنية بنقل المعلومات لمثيلاتها في الولايات المتحدة والدول الغربية، وكان ترؤسه لجمعية الأقصى وهي جمعية تهتم بجمع التبرعات في اليمن ودعم مشاريع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بمثابة مدخل لاتهامه بدعم وتمويل الإرهاب.
أسس المؤىد مركز الإحسان الخيري في مدينة الأصبحي والذي تحول في وقت وجيز إلى واحد من أكبر المراكز واستطاع أن يؤسس مخبزاً خيرياً يوزع الخبز بالمجان لآلاف الأسر الفقيرة، ونفذ عشرات المشاريع الخيرية التي استفاد منها آلاف الفقراء في أمانة العاصمة ومن ضمنها إقامة "أعراس جماعية" لشباب فقراء والتي احتفظت بصورها أجهزة المخابرات لتقدمها فيما بعد كأدلة خطيرة على إدانته.
ولأن المؤيد قد بات في نظر كثير من أجهزة المخابرات الغربية إرهابياً خطيراً فقد جندوا مخبرين لجمع ملعومات عنه ورصد كل التفاصيل التي تعزز تلك الفرضية.
مطلع العام 2003 تم استدراج الشيخ المؤيد للسفر إلى ألمانيا بعد أن تلقى وعداً عبر من كان يعتقده بحسن نية (فاعل خير) بينما كان في الحقيقة أحد عملاء المخابرات الأمريكية الذين زرعتهم في محيط المؤيد، وعده أن رجل أعمال فاعل خير يرغب في مقابلته في ألمانيا وأنه سيقدم دعماً لمركزه الخيري ودعماً لمشاريع خيرية في فلسطين، فوافقت هذه الفكرة رغبة في نفس الشيخ المؤيد بالسفر لإجراء فحوصات إلى جانب إمكانية الحصول على دعم.
سافر الشيخ محمد المؤيد إلى مدينة برلين وبرفقته أحد معاونيه في مركز الإحسان الخيري وهناك لم يجد في انتظاره فاعل خير بحسب الإتفاق وإنما اكتشف أنه وقع في المصيدة.
تم إلقاء القبض عليه حينها وبعد فترة قصيرة سلمته أجهزة المخابرات الألمانية كهدية لأصذقائهم الأمريكان، بدت هذه الحادثة للشيخ المؤىد بمثابة مزحة ثقيلة ستنتهي بعد ساعات لكنها استمرت لسنوات عدة، ونزل خبر اعتقاله كصاعقة على اليمنيين الذين يعرفون المؤيد عن قرب ويعرفون أنشطته.
وعلى الرغم من فضاعة هذه التجربة التي وجد فيها شيخ مسن نفسه يخوض تجربة السجون والمحاكم ويواجه التهم إلا أنها كانت الفرصة الوحيدة لمواطن يمني يواجه تهمة الإرهاب في بلد لا يزال فيه قضاء يحترم نفسه، استمرت المحاكمة سنوات لكن المؤيد الذي كانت تعتبره المخابرات الأمريكية أحد الإرهابيين الخطرين أثبتت المحكمة براءته مع رفيقه وغادرا الولايات المتحدة عائدين إلى صنعاء.
المضحك أن صور العرس الجماعي عرضت في المحكمة كوثيقة على تجنيد الإرهابيين وأن هذه الصور لحفلات توديعهم وإرسالهم لتنفيذ عمليات "انتحارية" في فلسطين، مع أن المؤيد مثله مثل آلاف اليمنيين يفاخرون بدعم حركة حماس باعتبارها رأس شوكة في مواجهة الإحتلال الصهيوني، ولا يهمهم إن كان رعاة إسرائيل يعتبرونها حركة إرهابية.
رحل اليوم الشيخ المؤيد إلى ربه بعد حياة حافلة بالعطاء ومثيرة للجدل من محبيه ومبغضيه، بينما قائمة المتهمين أمريكياً بالإرهاب لا تزال تتسع، ولا تزال الخزانة الأمريكية بين الحين والآخر تتحفنا بأسماء ليمنيين جدد على قائمتها اللامنتهية، بينهم عدد من رفاق الشيخ المؤيد الذين لو مثلوا أمام أي قضاء محترم بما فيه القضاء الأمريكي لعجز فعلياً عن إدانتهم.
كان المؤيد يمنياً أصيلاً وشخص تفوق فاعليته عشرات الأشخاص لديه كاريزما وتأثير واضحين من قدرته على حشد الناس والتأثير من خلال خطبه التي كان يركز فيها على نقاط متعلقة بفكرة الإمامة والتمييز بين "السيد" و "القبيلي"، وبذلك كان يشكل مصدر إزعاج لكثير ممن يعيشون على هذه الفكرة.
وفيما فارق الشيخ المؤيد الحياة في "مكة" بعيداً عن مدينته وعن الناس الذين أحبهم وأحبوه، شأنه في ذلك شأن آلاف اليمنيين الذين شردتهم الحرب، فإنه لا أحد يعرف ما مصير "العنسي" عميل المخابرات الأمريكية الذي أحرق نفسه في وقت لاحق أمام أحد مقراتها للمطالبة بدفع مبلغ الجائزة الذي وعدوه به في حال نفذ المهمة.
كانت رحلة الاعتقال والمحاكمة التي مر بها الشيخ المؤىد نموذجاً على جنون الحكومة الأمريكية والهوس الذي تعاطت به مع ملف الإرهاب، كما أنها شاهد حي على تجربة نظام صالح القذر الذي تاجر بمواطنيه وبلده وقدمهم للعالم كإرهابيين محتملين ما جعلهم محط توجس وريبة العالم كله.
* مقال خاص بالمصدر أونلاين