2017-09-30 الساعة 02:46م
يتوجه غدا الأحد الناخبون في إقليم كاتالونيا لإبداء الرأي حول رغبة سكانه في استقلال إقليمهم عن إسبانيا، ورغم الاعتراضات التي تقدمت بها الحكومة في مدريد حول دستورية الإجراء إلا أنه من الواضح أنه سيتم، وأن نتيجته الأولية ستكون لمصلحة (الاستقلال) رغم إدراك الجميع أن الأمر لا يمكنه التحقق لمجرد الرغبة، نظرا للتعقيدات المترتبة على ذلك أوروبيا وعالميا وسيكون سابقة قد تزيد من مساحة الشروخ التي تصيب الجسم الأوروبي.
تشكل الإقليم بدمج مقاطعة برشلونة في القرن التاسع باندماج مع عدد من المقاطعات القريبة بدعم من الملك الفرنسي شارلمان الذي أراده منطقة عازلة لحماية بلاده من احتمالات تمدد الحكم الإسلامي في تلك الفترة من إسبانيا، ولم تعرف المنطقة بكاتالونيا إلا في القرن الثاني عشر، وصارت جزءا من مملكة إسبانيا في عهد الملك فرديناند الأول والملكة إيزايبلا، وبعد اكتشاف القارة الأمريكية تحول مركز الثقل الاقتصادي من سواحل البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي مما أدى إلى انحسار أهمية دور كاتالونيا اقتصاديا وسياسيا.
في عهد الرئيس فرانكو (١٩٣٩ - ١٩٧٥) تم قمع حركة التمرد في الإقليم وتم إعدام الكثير من الناشطين الكاتالان، ولكن المنطقة صارت مزدهرة صناعيا واضحت مركز جذب للهجرة الداخلية والنشاط الصناعي، وفي العام ١٩٧٨ اعترف الدستور الإسباني الجديد بوجود كتل متمايزة ثقافيا وبدء مرحلة الاستقلال الإداري.
بعيدا عن نتائج الاستفتاء إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف بل بداية مرحلة كسر العظم بين الإقليم والحكومة المركزية، والأمر ذاته ينطبق على ما جرى في إقليم كردستان الذي لن تكون لنتيجة التصويت فيه أي نتائج عملية غير أنه يمنح الحكومة هناك التفويض بالتباحث حول مستقبل الإقليم، ورغم الفارق الكبير بين الحالتين الكاتلونية والكردية من حيث مبررات المطالبة بالهروب من المركز إلا أن الإنصاف يلزمنا القول إن ظلما فادحا وقع على الأكراد وتمت تصفية قياداتهم والتحكم في أراضيهم وهو ما لم يحدث للكاتلان.
النموذج الانفصالي الثالث هو ما يرغب فيه المجلس الانتقالي في جنوب اليمن الذي أتعاطف مع أغلب مطالبه السياسية إلا أن أسلوب إدارته يشير إلى عشوائية في الأداء انعكست في أسلوب إدارة القلق لدى المواطنين، ومن السذاجة السياسية تصور أن مجرد إبداء الرغبة في الانفصال سيتبعه قبول إقليمي ودولي، ورغم اعترافي بنزاهة المقصد لكن (الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة)، ومن غير المستحسن أن يتوهم المجلس أنه يمثل الجنوب، بل هو في الواقع يعبر عن جزء كبير منه لكن لا أحد يدري ما هي نسبة المؤيدين والمعارضين لتوجهاته، وقد تكون نقطة قوته الكبرى هي يأس الناس من أداء الحكومة وعدم قدرتها على تقديم نموذج مثالي، وهكذا صار المواطنون يتمسكون بأي قشة يدركون انها لن تنجدهم من الغرق.
بين هذه النماذج نجد الفارق الفاضح بين الدول التي تديرها تقاليد وتتصارع فيها المؤسسات بالنصوص الدستورية، وتلك التي يتصور القائمون على أمرها أنهم المخولون بتمثيل الناس دون تفويض شعبي معترف به، وما فعله الأكراد في العراق خطوة متقدمة تؤسس للالتزام بالعمل السياسي المنظم، وما يفعله الكاتلان لن يخرج عن إطار الحصول على تفويض شعبي موثوق به، وهذان النموذجان يجب أن يمثلا النموذج لمن يريد تمثيل الجنوب، والأمر ذاته ينطبق على الحوثيين الذين يتصورون أنفسهم ممثلي الله في الأرض بحكم الانتماء السلالي. والتعبير بالتجمعات والمظاهرات لا يجوز الاعتقاد بأنه يمنح التفويض الشعبي.