2017-08-23 الساعة 09:19م
حينما تكون الكتابة عن رجل قضى وقتا مثل عمرك في العمل الإعلامي والوطني, أو عن فارس من فرسان الإعلام قدم نماذج مشرقة في العمل التلفزيوني والإذاعي, ستكون في حيرة من أمرك من أين تبدأ؟! وكيف يمكن لقلمك أن يدون لمحة من سيرة بطل بحجم الأستاذ محمد الياسري الذي حفلت دقائق حياته بالبذل والعطاء والنشاط والإبداع..
الياسري الإعلامي والصحفي والمثقف الذي عمل في عدد من القنوات والإذاعات المحلية كان لي شرف العمل إلى جواره.. غادر إلى دار الخلد والبقاء بعد معاناة من المرض ومازالت كلماته اللطيفة ماثلة أمامنا وبسمته الرقيقة ترافقنا, وعينه الدامعة وأحزانه وأناته تؤرق مضاجعنا, سأكتبه بدون تكلف بعيدا عن العبارات التقليدية, سأكتبه كما عرفته وعشت معه لأكثر من نصف عام في خندق واحد وبقلب واحد ولم أجده إلا جملة مختصرة لمجموعة من كلمات: العمل والإتقان, الطموح والإنجاز, الخِبرة والمهنية , والتواضع والبسمة.
ولما كانت الأعمال بخواتيمها والنهايات المشرفة مقياسا لماضٍ مشرق كونها تختزل تفاصيل المشهد, فإنها –بلا شك- ستفرض نفسها لتكون منطلق الحديث عن زميل بحجم الأستاذ محمد الياسري..الذي سأبدأ في الكتابة عنه من آخر لحظة زار فيها المستشفى حيث كان بحوزته قصاصات من الورق كتب عليها وهو يصارع المرض أفكارا لبرامج وطنية وفلاشات تعزز من صمود أبطال الجيش في جبهات العز والشرف.
كان الفقيد وطنا يحمل وطنا, قدم من صنعاء نحو مأرب يحمل أطنانا من الطموحات التي كان عنوانها الوطن والجيش الوطني, ومضمونها الكرامة والحرية والعزة ومن أجل تحقيق هذه الرسالة التي كان ينبض بها حلما ويتنفسها أملا, وهبها وقته وجهده, تجسد ذلك في تلك اللحظات التي كان يقضيها وراء حاسوبه الشخصي مفكرا ومبدعا ومعدا ومقدما لبرامج على إذاعة ناس إف إم.
ترجل الفقيد, بعد أن عرفناه مثقفا لبيبا عبقريا فذا, عرفناه سيفا حادا ومبارزا بالكلمة والعبارة, وظل بطلا مقاوما يصدح بالحق, ويتصدى لأكاذيب الباطل, ويسعى بكل ما أوتي من بلاغة وفصاحة في شحذ همم الأبطال ورجال الجبهات, وقف شامخا حتى آخر لحظة من حياته, وحين خارت قواه توكأ الأمل والطموح يصارع الألم ويجتاز العراقيل ويغالب جور الزمن وقساوة الإهمال والنسيان.
نعم عزيزي قرير العين, فلقد أديت الواجب بكل جدارة وصبر، وخلفت جيلا من تلاميذ المهنة الذين غرست فيهم قيم التضحية والفداء, قيم البذل والعطاء, قيم الحب والمثابرة.. نم ولك في كل جبهة أثر وفي كل ميدان فرسان, يشهدون أن معلما عظيما مر من هنا وترك بصماته تنير الطريق وتصنع العزائم التي تحيل اليباب خضرة واليأس قوة وعزيمة.
رحمك الله يا أعز من فقدنا, وأسكنك فسيح جناته, وألهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان. إن لله وإن إليه راجعون.